الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنت أغتنا، وأنت لائق للسلطنة، فلم يسع تنبك إلا أن قام من وقته وقبل الأرض، وبايعه بالسلطنة ثم وافقه على ذلك جماعة الأمراء وغيرهم، وخلع الملك الصالح محمد بن ططر، فكانت مدة سلطنته أربعة أشهر وثلاثة أيام.
جلوس الأشرف برسباي على تخت الملك
لما كان يوم الأربعاء، ثامن شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة طلب الخليفة المعتضد بالله أبو الفتح داود، والقضاة الأربعة إلى القلعة؛ فحضروا، وقد جمع الأمراء وأرباب الدولة، فبايعه الخليفة والقضاة، ثم الأمراء على مراتبهم، وفوضت عليه خلعة السلطنة، وجلس على تخت الملك، وقبلت الأمراء الأرض، ونعت بالملك الأشرف أبي العز، ثم غير كنيته بأبي النصر.
ونودي بذلك في القاهرة، وكتب بذلك إلى الأقطار، وتم أمره، وساس الملك أحسن سياسة بالنسبة إلى غيره، ونالته السعادة، وفتحت في أيامه عدة فتوحات، وجهز العساكر إلى أخذ قبرس في سنة ثمان وعشرين، ومقدم العساكر الأمير جرباش الكريمي، حاجب الحجاب، المعروف بقاشق، صحبته عدة من
الأمراء وغيرهم، وتوجهوا إلى قبرس، وأخذوا الماغوصة، ونهبوا، وأسروا، وسبوا، وأحرقوا، ثم عادوا بعد النصر والظفر إلى الديار المصرية.
ثم جهز عسكراً آخر في سنة تسع وعشرين أعظم من ذلك العسكر، وعليهم من الأمراء مقدمي الألوف أربعة وهم: الأمير إينال الجكمي أمير مجلس، والأمير تغري بردى المحمودي رأس نوبة النوب، والأمير قرامراد خجا الظاهري، والأمير تغري برمش نائب القلعة، وعدة أمراء أخر من الطبلخانات والعشرات، وكثير من أعيان الخاصكية وغيرهم. ووافاهم أيضاً العساكر الشامية براً وبحراً. وساروا في يوم الجمعة ثاني شهر رجب من سنة تسع وعشرين، بعد أن قرر السلطان بأن يكون مقدم العساكر البحرية الأمير إينال الجكمي، والأمير قرا مراد خجا وعدة أخر، وأن يكون مقدم العساكر في البر، لما يصلون إلى جزيرة قبرس الأمير
تغري بردى المحمودي، والأمير تغري برمش، وصحبتهم أكثر العسكر.
وركبوا بحر النيل إلى أن وصلوا رأس بحر المالح، وأرادوا السفر فيه، هبت ريح باردة؛ حصل اضطراب عظيم، وانكسر بعض المراكب، وغرق عدة من الخيول - التي كانت في مراكب السفر الأغربة - وردوا إلى الثغر؛ لإصلاح ما تلف من المراكب. وراجعوا الملك الأشرف بذلك، فاغتم لذلك، ودعا الله سبحانه وتعالى وقصد الأولياء والصالحين، وأمر عدة فقهاء بقراءة سورة الأنعام عدة مرار، ثم أرسل إليهم بالثغر بما يحتاجون إليه من الآلات والدراهم والسلاح، ولا هاله ذلك، بل صمم على السفر، وأرسل يستحثهم في إصلاح ما فسد من مراكبهم، وفي سرعة السفر؛ فامتثلوا ما رسم به، وسافروا في أمن الله إلى أن وصلوا بر اللمسون، فخرج إليها شرذمة من العسكر، وقاتلوا من بها حتى أخذت عنوة في يوم الأربعاء سابع عشرين شعبان، وهدموها، وقتلوا من بها من المقاتلة، وغنموا، ثم ساروا عنها بعد إقامتهم عليهم ستة أيام
في يوم الأحد أول شهر رمضان، وقد صاروا فرقتين: فرقة في البر، وفرقة في البحر، حتى كانوا فيما بين اللموسون والملاحة إذا هم بجينوس بن جاك متملك قبرس قد اقبل بمجموعة، والتقى مع العساكر الإسلامية؛ فكانت بين الفريقين حروب شديدة، انجلت عن وقوعه في الأسر، بأمر من عند الله يتعجب منه. ولله الحمد.
وكان النصر في ساعة واحدة. والعجب من كثرة جيوشه، وقلة مقاتلة المسلمين؛ لعدم اجتماعهم، فإنه جاءهم بعساكره بغتة، وكان غالب فرسان المسلمين في المراكب لم يتأهبوا للقتال.
ولما وقع جينوس متملك قبرس في أسرهم وانهزم جيشه وأسرت جماعة من فرسانه، أكثر المسلمون من القتل والأسر، ولم يقتل من المسلمين الأعيان سوى أربعة من الخاصكية، وهم: السيفي تغري بردى المؤيدي الخازندار، وكان من الشجعان والأشكال الحسنة رحمه الله والسيفي قطلوبغا الخاصكي المؤيدي المصارع، وكان أيضاً من الفرسان رحمه الله والسيفي إينال طاز المصارع الخاصكي، والسيفي نانق اليشبكي الخاصكي.
وانهزم بقية الفرنج، ووجد معهم طائفة من التركمان المسلمين قد أمدهم بهم علي بك بن قرمان، فقتل كثيراً منهم.
واجتمع عساكر البر والبحر من المسلمين في الملاحة يوم الاثنين ثامن رمضان، وقد تسلم متملك قبرس الأمير تغري بردى المحمودي، ثم ساروا من الملاحة يوم الخميس يريدون الأفقسية - مدينة الجزيرة ودار مملكتها - فأتاهم الخبر في مسيرهم بأن أربعة عشر مركباً للفرنج قد أتت لقتالهم، منها سبعة أغربة، وسبعة مربعة القلاع؛ فأقبلوا نحوهم، وغنموا منهم مركباً مربعاً، وقتلوا من الفرنج عدة كبيرة. وكان السبب في أخذ هذه المربعة من الفرنج الأمير طوغان - مملوك والدي أحد مقدمي الألوف بدمشق -، ثم دخلوا الأفقسية وهم يقتلون ويأسرون.
ثم عادوا إلى الملاحة بعد إقامتهم بالأفقسية يومين وليلة، فأقاموا بالملاحة سبعة أيام وهم يقيمون شعائر الإسلام.
ثم ركبوا عائدين بالأسرى والغنيمة وبصاحب قبرس إلى أن وصلوا إلى الثغور الإسلامية، ثم ساروا نحو القاهرة، فدخلوها في يوم الأحد
سابع شهر شوال سنة تسع وعشرين وثمانمائة، وتكمل من دخولهم من الغد في يوم الاثنين، ونزلوا بالميدان من موردة الجبس، ثم مضوا سائرين في اليوم المذكور بمتملك قبرس والأسرى والغنائم، وقد اجتمع لرؤيتهم من الخلائق عالم لا يحصى عددهم إلا الله عز وجل ومروا بهم من الميدان على باب اللوق حتى خرجوا من المقس، ودخلوا من باب القنطرة إلى بين القصرين، وشقوا قصبة القاهرة إلى باب زويلة ومضوا إلى صليبة جامع ابن طولون، وأقبلوا من سويقة منعم إلى الرميلة إلى القلعة من باب المدرج.
وكانوا في مسيرهم هذا البعيد قد قدموا الفرسان من الغزاة والمجاهدين أمام الجميع ومن وراء الفرسان الرجالة من عشران البلاد الشامية، ومطوعة البلاد، وزعر القاهرة، ومن وراء هؤلاء الغنائم محمولة على رءوس الرجال،
وظهور، الخيل، والبغال، والحمير، وفيها تاج الملك، وأعلامه، ورايته منكسة، وخيله تقاد من وراء الغنائم، والأسرى من الرجال، والنساء، والصبيان، وهم نحو ألف إنسان، ومن وراء الجميع جينوس الملك، وهو على بغل مقيد بالحديد، وأركب معه اثنان من خاصته، وركب الأميران إينال اجلكمي أمير مجلس عن يمينه، وتغري بردى المحمودي رأس نوبة النوب عن يساره، حتى وصلوا الجميع إلى القلعة، أنزل جينوس عن مركبه، ثم كشف رأسه، وخر على وجهه إلى الأرض فقبلها، ثم قام ومشى إلى أن دخل إلى الحوش السلطاني، وهو يرفل في قيوده، وقبل الأرض أيضاً بين يدي السلطان. وكان السلطان جالساً في المقعد على باب البحرة، تجاه باب الحوش، وعنده أكابر الدولة من الأمراء والأعيان، وكان الشريف بركات بن عجلان أمير مكة حاضراً، ورسل ابن عثمان متملك الروم، ورسل صاحب تونس من بلاد الغرب، ورسل صاحب عدن وغيرهم. كل هؤلاء اتفق حضورهم في هذا اليوم بالمقعد المذكور.
ولقد عاينت جينوس المذكور لما دخل من الحوش، ورأى تلك الأبهة والعظمة أغمي عليه، واستلقى على الأرض كالميت، ثم أفاق، وأعلامه منكسة
أمامه، وعرضت الغنائم والأسرى على السلطان، ثم قدم جينوس بقيوده مكشوف الرأس، فخر على وجهه يعفره في التراب، ثم قام وقد أظهر من الخوف ما لا مزيد عليه، ثم أمر السلطان بتوجهه إلى منزل قد أعد له بالحوش، فكان هذا اليوم من الأيام التي لم نعهد يمثلها، ولا شاهدنا مثل هذا اليوم الذي عظم الله قدره بنصر المسلمين، وأعز الله فيه دينه، فلله الحمد على هذه النعمة.
ولما كان جينوس بين يدي الملك الأشرف على تلك الهيئة المذكورة، صارت دموع الأشرف تذرف، وهو يلهج بحمد الله وشكره.
ثم إن السلطان رتب له من الرواتب ما يكفيه في اليوم، إلى أن أطلقه وأعاده إلى ملكه بعد أن ضرب عليه الجزية، واستمرت إلى يومنا هذا.
وفي هذا المعنى يقول صاحبنا الأديب البليغ زين الدين عبد الرحمن بن الخراط، أحد كتاب الإنشاء بالديار المصرية قصيدة أنشدها بين يدي السلطان بحضور أركان الدولة، وفرغ عليه بعد فراغها بالحضرة الشريفة، أولها:
بشراك يا ملك المليك الأشرف
…
بفتوح قبرس بالحسام المشرفي
فتح بشهر الصوم تم له فيا
…
لك أشرف في أشرفٍ في أشرف
فتح تفتحت السموات العلى
…
من أجله بالنصر واللطف الخفي
والله حف جنوده بملائكٍ
…
، عاداتها التأييد وهو بها حفي
الأشرف السلطان أشرف مالكٍ
…
لولاه أنفس ملكه لم تشرف
هو مكتف بالله أحلم قادرٍ
…
راضٍ لآثار النبوة مقتفي
حامي حمى الحرمين بيت الله وال
…
قبر الشريف لزائر ومطوف
والقصيدة ثلاثة وسبعون بيتاً، كلها على هذا النمط.
ثم بعد ذلك جهز السلطان العساكر إلى جهة الشرق غير مرة، وفتح عدة قلاع بديار بكر وغيرها، وتجرد هو بنفسه في سنة ست وثلاثين وثمانمائة؛ فوصل إلى مدينة آمد من ديار بكر، وحصرها مدة طويلة، ثم عاد بعد أن بلغ بمن بمدينة آمد الجهد.
فأول ما جهزه من العساكر إلى البلاد الشامية لما عصى الأمير تنبك البجاسي نائب دمشق سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وكان المجهز لقتاله المتولي نيابة دمشق عوضه الأمير سودون بن عبد الرحمن الظاهري الدوادار؛ فتوجه إليه وقاتله حتى ظفر به، وحز رأسه، وأرسل بها إلى الملك الأشرف، فعلقت بالقاهرة أياماً.
ثم جهز عسكراً لغزو الفرنج في سنة سبع وعشرين نحو أربعة أغربة، ثم جهز عسكراً ثانياً لغزو قبرس في سنة ثمان وعشرين، ومقدمهم الأمير جرباش الكريمي - حسبما ذكرناه - ثم الغزوة الثالثة المتقدم ذكرها التي أخذ فيها جينوس ملك قبرس.
ثم جهز عسكراً إلى ديار بكر؛ لقتال الأمير عثمان ابن طرغي المدعو قرايلك في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة؛ فتوجه العسكر المذكور لقتال قرايلك، فقاتلوه، وملكوا مدينة الرها، وصارت بيد الملك الأشرف إلى أن توفى. ثم سافر هو بنفسه إلى آمد في سنة ست وثلاثين، وعاد في أوائل سنة سبع وثلاثين بعد أن
حصرها نحو خمسة وثلاثين يوماً، ثم رحل عنها لما بلغه عن أمرائه في الباطن.
ثم جهز عسكراً في سنة تسع وثلاثين، ومقدم العسكر المذكور الملك الظاهر جقمق - وكان إذ ذاك أتابك العساكر - وصحبته أمراء أخر، فوصلوا إلى مدينة أرزنكان، ثم عادوا إلى ديار مصر في سنة أربعين وثمانمائة.
ثم جهز عسكراً آخر إلى أرزنكان في سنة إحدى وأربعين، ومقدمهم الأمير قرقماس الشعباني أمير سلاح، ومات الملك الأشرف والعسكر المذكور بتلك البلاد. وكان ابتداء مرضه من أوائل شعبان، إلا أنه كان يركب تارة وينقطع تارة، ثم يلزم الفراش مدة، ثم يطيب ويدخل الحمام، إلى أوائل شهر شوال لزم الفراش إلى أن توفى.
ولما قوى عليه المرض وسط طبيبه العفيف الأسلمي، رئيس الأطباء، وزين الدين خضر في يوم السبت رابع عشرين شوال.
وسببه: أنه كان قد اشتد عليه المرض وطال، فصار يستعجل في طلب العافية، وساءت أخلاقه من طول المرض، وتوهم أن الأطباء مقصرون في علاجه، وأنهم أخطأوا والتدبير في مداواته، ولما تحقق ذلك في نفسه، طلب
والي القاهرة عمر بن سيفا، فلما مثل عمر بين يديه، وهو جالس على فرسه وبين يديه خواصه وفيهم العفيف الرئيس المذكور، أمره أن يأخذ العفيف؛ ليوسطه من ساعته بالقلعة، وحرضه على ذلك، فأقامه عمر في الوقت ليمضي به، وإذا بخضر الحكيم قد حضر، فأمره بتوسيط خضر الآخر؛ فأخذه عمر من ساعته، وهو يصيح عمر حكيم وسطوه إيش في يد الحكيم ما يعمل؟ فلم يسمع له عمر، وأخذه هو والعفيف ومضى بهما إلى حدرة الساقية من القلعة، ووقف بهما مقدار ما يشفع فيهما، وقام أهل المجلس يقبلون الأرض، ومنهم من يقبل رجل السلطان، ويتضرعون إليه في العفو عنهما، فلم يقبل، ثم بعث واحداً بعد آخر يستعجل عمر الوالي في توسيطهما، وهو يتباطئ؛ رجاء أن يقع العفو عنهما.
فلما طال الأمر بعث السلطان من أعوانه من يحضر توسيطهما، فخرج المذكور، وأغلظ للوالي في القول، فقدم العفيف؛ فاستسلم، وثبت حتى صار قطعتين، وقدم خضر، فراغ، وجزع جزعاً شديداً، ودافع عن نفسه، وصاح؛ فتكاثروا عليه، ووسطوه توسيطاً معذباً؛ لتلويه واضطرابه، فساءت القالة في السلطان، وكثر كلام الناس في ذلك.
ومن حينئذ قوي مرضه إلى أن توفى قبيل عصر يوم السبت ثالث عشر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وسنه نيف على الستين، بعد أن عهد بالسلطنة من بعده لولده الملك العزيز يوسف، وتسلطن ولده المذكور من يومه، ثم غسل الأشرف وصلى الله عليه بباب القلة من القلعة، ودفن بتربته التي أنشأها بالصحراء، قبيل المغرب، من يوم السبت المذكور، فكانت مدة سلطنته ستة عشر سنة، وثمان شهور وخمسة أيام.
وكان رحمه الله ملكاً جليلاً، مهاباً، عارفاً، سيوساً، حازماً، شهماً، فطناً، له خبرة بالأمور، ومعرفة، وتدبير، محباً لجمع المال.
وكان يحب الاستكثار من المماليك حتى بلغت عدة من اشتراه من المماليك زيادة على ألفي نفر. وكان يقدم اجلراكسة على غيرهم من الأجناس، ويشره في جمع الخيول والجمال، وما أشبه ذلك.
وكان يتصدى للأحكام، ويباشر أحوال المملكة، غالبها بنفسه، وكان متواضعاً، حسن الخلق، غير سباب، لين الجانب، طوالاً، دقيقاً، ذا شيبة نيرة، وهيبة حسنة، متجملاً في حركاته، حريصاً على ناموس الملك.
وكان يميل إلى فعل الخير، ويكثر من الصوم، ولا يتعاطى شيئاً من المسكرات. وكانت أيامه في غاية الحسن من الأمين، والخير، ورخاء الأسعار، وعدم الفتن مع طول مكثه في السنة.
وعمر في دولته عدة بلاد وقرى من أعمال مصر والشام وغيرهما مما خرب في الدولة الناصرية فرج، والدولة المؤيدية شيخ؛ لكثرة تجاريدهما، والفتن التي كانت في أيامهما.
وكان الأشرف مع هذا كله متنغص العيش إلى الغاية من يوم ورد عليه الخبر بفرار الأتابك جانبك الصوفي من سجن الإسكندرية في سابع شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة إلى قبل موته بمدة يسيرة - حسبما سنذكره - فكان دأبه الفحص عنه، والقبض على الناس، وكبس بيوت الأعيان من الأمراء إلى ما دونهم، ونفى جماعة من الأمراء بسببه، وعاقب جماعة، وقبض على جماعة، وطال هذا الأمير سنين، وعم هذا البلاء جميع المماليك. كل ذلك وجانبك المذكور مخف بالقاهرة.
ثم خرج إلى البلاد الشامية، ودام ذلك من سنة ست وعشرين إلى سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة، ورد الخبر بأن جانبك الصوفي المذكور عند بعض بني دلغادر، وصح هذا الخبر؛ فعند ذلك أمن الناس على أنفسهم، وطال لسان من كان اتهم به. ووقع له بعد ذلك أمور من جانبك المذكور أيضاً بتلك البلاد،
وعزل بسبه جماعة من الأمراء، وتجرد نواب البلاد الشامية بسبه غير مرة.
وآخر الحال جيء إليه برأسه - وسنذكر ذلك كله مفصلاً في ترجمته إن شاء الله تعالى - واستراح الأشرف، وخمدت ناره، فلم يتهن من بعده غير أشهرا ومرض ومات.
وكان الأشرف رحمه الله مغرما بإنشاء العمائر، من ذلك: مدرسته الأشرفية التي أنشأها بخط العنبريين بين القصرين بالقاهرة على الشارع الأعظم، وعمر أوقافها، وجعل فيها عدة صوفية حنفية، وولى مشيختها للعلامة الشيخ كمال الدين بن الهمام الحنفي، ثم بدا له بعد عمل صوفية ومدرس من كل مذهب.
وتربته التي أنشأها بالصحراء، بجوار تربة الناصر فرج، وجعل فيها عدة من القراء على ساعات الليل والنهار، تقام فيها الجمعة. ثم أنشأ في آخر دولته جامعه الذي بمنشأة خانقاة سرياقوس بالقليوبية ووقف عليه عدة أوقاف، فجميع ما يصرف على هذه الثلاث مدراس من الجوامك في الشهر مائة وعشرون ألف درهم، وله آثار جميلة، وفتوحات كثيرة.
وفي الجملة هو أعظم ملوك الجراكسة بعد الملك الظاهر برقوق، رحمهما الله تعالى.