الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأصل ألطنبغا هذا مماليك الأمير يلبغا العمري الخاصكي. ولا زال على إمرة إلى أن توفى الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وثمانمائة، ووقع ما حكيناه من وقعة أيتمش الأتابك مع الناصر فرج في سنة اثنتين وثمانمائة، وقبض عليه فيها.
كان ألطنبغا شادي هذا ممن انضم إليه، فقبض عليه أيضاً، وقتل مع من قتل من الأمراء بدمشق في السنة المذكورة، رحمه الله تعالى.
الجاولي، الأمير الأديب
ألطنبغا بن عبد الله الجاولي الأديب، الأمير علاء الدين. كان أصله مماليك ابن باخل، وخدم الأمير علم الدين سنجر الجاولي، وبه عرف لما كان نائباً بغزة.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: كان حسن الصورة، تام القامة، وكان الجاولي يحسن إليه، ويبالغ في الإنعام عليه، وكان إقطاعه عنده يعمل قريباً من عشرين ألفاً.
أخبرني من رآه قال: كان في إسطبله تسعة عشر سرجاً زرجونياً. فلما أشيع عن الجاولي أن إقطاعات مماليكه من الثلاثين ألفاً إلى ما دونها راك الأخباز، وأعطى علاء الدين إقطاعاً دون ما كان بيده؛ فتركه ومضى إلى مصر، بغير رضى من الأمير علم الدين سنجر الجاولي، فراعى الناس خاطر مخدومه، ولم يقدر أحد يستخدمه، فأقام يأكل من حاصله زماناً، ثم توجه إلى صفد، فأكرمه نائبها الأمير أرقطاي، وكتب له مربعة بإقطاع، وتوجه إلى مصر فخرج عنه، فورد إلى دمشق؛ فأكرمه الأمير تنكز، وأعطاه إقطاعاً في حلقة دمشق، ووقع بينه وبين الأمير سنجر بسببه، وبقي بدمشق إلى أن أمسك الجاولي وحبس، ثم أفرج عنه؛ فتوجه إليه وخدمه مدة، ثم أخرجه إلى الشام شاداً على أوقاف المنصور - التي تختص بالبيمارستان - وهو نادرة في أبناء جنسه من الشكالة المليحة، ولعب الرمح، والفروسية، والذكاء، ولعب الشطرنج، والنرد.
ونظم الشعر الجيد لا سيما المقطعات؛ فإنه يجيدها، وله القصائد المطولة، ويعرف فقعاً على مذهب الشافعي، ويعرف أصولاً، ويبحث جيداً، ولكنه سال ذهنه لما اجتمع بالشيخ تقي الدين بن تيمية ومال إلى رأيه، ثم تراجع عن ذلك إلا بقايا.
اجتمعت به كثيراً في صفد والديار المصرية ودمشق، وهو حسن العشرة، لطيف الأخلاق، فيه سماحه. وأنشدني كثيراً من شعره، فمن ذلك:
خود زهي فوق المراشف خالها
…
فلئن فتنت به فلست ألام
فكأن مبسمها وأسود خالها
…
مسك على كأس الرحيق ختام
وأنشدني أيضاً:
وبارد الثغر حلوٍ
…
بمرشفٍ فيه حوه
وخصره في انتحالٍ
…
يبدي من الضعف قوه
وأنشدني أيضاً، عفا الله عنه.
ردفه زاد في الثقاله
…
حتى أقعد الخصر والقوام سوياً
نهض الخصر والقوام وقاما
…
وضعيفان يغلبان قوياً
وأنشدني أيضاً في العلامة شهاب الدين محمود - رحمه الله تعالى -:
قال النحاة بأن الاسم عندهم
…
غير المسمى، وهذا القول مردود
الاسم عين المسمى والدليل على
…
ما قلت أن شهاب الدين محمود
ثم قال: وأنشدني أيضاً لنفسه:
وصالك والثريا في قران
…
وهجرك والجفا فرسا رهان
فديتك ما حفظت لشؤم حظي
…
من القرآن إلا لن تراني
قال وأنشدني:
إن عاد لمع البرق يخبر عنكم
…
وأتى القبول مبشراً بقبولي
فلأقدحن البرق من نار الحشا
…
ولأخلعن على النجوم نحولي
قال وأنشدني أيضاً:
انهل مدمعها دراً وفي فمها
…
درٌ وبينهما فرقٌ وتمثال
لأن ذا جامد في الثغر منتظم
…
وذاك منتشر في الخد سيال
ثم قال وأنشدني:
جاءنا الورد في بديع زمانٍ
…
فقطفناه في منىً وأمان
ونهبنا فيه لذيذ وصالٍ
…
وهتكنا فيه عروس الدنان
وغلطنا فيه ببعض ليالٍ
…
فخلطنا شعبان في رمضان
انتهى.
ومن شعره أيضاً رحمه الله:
يقول لي العاذل في لومه
…
وقوله ذور وبهتان
ما وجه من أحببته قبله
…
قلت: ولا قولك قرآن
وله أيضاً:
وعذولي لج في عذلي إذا
…
لم ير الخال على الخد الأسيل
لو رأى وجه حبيبي عاذلي
…
لتفاصلنا على وجه جميل
وله أيضاً - عفا الله عنه -
مت شهيداً في حب ظبي ألوفٍ
…
لين الأعطاف غير عطوف
خده دون ظبا مقلتيه
…
جنة تحت ظلال السيوف
قلت: ثم صار ألطنبغا المذكور من جملة أمراء دمشق في أواخر عمره إلى أن توفى بها في ثامن شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وسبعمائة.
قال ابن حبيب بعلة الاستسقاء - رحمه الله تعالى -.