الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خروج الأمير قاني باس المحمدي عن الطاعة - في سنة ثماني عشرة وثمانمائة، فتوجه إليها صحبة السلطان، واستمر على كفالته بها إلى المحرم سنة عشرين وثمانمائة، عزل عن نيابة دمشق، ورسم له أن يتوجه إلى القدس بطالاً، وبرز المرسوم بذلك على يد الأمير آقبغا التمرازي، وولى مكانه الأمير أقباي المؤيدي نائب حلب، لما قدم من حلب على النجب - حسبما ذكرنا في ترجمته - واستمر الأمير ألطنبغا بالقدس إلى أن مات به في يوم الاثنين ثاني عشرين شوال سنة إحدى وعشرين وثمانمائة.
وكان أميراً، ضخماً، جليلاً مشكور السيرة، ساكناً عاقلاً، رحمه الله تعالى.
الصالحي نائب حلب ثم دمشق
ألطنبغا بن عبد الله الصالحي العلائي، الأمير علاء الدين، نائب حلب، ثم نائب دمشق. هو ممن أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون حتى صار من جملة
أمراء الألوف بديار مصر، ثم ولاه نيابة حلب عوضاً عن الأمير سودي في سنة أربعة عشر وسبعمائة، فباشرها ثلاثة عشر سنة إلى أن نقل منها إلى نيابة دمشق في سنة سبع وعشرين وسبعمائة، ثم أعيد إلى حلب ثانياً في سنة إحدى وثلاثين، واستمر في هذه النيابة الثانية ثمانية أعوام، وعزل في سنة تسع وثلاثين، وولى نيابة دمشق أيضاً. كل ذلك من قبل الناصر محمد بن قلاوون.
وفي نيابته الأولى بحلب دخل إلى البلاد: سيس، وحاصر حصونها وفتح قلاعها، ثم غزاها ثانياً في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وصحبته العساكر المصرية والشامية، وتوجه إلى فتح مدينة إياس - وهي على ساحل البحر ولها فيه ثلاثة حصون وهن: أطلس وشمعة وإياس - وبه تعرف المدينة - فنازلوها، ونصبوا عليها آلات الحصار، وجدوا في القتال إلى أن فتحوا المدينة، ثم شرعوا في حصار
الحصن الأطلس - وهو حصن منيع في قاموس البحر - فنصبوا عليه أيضاً آلات الحصار، ثم صنعوا جسراً على البحر طوله ثلاثمائة ذراع. فلما رأى الأرمن ذلك ارتاعت قلوبهم وهربوا بأموالهم وأولادهم؛ فدخل العسكر في هذه الحصون المذكورة، وحرقوا وهدموا وقتلوا، ثم رجعوا فرحين مسرورين إلى أوطانهم. وفي هذا المعنى يقول الشيخ بدر الدين بن حبيب:
نحو إياس فرقة من جيشنا
…
توجهوا كي يملكوا بقعتها
فاقتلعوا قلعتها وفصلوا
…
أطلسها وفصلوا شمعتها
ثم غزا تلك البلاد في نيابته الثانية في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، وجرت بينهم حروب وخطوب يطول شرحها. ثم غزاها ثالث مرة في سنة ست وثلاثين، وتوجه إلى قلعة النقير من بلاد سيس ونازل القلعة المذكورة، وجد في حصارها إلى أن أخذها بالأمان، ورجع إلى محل كفالته.
وفي هذا المعنى يقول العلامة زين الدين أبو حفص عمر بن الوردي قصيدة طنانة منها:
جهادك مقبول وعامك قابل
…
ألا في سبيل المجد ما أنت فاعل
هنيئاً بعود من جهاد مبارك
…
على الناس بالجنات كاف وكافل
ألا إن جيشاً للنقير فاتحاً
…
لآت بما لم تستطعه الأوائل
رميتم حجار المنجنيق عليهم
…
ففاخرت الشهب الحصا والجنادل
لعمري لقد كان النقير مانعاً
…
ويقصر عن إدراكه المتناول
بغى فبغى ألطنبغا بالفتح قائلاً
…
ويا نفس جدي إن دهرك هازل
فأنشده الحصن المنيع ملكتني
…
ولو أنني فوق السماكين نازل
وقصر طولي عندكم حسن صبركم
…
وعند التناهي يقصر المتطاول
ثم غزاها رابع مرة. وكان هذا دأبه في ولايته - مع العدل في الرعية والنظر في أمورهم - وبنى بحلب من شرقيها جامعة المعروف به، وكان فراغه في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة - ولم يكن إذ ذاك داخل سور حلب جامع تقام فيه الجمعة سوى الجامع الكبير الأموي - ووقف عليه أوقافاً كثيرة.
ولما ولى نيابة دمشق في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة لم تطل مدته، وقبض عليه إلى أن توفى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وقد جاوز خمسين سنة. وكان مشكور السيرة معدوداً من الشجعان، ذوي الآراء. رحمه الله تعالى.