الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحنفية الشيخ صدر الدين سليمان، وقاضي القضاة المالكية الشيخ شرف الدين عمر السبكي، وقاضي قضاة الحنابلة شمس الدين محمد بن العماد، واستنابوا النواب. وأبقى للشافعي النظر في أموال اليتامى وأمور بيت المال، ثم فعل ذلك بسائر الأقاليم إلى يومنا هذا. رحمه الله وعفا عنه.
الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير
بيبرس بن عبد الله، الملك المظفر ركن الدين بيبرس البرجي المنصوري الجاشنكير.
أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون وعتقائه، وتنقل في الخدم حتى صار من جملة الأمراء بالديار المصرية. وتولى الأستادارية للملك الناصر محمد بن قلاوون.
وكان إقطاعه كبير، فيه عدة إقطاعات لأمراء.
ولما كان أستاداراً كان سلار نائباً بالديار المصرية؛ فحكما في البلاد وتصرفا في الممالك، وصار الملك الناصر ليس له من السلطنة إلا الاسم فقط.
وكان نواب البلاد الشامية جخداشية الجاشنكير من البرجية؛ فقوى أمره بهم، إلى أن توجه الملك الناصر إلى الحجاز ورد من الطريق إلى الكرك وأقام بها، وأرسل يعلم أمراء الديار المصرية؛ ليقيموا سلطاناً.
لعب الأمير سيف الدين سلار بالجاشنكير هذا، وحسن له السلطنة حتى تسلطن، ولقب بالملك المظفر بعد أن أفتى له جماعة من القضاة والفقهاء بذلك، وكتب محضراً مثبوتاً على القضاة، وناب سلار له، واستوثق له الأمر.
وكانت سلطنته في يوم السبت بعد العصر ثالث عشرين شوال سنة ثمان وسبعمائة - وقيل في ذي القعدة في بيت سلار -، وركب من بيت سلار بخلعة السلطنة إلى القلعة، ومشوا الأمراء بيني يديه، ودقت البشائر، وسارت البريدية
بذلك إلى سائر الممالك، وكتب له الخليفة المستكفي بالله على تقليده بخطه. وكان من جملة عنوانه أنه: من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم.
وجلس الأمير بتخاص والأمير قلى والأمير لاجين لاستحلاف الأمراء والعساكر، واستفحل أمره، وأعطى، وأنعم. قيل إن خلعه التي خلعها وصلت إلى ألفين ومائتي خلعة. ودام في الملك إلى أن وقع بينه وبين الملك الناصر وحشة؛ وهو أن الملك الناصر لما دخل إلى الكرك سأل من نائبها الأمير آقوش عن الأموال الحاصلة بها؛ فأحضر النائب بمائتي ألف درهم لا غير؛ خوفاً أن يطلعه على المال؛ فيأخذه كله، وأخرج آقوش من نيابة الكرك، وقنع بالكرك. وخطب للملك المظفر بيبرس هذا بجامع الكرك بحضرة الملك الناصر محمد بن قلاوون، وتأدب الملك الناصر معه وسكت حتى أنه كان إذا كاتبه يكتب: الملكي المظفري. وقصد بذلك سكون الأحوال.
فلما كان بعد ذلك بقليل أرسل الملك المظفر يطلب من الملك الناصر الخيل والمماليك التي عنده، والأموال التي كانت بالكرك؛ فبعث إليه الملك الناصر بالمبلغ الذي أخذه؛ فأعاد الملك المظفر الجواب بتجديد الطلب للخيول والمماليك، والتهديد إن لم يرسل الخيول والمماليك؛ فعند ذلك أهان الملك الناصر رسوله، وأمر
بإخراجه ماشياً إلى الغور، وأخذ من وقته في التحفل حتى كان من أمره ما كان. وأخذ أمر الملك المظفر بيبرس هذا في إدبار، ثم إن الملك المظفر جهز عسكراً لقتال الملك الناصر، لما بلغه خروجه من الكرك، وجعل مقدم عساكره الأمير برلغي.
وكان برلغي هو المشار إليه في الدولة المظفرية بيبرس، وكثر قلق الملك المظفر، وأتى بعض المماليك السلطانية بالمواطأة، وقبض على جماعة منهم، ثم جرد الأمير برلغي مقدماً على العساكر، ومعه ثلاثة أمراء من مقدمي الألوف وهم: آقوش الأشرفي نائب الكرك كان، وأيبك البغدادي، والدكر السلاح دار ومن معهم من الأمراء؛ فبرزوا في يوم السبت تاسع رجب من سنة تسع وسبعمائة، وخيموا بمسجد التبن، ولم يتوجهوا، بل عادوا إلى القاهرة بعد أربعة أيام.
وكان الباعث لهم على العود أن كتب الأفرم نائب دمشق: وردت تتضمن عود الملك الناصر محمد إلى الكرك. ثم أرسل الملك المظفر إلى الملك الناصر محمد رسالة ثانية على يد الأمير مغلطاي وقطلوبغا تتضمن وعيداً، وتهديداً، ونكاراً شديداً. فلما وقف عليها الناصر اشتد غضبه، وقبض عليهما بعد أن أوجهما بالضرب الشديد، ثم كتب للأمراء بالبلاد الشامية، وذكر لهم ما لوالده عليهم من الحقوق والتربية. ثم خرج بعد ذلك من الكرك ثانياً بعد الاهتمام بالتوجه إلى
دمشق. فلما بلغ الملك المظفر الخبر ثانياً، جرد الأمراء المذكورين - كما ذكرناه أولاً - ومعهم أربعة آلاف فارس، وبرزوا في الوقت، وشرع المظفر في النفقة على الجند والعامة. وسبب نفقته على العامة ما وقع له معهم في السنة المذكورة عند توقف النيل عن الزيادة، فقالت العامة:
سلطاننا ركين ونائبنا دقين
…
يجينا الماء من أين
يسيبوا لنا الأعرج
…
يجينا الماء وهو يتدحرج
ولهجت العامة بذلك؛ فعظم هذا القول على الملك المظفر، وأراد أن يوقع بهم. انتهى.
ثم إن الملك المظفر وقع بينه وبين جماعة من الخاصكية - وهم نحو المائة - وصحبتهم الأمير نوغاي، وكانوا مع العسكر؛ فخامروا الجميع، وتوجهوا إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون؛ وأخبروا الناصر بمحبة المصريين له.
وقدم الملك الناصر دمشق، ونزل بالقصر الأبلق، وجاءته نواب البلاد الشامية وجماعة أخر من المصريين، وتوجه الجميع صحبة الملك الناصر نحو الديار المصرية، وخرج العسكر المصري صحبة الأمير برلغي لقتال الناصر، ووقع له مع عسكر الناصر أمور أسفرت عن توجه برلغي ودخوله تحت طاعة الملك الناصر محمد. فلما بلغ الملك المظفر بيبرس الجاشنكير ذلك، ذل وهرب في مماليكه نحو الغرب بعد أن خلع نفسه،
وكتب إلى الملك الناصر كتاباً فيه: الذي أعرفك به أنني قد رجعت لأقلدك بغيك، فإن حبستني عددت ذلك خلوة، وإن نفيتني عددت ذلك سياحة، وإن قتلتني كان ذلك لي شهادة.
فلما سمع الناصر ذلك عين له صهيون؛ فسار الملك المظفر إليها مرحلتين؛ فتكلم فيه؛ فرده الناصر، وأحضره قدامه، وسبه، وعنفه، وعدد عليه ذنوباً، ثم خنقه قدامه بوتر حتى كاد يتلف، ثم سيبه حتى أفاق، وعنفه، وزاد في شتمه، ثم خنقه حتى مات في شهر شوال سنة تسع وسبعمائة.
وكان المظفر ملكاً ثابتاً، كثير السكون والوقار، جميل الصفات، نذب إلى المهمات مراراً عديدة. وكان يتكلم في أمر الدولة سنين عدة، وحسنت سيرته. وكان يرجع إلى خير ودين ومعروف تولى السلطنة على كره منه. وله أوقاف على وجوه البر والصدقة، وعمر ما هدم من الجامع الحاكمي داخل باب النصر من القاهرة بعد ما شققته الزلازل.
وأنشأ الخانقاه داخل باب النصر - المعروفة قديماً بدار الوزارة، وهي الآن معروفة به -.
وكان من أعيان الأمراء في الدولة المنصورية قلاوون، والدولة الأشرفية خليل بن قلاوون، والدولة الناصرية محمد بن قلاوون.
وكان أبيضاً أشقراً، مستدير اللحية، وهو جاركسي الجنس - على ما قيل - ولا يعرف غيره من الجراكسة ملك الديار المصرية إلى أن تسلطن الملك الظاهر برقوق، وقيل إنه كان تركياً، والأقوى عندي أنه كان جركسياً؛ فإنه كان بينه وبين الأفرم نائب دمشق محبة زائدة؛ قيل قرابة، وكان الأفرم جاركسياً، والله أعلم.
ولما هرب الملك المظفر بيبرس عند قدوم الملك الناصر محمد، قال بعض الأدباء:
تثنى عطف مصر حين وافى
…
قدوم الناصر الملك الخبير
فذاك الجشنكير بلا لقاء
…
وأمسى وهو ذو جأش نكير
إذا لم تعضد الأقدار شخصاً
…
فأول ما يراع من النظير
انتهى.