المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الملك الظاهر بيبرس البندقداري - المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي - جـ ٣

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌رب يسر وأعن يا كريم

- ‌آقطوه الأشرفي

- ‌آقطوه الموساوي

- ‌الأفرم، نائب الشام

- ‌البرنلي، المتغلب على البلاد الشامية

- ‌الشمسي نائب حلب

- ‌الركني الطباخ

- ‌المحمدي الصالحي النجمي

- ‌النجيبي الصالحي

- ‌قتال السبع

- ‌الأشرفي نائب الكرك

- ‌آقوش الشبلي

- ‌آقوش الشهابي

- ‌آقوش البيسري

- ‌باب الألف والكاف

- ‌القاضي كريم الدين الصغير

- ‌مشد الدواوين

- ‌باب الألف واللام

- ‌الابن الطشتمري

- ‌الأبو بكري

- ‌الناصري الدوادار

- ‌اليوسفي، صاحب الوقعة

- ‌المظفري نائب طرابلس

- ‌نائب دمشق

- ‌ألجبغا العادلي

- ‌ألطبرس المنصوري

- ‌ألطبرس الظاهري

- ‌ألطقصبا التركي

- ‌العثماني الأتابك، نائب دمشق

- ‌الصالحي نائب حلب ثم دمشق

- ‌ألطنبغا الحلبي

- ‌الجوباني، نائب دمشق

- ‌القرمشي الأتابكي

- ‌الصغير، رأس نوبة النوب

- ‌المارداني، صاحب الجامع خارج باب زويلة

- ‌شادي الظاهري

- ‌الجاولي، الأمير الأديب

- ‌المعلم، أمير سلاح

- ‌المرقبي المؤيدي

- ‌المعلم الظاهري

- ‌الشريفي الناصري

- ‌أللمش الناصري

- ‌نائب السلطنة بمصر

- ‌الصرغتمشي

- ‌ألماس الناصري

- ‌صاحب سمرقند

- ‌الأربلي الملقن

- ‌باب الألف والميم

- ‌أمير حاج بن مغلطاي

- ‌قاضي القضاة همام الدين الحنفي

- ‌العلامة قوام الدين الإتقاني الحنفي، شارح الهداية

- ‌باب الألف والنون

- ‌نائب بهنسى

- ‌والد الملك الظاهر برقوق

- ‌الملك المنصور

- ‌ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون

- ‌باب الألف والواو

- ‌أوتامش الأشرفي

- ‌أوران بن عبد الله

- ‌أوران البكتمري

- ‌ت. نيف وثلاثين وسبعمائة

- ‌صاحب سيس

- ‌أولاجا بن عبد الله

- ‌صاحب تبريز وبغداد

- ‌باب الألف والياء آخر الحروف

- ‌أياجي الحاجب

- ‌أياز، نائب حلب

- ‌الصالحي النجمي المقرى

- ‌الحراني

- ‌الجرجاوي، نائب طرابلس

- ‌الجلالي الحاجب

- ‌أيان الناصري

- ‌الملك المعز

- ‌الدوادار الملك المجاهد

- ‌النجمي الصالحي الحلبي

- ‌الصالحي الأفرم الكبير

- ‌الحموي، نائب دمشق

- ‌الموصلي، نائب طرابلس

- ‌الظاهري، نائب حمص

- ‌الأسكندراني الصالحي

- ‌الدمياطي

- ‌الموصلي، نائب حصن الأكراد

- ‌الزراد

- ‌المحيوي

- ‌الناصري، نائب دمشق

- ‌المحمدي الناصري

- ‌الخضري الظاهري

- ‌المؤيدي، أستادار الصحبة

- ‌البجاسي الأتابكي

- ‌ملك التتار

- ‌الشهابي، نائب حلب

- ‌العمادي الصالحي، أمير جندار

- ‌الصالحي الخازندار

- ‌البندقداري، أستاذ الملك الظاهر بيبرس

- ‌العمري، الحاجب

- ‌العزيزي

- ‌الركني

- ‌الكبكي

- ‌الطباخي

- ‌العلائي

- ‌الحلي الحلبي النجمي

- ‌الخطائي

- ‌المحيوي

- ‌الشيخي

- ‌الشمسي

- ‌الدوادار

- ‌السناني

- ‌الخطيري

- ‌الزراق

- ‌الظاهري

- ‌الخازندار

- ‌أيرنجي

- ‌سم الموت

- ‌صاحب ماردين

- ‌حفيد المتقدم ذكره

- ‌اليوسفي الأتابك

- ‌الصصلاني

- ‌الجكمي

- ‌النوروزي

- ‌حطب

- ‌الأزعري

- ‌الساقي

- ‌أخو قشتم

- ‌الششماني

- ‌السلطان الملك الأشرف إينال

- ‌الأشرفي

- ‌الكمالي

- ‌اليشبكي

- ‌إينال باي بن قجماس

- ‌البدري

- ‌ابن النحاس الأسدي

- ‌الجرائدي

- ‌أيوب بن المظفر

- ‌ابن الفقاعي

- ‌الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل أبي المعالي محمد - رحمهما الله

- ‌أبو الشكر المقدسي

- ‌حرف الباء

- ‌باب الباء الموحدة

- ‌ثانية الحروف

- ‌رضي الدين المغلي

- ‌بادار

- ‌باك نائب قلعة حلب

- ‌باي سنقر بن شاه رخ

- ‌باب الباء الموحدة والتاء المثناة من فوق

- ‌بتخاص بن عبد الله

- ‌بتخاص نائب دمياط

- ‌باب الباء والجيم

- ‌بجاس النوروزي

- ‌باب الباء والدال

- ‌أبو الحسن الصوابي

- ‌ابن النفيس

- ‌باب الباء والراء المهملة

- ‌الشيخ براق

- ‌بردبك الخليلي

- ‌أمير آخور

- ‌الظاهري

- ‌قصقا

- ‌العجمي

- ‌الملك الأشرف

- ‌جلوس الأشرف برسباي على تخت الملك

- ‌الحاجب

- ‌برسباي الساقي

- ‌البجاسي

- ‌الدوادار

- ‌الحاجب

- ‌الملك الظاهر برقوق

- ‌ذكر جلوس الظاهر برقوق على تخت الملك

- ‌ذكر عود الملك الصالح حاجي

- ‌ذكر سلطنة الظاهر برقوق ثانياً

- ‌فكتب جوابه بعد البسملة

- ‌ذكر نوابه بمصر والبلاد الشامية

- ‌أمير مكة المشرفة

- ‌الشريف المعتقد

- ‌ملك القبجاق

- ‌رفيق برقوق

- ‌أم الأشرف شعبان بن حسين

- ‌برلغي الأشرفي

- ‌باب الباء الموحدة والزاي

- ‌نائب الشام

- ‌بزلار الخليلي

- ‌الناصري

- ‌باب الباء الموحدة والشين المعجمة

- ‌بشارة الكاتب

- ‌بشباي من باكي

- ‌العمري

- ‌الكريمي

- ‌باب الباء الموحدة والطاء المهملة

- ‌بطا الطولوتمري

- ‌باب الباء الموحدة والغين المعجمة

- ‌بنت جوبان

- ‌باب الباء الموحدة والكاف

- ‌بكا الخضري

- ‌بكتاش الفقيه

- ‌بكتاش الفخري

- ‌بكتاش الأستادار

- ‌الحاجب

- ‌الساقي

- ‌المؤمني

- ‌بكتمر الجوكندار

- ‌السلاح دار

- ‌الركني

- ‌شلق

- ‌السعدي

- ‌العزيزي

- ‌الأفرعي

- ‌‌‌العلائي

- ‌العلائي

- ‌المحمدي

- ‌الخوارزمي

- ‌أمير شكار

- ‌باب الباء واللام

- ‌الزيني

- ‌النوفلي

- ‌الزرد كاش

- ‌الساقي

- ‌الرومي

- ‌الجوكندار

- ‌طرنا

- ‌الطباخي

- ‌شيخ كرك نوح

- ‌باب الباء والهاء

- ‌ابن بيجار

- ‌الخوارزمي

- ‌صاحب سميساط

- ‌آص

- ‌المعزي

- ‌التمرتاشي

- ‌المشرف

- ‌سمز

- ‌حلاوة الأوجاقي

- ‌المنجكي

- ‌الشهابي

- ‌الحاج بهادر

- ‌قاضي القضاة تاج الدين الديري المالكي

- ‌باب الباء الموحدة والواو

- ‌الفرنسيس

- ‌القان ملك التتار

- ‌الحبيس

- ‌باب الباء الموحدة والياء المثناة من تحت

- ‌الملك الظاهر بيبرس البندقداري

- ‌الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير

- ‌الجالق

- ‌الحاجب

- ‌العديمي

- ‌الخطائي الدوادار

- ‌السلاري

- ‌الأحمدي

- ‌الموفقي

- ‌الأتابكي

- ‌بيبرس المليح

- ‌التمان تمري

- ‌المؤيدي

- ‌الأشرفي

- ‌أرس

- ‌المظفري الأتابك

- ‌البهادري

- ‌المنصوري

- ‌مقدم التتار

- ‌البدري

- ‌الحاج بيدمر

- ‌الخوارزمي

- ‌الظاهري

- ‌بيدو بن طرغاي

- ‌الشمسي

- ‌أمير الحاج

- ‌ الظاهري

- ‌اليشبكي

- ‌الأعرج

- ‌المسعودي

- ‌أبو شامة

- ‌الصالحي

- ‌الخازندار

- ‌الأيدمري

- ‌الفرنجي صاحب طرابلس

الفصل: ‌الملك الظاهر بيبرس البندقداري

‌باب الباء الموحدة والياء المثناة من تحت

‌الملك الظاهر بيبرس البندقداري

بيبرس بن عبد الله، السلطان الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس الصالحي النجمي البندقداري التركي، سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والأقطار الحجازية والثغور الإسلامية.

ولد في حدود العشرين وستمائة تخميناً بصحراء اجبقلاق، وأخذ من بلاده صغيراً وأبيع بدمشق؛ فنشأ بها عند العماد الصائغ - على ما قيل - ثم اشتراه الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري الصالحي، وبقي في ملكه إلى أن قبض

ص: 447

الملك الصالح على أيدكين المذكور وصادره، وأخذ بيبرس هذا فيما أخذه منه، وذلك في شهر شوال سنة أربع وأربعين وستمائة. وأعتقه الملك الصالح نجم الدين، وقدمه على طائفة من الجمدارية؛ لما رأى من فطنته وذكائه واستمر بيبرس على ذلك إلى أن مات الملك الصالح نجم الدين أيوب، وملك بعده ابنه الملك المعظم توران شاه في سنة سبع وأربعين وستمائة. ثم قتل توران شاه في سنة ثمان وأربعين وستمائة، وأجمعوا الأمراء على إقامة الأمير عز الدين أيبك التركماني الصالحي، وولوه السلطنة بعد شجر الدر - أم خليل الصالحية - حسبما ذكرناه في ترجمة الملك المعز في أول هذا الكتاب -.

وكانت ولاية المعز في آخر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائة.

ولما قتل المعز الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار، ركب بيبرس هذا بالبحرية، وقصدوا قلعة الجبل. فلما لم ينالوا مقصودهم، خرجوا من القاهرة مجاهرين بالعداوة للملك المعز أيبك التركماني، قاصدين الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب دمشق، وهم: بيبرس هذا، وبلبان الرشيدي، وعز الدين أزدمر السيفي، وسنقر الرومي، وسنقر الأشقر، وبدر الدين بيسرى،

ص: 448

وسيف الدين قلاوون الألفي وبلبان السنقري وغيرهم.

فلما شارفوا دمشق سير إليهم الملك الناصر صاحب دمشق يطيب قلوبهم ويستدعيهم إليه؛ فأرسلوا إليه الأمير فخر الدين المقرئ يستحلفه لهم؛ فحلف؛ فاطمأنوا ودخلوا دمشق؛ فأكرمهم الملك الناصر، وأطلق لبيبرس هذا بثلاثين ألف درهم، وثلاثة قطر بغال، وثلاثة قطر جمال، وخيل، وملبوساً. وفرق أيضاً في بقية الجماعة الأموال والخلع - على قدر مراتبهم -.

فلما بلغ الملك المعز ذلك كتب إلى الملك الناصر يحذره منهم، ويغريه بهم؛ فلم يصغ الملك الناصر لذلك، إلى أن استشعر بيبرس من الملك الناصر بالغدر، توجه بمن معه إلى الكرك؛ فجهز صاحبها الملك المغيث عسكره معه؛ فقدم إلى مصر، وعدة من معه ستمائة فارس. وخرج عسكر الديار المصرية؛ فتلقاه، وأراد الملك الظاهر كبسهم؛ فوجدهم على أهبة؛ فالتفت العسكر المصري عليهم وقاتلهم فانكسر عسكر بيبرس، ولم ينج إلا هو بنفسه وقلاوون وبيسرى وبيليك الخازندار.

ص: 449

وعاد بيبرس إلى جهة الكرك؛ فجاءه جماعة من أمراء مصر، واجتمعوا بيبرس والملك المغيث صاحب الكرك بظاهر غزة؛ فقويت شوكتهما، وعادوا إلى الصالحية، ولقوا عسكر مصر ثانياً؛ فاستظهر عسكرهما أولاً، ثم عادت الكرة عليهما، وهرب الملك المغيث، ولحقه بيبرس، وأسر أولئك الأمراء الذين كانوا حضروا إليه؛ فقتلوا جميعاً صبراً - ما خلا الأمير بيليك الخازندار -؛ فإن جمال الدين الجوكندر شفع فيه؛ فخير بين المقام والذهاب؛ فاختار الذهاب إلى أستاذه.

ثم إلى الملك المغيث حصلت بينه وبين بيبرس وحشه أوجبت مفارقته إياه، وعوده إلى الملك الناصر صاحب دمشق بعد أن أستحلفه على أن يقطعه خبز مائة فارس؛ فأجاب الملك الناصر لذلك.

وكان قدوم بيبرس في هذه المرة على الملك الناصر، في شهر رجب سنة سبع وخمسين وستمائة، ومعهم الجماعة الذين حلف لهم الناصر وهم: أيتمش السعدي، بيسرى الشمسي، وطيبرس الوزيري، وبلبان الرومي، وآقوش الرومي، وكشتغدي الشمسي، وأيدغميش الحلبي، ولاجين الدرفيل، وكشتغدي الشرقي، وأيبك الشيخي، وبيبرس خاس ترك الصغير، وبلبان المهراني، وسنجر الهمامي، وسنجر الباشقردي، وأيبك العلائي، ولاجين الشقيري، وبلبان الأقسيسي،

ص: 450

وعلم الدين سلطان الألد كزى؛ فأكرمهم الملك الناصر، ووفى لهم بما حلف.

فلما ورد الخبر بأن الملك الظفر قطز وثب على ابن أستاذه، حرض الملك الناصر بيبرس على قصد الديار المصرية، فلم يجبه الناصر، فقال بيبرس: فقد منى على أربعة آلاف فارس أقوم بها إلى شط الفرات أمنع التتار من العبور إلى الشام، فلم يمكنه الملك الصالح صاحب حمص؛ لباطن كان له مع التتار.

ثم إن بيبرس أرسل استحلف الملك المظفر قطز، وفارق الملك الناصر صاحب دمشق، ودخل إلى القاهرة في الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وستمائة؛ فركب الملك المظفر قطز للقائه، وأنزله في دار الوزارة، وأقطعة قليوب لخاصته، وصار عنده خصيصاً إلى أن خرج الملك المظفر قطز لملتقى التتار، سير بيبرس هذا في عسكر؛ ليتجسس أخبارهم؛ فأول من وقعت عينه عليهم ناوشهم القتال؛ فلما كسر التتر تبعهم يقتص آثارهم، ويقتل من وجد منهم إلى حمص. ثم عاد بيبرس؛ فوافى المظفر قطز بدمشق؛ فلما توجه المظفر إلى نحو الديار المصرية، عاد بيبرس هذا صحبته بعد أن اتفق مع جماعة من ممن وافقه على قتل الملك المظفر قطز؛ فقتلوه في سادس عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة.

ص: 451

وكان المتولى قتله الملك الظاهر بيبرس هذا، بين منزلة الغرابي والصالحية، ودفن بالقصير. وهو أن الملك المظفر قطز ساق خلف أرنب؛ فلما انفرد عن عسكره، تقدم بعض الأمراء - ممن اتفق مع بيبرس وشفع عنده شفاعة - وتقدم ليقبل يده؛ فقبض عليها، وأخذته السيوف حتى تلف، ثم ساقوا إلى الدهليز، فتقدم فارس الدين الأتابك؛ فحلف له، ثم الرشيدي، ثم الأمراء على طبقاتهم، ثم ركب ومعه الأتابك فارس الدين المذكور، وبيسرى وجماعة من خواصه؛ فدخل القاهرة؛ وملك قلعة الجبل، وتلقب بالملك القاهر أولاً؛ فأشار الوزير زين الدين على السلطان بتغيير لقبه - وكان فاضلاً - وقال: ما لقب أحد بالقاهرة فأفلح، لقب به: القاهر بن المعتضد، فلم تطل أيامه وخمل وهمل، ولقب به القاهر ابن صاحب الموصل؛ فسم؛ فأبطل السلطان اللقب الأول ولقب بالملك الظاهر، وكتب بذلك إلى جميع الأعمال، ثم كتب إلى الملك

ص: 452

الأشرف صاحب حمص، وإلى الملك المنصور صاحب حماة، وإلى علاء الدين ابن صاحب الموصل يعرفهم بما جرى، ثم أفرج عمن بالحبوس، وأقر الصاحب زين الدين على الوزارة، وأفرج عن الأجناد، وأرسل الأمير جمال الدين آقوش المحمدي بتقاليد إلى دمشق باستقرار الأمير علم الدين سنجر الحلبي في نيابة دمشق عوضاً عن الأمير حسام الدين لاجين؛ فوجده قد تسلطن بدمشق.

وكانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس في سنة ثمان وخمسين وستمائة، واستقر في الملك وعظمت ممالكه، وسافر إلى دمشق غير مرة، وفتح الفتوحات الهائلة، وكسر التتار؛ فأول ركوبه كان في سنة تسع وخمسين وستمائة، ركب من قلعة الجبل في سابع شهر صفر متوجهاً إلى دمشق وبخدمته أعيان الأمراء، ومن جملتهم أستاذه الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري - يعني أستاذ الملك الظاهر قبل السلطان صلاح الدين، كما ذكرناه في أول هذه الترجمة - ومهد أحوال دمشق، وعاد إلى الديار المصرية، وأقام بها إلى أن سافر ثانياً إلى صفد في سنة أربع وستين؛ ففتحها عنوة من يد الفرنج، ثم جهز صاحب حماة

ص: 453

والفارقاني إلى غزو سيس وصحبتهم عسكراً هائلاً؛ فتوجهوا إلى بلاد سيس، وقتلوا، وأسروا، وغنموا، وأسر ابن صاحب سيس وابن أخته. ثم فتح يافا سنة ست وستين وستمائة، ثم سار إلى أنطاكية؛ فوصلها في أول شهر رمضان، وفتحها بالسيف في رابع شهر رمضان المذكور، واستمر السيف فيهم، ولا نجا منهم إلا اليسير.

قال ابن كثير: وما رفع السيف عن أحد حتى لو حلف الحالف أنه ما سلم منها أحد صدق. انتهى.

وفيها فتح الشقيف بعد أن حاصرها عشرة أيام وتسلمها، وكان بها نحو خمسمائة رجل، وفيها أيضاً فتح صور، ثم أغار على طرابلس، وخرب قراها، وقطع أشجارها، ثم رحل ونزل على حصن الأكراد؛ فنزل إليه رسول صاحبها بإقامة وضيافة؛ فردها، وطلب منهم دية: مائة رجل، مائة ألف دينار، ثم حصرها يوماً واحداً؛ فملكها في يوم السبت، ووضع فيها السيف، ونهب، وسبا، وقتل، وأسر، ثم تسلم دركوش، وصالح أهل القصير على مناصفته ومناصفة

ص: 454

القلاع المجاورة له. ثم وصل إليه صاحب بغراص يطلبون منه تسليمها إليه، فسير إليها الأمير شمس الدين الفارقاني بالعساكر؛ فتسلمها في ثالث عشر شهر رمضان، ثم عاد الملك الظاهر بيبرس إلى دمشق فعيد بها، ثم توجه نحو القاهرة؛ فدخلها، واستمر بها إلى سنة سبع وستين وستمائة أجلس ولده الملك السعيد على تخت الملك، ثم خرج من القاهرة؛ فتوجها إلى الشام؛ فدخلها في جمادى الآخرة، ثم ركب منها ونزل على الخربة، ثم سار منها في أواخر شهر رجب إلى ديار مصر على البريد، ثم عاد؛ فكانت غيبته أحد عشر يوماً.

وكان غرضه برجوعه إلى القاهرة كشف خبر ولده، بعد أن ترك عسكره بالقرب من دمشق إلى أن عاد إليهم، ثم توجه إلى صفد؛ فأقام بها يومين وشن، الغارة على بلد صور ثانياً، ثم سار إلى الكرك، وأخذ معه بيليك الخازندار، والقاضي فخر الدين سليمان، وغيرهما من الأمراء وثلاثمائة مملوك. وسار إلى الحج، وعاد إلى دمشق، ثم إلى حلب؛ فوصلها في سادس المحرم سنة ثمان وستين، ثم خرج منها في عاشر المحرم، وسار إلى دمشق، ثم توجه من دمشق إلى نحو البلاد

ص: 455

المصرية؛ فدخلها في يوم الثلاثاء من صفر، فصادف في هذا اليوم دخول الحج المصري إلى القاهرة.

ثم في سنة تسع وستين قبض الظاهر على الملك العزيز ابن الملك المغيث صاحب الكرك واعتقله. ثم في سنة إحدى وسبعين وستمائة توجه إلى دمشق على البريد، وعاد في سابع عشرين المحرم - وقيل في يوم السبت ثالث عشرينه من السنة - فكانت غيبته في هذه السفرة نحواً من عشرين يوماً، فأقام بالقاهرة إلى ليلة الجمعة السابع والعشرين من المحرم، ثم عاد إلى دمشق على البريد؛ فدخل قلعة دمشق ليلة الثلاثاء رابع صفر في خمسة نفر.

وفي أوائل هذه السنة قصد الكافر صاحب النوبة عيذاب؛ فنهبها، وقتل منها خلقاً، منهم واليها وقاضيها؛ فسار متولي قوص وقصد بلاد النوبة؛ فدخل بلاد الجون وقتل من فيه وأحرقه، وكذا فعل بجميع بلاده.

وفي خامس جمادى الأولى ورد الخبر على الملك الظاهر بدمشق أن فرقة

ص: 456

من التتار قصدت الرحبة، فبرز إلى القصير بالعساكر، فبلغه عودهم من الرحبة ونزولهم على البيرة، فسار الظاهر إلى حمص، وأخذ مراكب الصيادين بالبحرية على الجسور، ثم سار حتى بلغ الباب من أعمال حلب، وبعث بجماعة من المماليك لكشف أخبارهم، وسار إلى منبج؛ فعادوا، وأخبروا بأن طائفة من التتار نحو من ثلاثة آلاف فارس على شط الفرات؛ فرحل الملك الظاهر من منبج يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى، ووصل إلى شط الفرات - مما يلي الجزيرة -؛ فتقدم العسكر يخوضون الفرات؛ فخاض الأمير سيف الدين قلاوون الألفي، والأمير بدر الدين بيسرى في أول الناس، ثم تبعها الملك الظاهر بنفسه، وتتابع الناس إلى أن وقعوا على التتار، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا تقدير مائتي نفس، ولم ينج من التتار إلا القليل، وتبعهم بيسرى إلى قريب سروج، ثم عاد إلى السلطان، فرجع السلطان إلى البيرة في الثاني والعشرين من جمادى الأولى؛ فدخلها، وخلع على نائبها، وعلى جماعة أخر.

وقال في هذه الواقعة العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود بن سليمان قصيدة يمدح الملك الظاهر بها، ويذكر خوضه الفرات، وأول القصيدة:

سر حيث شئت لك المهيمن جاره

وأحكم فطوع مرادك الأقدار

ص: 457

ومنها:

خضت الفرات بسابح أقصى منىً

هوج الصبا من فعله الآثار

وفي هذا المعنى يقول أيضاً الأديب ناصر الدين بن النقيب:

ولما ترامينا الفرات بخيلنا

سكرناه منا بالقوى والقوائم

فأوقفت التيار عن جريانه

إلى حيث عدنا بالغناء والغنائم

وقال الفاضل موفق الدين عمر بن المتطيب في المعنى:

الملك الظاهر سلطاننا

نفديه بالمال وبالأهل

اقتحم الماء ليطفي به

حرارة القلب من المغل

وفي سنة اثنتين وسبعين وستمائة قدم ملك الكرج؛ ليزور بيت المقدس والقمامة منكراً في زي الرهبان ومعه طائفة؛ فسلك أرض الروم إلى

ص: 458

سيس، ثم ركب البحر وطلع من عكا، وأتى القدس، فاطلع الأمير بيليك الخازندار على أمره، وهو على يافا؛ فأرسل من قبض عليه، ثم أرسله مع الأمير منكورس إلى الملك الظاهر، والظاهر بدمشق؛ فسأله السلطان، وقرره بلطف حتى اعترف، وحبسه وأمره أن يكتب إلى بلاده بأسره. وعاد السلطان إلى ديار مصر في شهر رجب.

وفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة - في صفر منها - توجه السلطان إلى الكرك على الهجن، وكان قد وقع بها برج أحب السلطان أن يصلح بحضوره، ثم دخل دمشق في آخر شهر شعبان. ثم سار إلى سيس، وعبر إليها من الدربند، فافتتحها، وأخذ إياس، وأذنة، والمصيصة في العشر الأخير من رمضان، وبقي الجيش بها شهراً، وقتلوا وأسروا وسبوا منها خلائق.

وفي هذا المعنى يقول العلامة محيي الدين بن عبد الظاهر:

يا ملك الأرض الذي جيشه

يملأ من سيس إلى قوص

مصيصة التكفور قالت لما

بالله إفرادي وتخصيصي

كم بدن فصله سيفك الغراء

والأكثر مصيصي

وفي يوم الخميس العشرين من شهر رمضان سنة خمس وسبعين وستمائة خرج الملك الظاهر من الديار المصرية متوجهاً إلى بلاد الروم، بعد أن قرر في السلطنة

ص: 459

بالديار المصرية ولده الملك السعيد، وجعل الفارقاني كالمدبر له، وترك عند الملك السعيد من العسكر خمسة آلاف فارس، ورحل الظاهر يوم السبت ثاني عشرين شهر رمضان، وسار حتى دخل دمشق في سابع عشر شوال، ثم خرج منها متوجهاً إلى حلب؛ فدخلها في أول ذي القعدة، ثم خرج منها متوجهاً إلى الروم، وجد في السير إلى أن وصل إلى أقجا دربند، فقطعه في نصف نهار.

فلما خرجت عساكره وتكاملت، قدم الأمير سنقر الأشقر على جماعة من العسكر وأمره بالمسير؛ فسار حتى وقع على كتيبة للتتار، عدتهم ثلاثة آلاف فارس، ومقدمهم الأمير كراي التتري؛ فهزمهم الأمير سنقر الأشقر وأسر منهم طائفة، ثم وردت الأخبار على الملك الظاهر بأن برواناه على نهر جيحان، ثم سار السلطان.

فلما صعد العسكر على الجبال وأشرف على صحراء إبلستين؛ فشاهد التتار قد رتبوا عساكرهم أحد عشر طلباً، في كل طلب ألف فارس، وعزلوا عسكر الروم إلى جانب؛ خوفاً من باطن لهم مع المسلمين، وجعلوا عسكر الكرج طلباً واحداً.

فلما تراءى الجمعان، حملت ميسرة التتار حملة واحدة على ميمنة الظاهر، فأردفهم الظاهر بنفسه، ثم كانت منه التفاتة؛ فرأى ميسرته قد لحت عليها ميمنة التتار؛ فأردفها أيضاً بنفسه، ثم حمل وحملت العساكر برمتها حملة رجل واحد؛ فترجل التتار عن خيولهم، وقاتلوا أشد القتال، فلم يغن عنهم ذلك شيئاً،

ص: 460

وأنزل الله بأسه بهم، وانتصر المسلمون؛ فقتل أكثر التتار، وفر من نجا منهم واعتصموا بالجبال، وأحاط بهم الجيش الإسلامي، وترجلوا عن خيولهم، وقاتلوا؛ فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا منهم جماعة كثيرة من أعيان الروم والتتار.

وفي هذا المعنى يقول العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود بن سليمان الحلبي الكاتب قصيدة طنانة منها:

كذا فلتكن في الله عز العزائم

وإلا فلا تجفوا الجفون الصوارم

عزائم جازتها الرياح فأصبحت

مخلفة تبكي عليها الغمائم

ومنها:

بجيش تظل الأرض منه كأنها

على سعة الأرجاء في الضيق خاتم

كتائب كالبحر الخضم جيادها

إذا ما تهادت موجه المتلاطم

تحيط بمنصور اللواء مظفر

له النصر والتأييد عبد وخادم

مليك يلوذ الدين من عزماته

بركن له الفتح المبين دعائم

ص: 461

وفي السنة المذكورة دخل الملك الظاهر بلاد الروم، ونزل بمدينة قيصرية، وجلس بها في دار الملك، وصلى بها الجمعة، وخطبوا له، وضربت السكة باسمه في القعدة من السنة. ثم رجع، وقطع الدربند، وعبر النهر، ثم عاد إلى دمشق في سابع المحرم مؤيداً منصوراً، ونزل بالقلعة، ثم انتقل إلى قصره الأبلق بدمشق؛ فمرض في نصف المحرم من سنة ست وسبعين وستمائة؛ فمات من مرضه يوم الخميس بعد الظهر الثامن والعشرين من المحرم من السنة المذكورة، وحمل إلى القلعة ليلاً مع أكابر أمرائه، وغسله، وصبره المهتار شجاع الدين عنبر، والكامل علي بن المنبجي الإسكندراني المؤذن، والأمير عز الدين الأفرم.

ووضع في تابوت، وعلق في بيت بالقلعة، وهو في عشر الستين إلى أن يحصل الاتفاق على موضع دفنه.

وكان قد أوصى أن يدفن على الطريق السالكة، قريباً من داريا، وأن يبنى عليه هناك قبة؛ فرأى ولده الملك السعيد أن يدفنه داخل السور، فابتاع دار العقيقي، وبنيت له قبة. فلما تكمل بناؤها نقل إليها، ووقف عليها وعلى المدرسة الأوقاف الكثيرة، ثم في يوم السبت رابع عشر صفر شرع في عمل أغربة الملك الظاهر بيبرس المذكور بالديار المصرية.

ص: 462

قال الأمير بيبرس الدوادار في تاريخه: وكان القمر قد كسف كسوفاً كاملاً، أظلم له الجو، وتأول ذلك المتأولون بموت رجل جليل القدر؛ فقيل إن السلطان لما بلغه ذلك حذر على نفسه، وخاف، وقصد أن يصرف التأويل إلى غيره؛ لعله يسلم من شره.

وكان بدمشق شخص من أولاد الملوك الأيوبية - وهو الملك القاهر بهاء الدين عبد الملك ابن السلطان الملك المعظم عيسى ابن السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب -؛ فأراد الظاهر - على ما قيل - اغتياله بالسم؛ فأحضره في مجلس شرابه؛ فأمر الساقي أن يسقيه قمزاً، كان ممزوجاً فيما يقال بسم؛ فسقاه الساقي ذلك الكأس؛ فأحس به، وخرج من وقته، ثم غلط الساقي، وملأ الكأس المذكور، وفيه أثر السم، ووقع الكاس في يد الملك الظاهر فشربه. انتهى كلام بيبرس الدوادار باختصار.

قلت: هذا القول مشهور بأفواه الناس، والله أعلم. وخلف الملك الظاهر بيبرس - صاحب الترجمة - عشرة، أولاد وهم: الملك السعيد محمد، وسلامش، وخضر. وسبع بنات.

ص: 463

وقال الشيخ قطب الدين: كان له عشرة آلاف مملوك.

وقال الحافظ الذهبي في تاريخه: حكى الشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري الحموي، قال: كان الأمير علاء الدين البندقداري الصالحي لما قبض عليه، وأحضر إلى حماة، واعتقل بجامع قلعتها اتفق حضور ركن الدين بيبرس هذا من بلاده مع تاجره، وكان الملك المنصور صاحب حماة إذ ذاك صبياً. وكان إذا أراد شراء رقيق تبصره الصاحبة والدته؛ فأحضر بيبرس هذا مع جخداشه؛ فرأتهما من وراء الستر، فأمرت بشراء جخداشه، وقالت: هذا الأسمر - يعني الملك الظاهر بيبرس - لا يكون بينك وبينه معاملة؛ فإن في عينيه شراً لائحاً؛ فردهما الملك المنصور جميعاً، فطلب البندقداري الغلامين، فاشتراهما، وهو معتقل، ثم أفرج عنه وسار بهما إلى مصره وآل أمر ركن الدين بيبرس هذا إلى ما آل.

ثم قال: واشتهر - يعني الملك الظاهر - بالشجاعة والإقدام.

ص: 464

ولما سارت الجيوش المنصورة من مصر لحرب التتار كان هو طليعة الإسلام.

ثم قال: وكان غازياً، مجاهداً، مرابطاً، خليقاً للمملكة لولا ما كان فيه من الظلم، والله يرحمه ويغفر له؛ فإن له أياماً بيضاء في الإسلام، ومواقف مشهودة، وفتوحات معدودة. انتهى كلام الذهبي، رحمه الله.

قلت: وكان الملك الظاهر رحمه الله ملكاً شجاعاً، مقداماً، خبيراً بالحروب، ذا رأي وتدبير وسياسة، ومعرفة تامة. وكان سريع الحركات، كثير الأسفار، نالته السعادة والظفر في غالب حروبه، وفتح عدة فتوحات من أيدي الفرنج وهي: قيسارية، وأرسوف، وصفد، وطبرية، ويافا، والشقيف، وأنطاكية، وبغراس، والقصير، وحصن الأكراد، وحصن عكار، وصافيثا، ومرقية، وطرابلس، وبلاد أنطرطوس، وناصفهم على المرقب وبانياس. وله مآثر بالقاهرة ودمشق وغيرها. وبنى عدة جوامع، ومدارس، وقناطر، وجسور مشهورة به بسائر الأقاليم منها: المدرسة الظاهري بين القصرين

ص: 465

من القاهرة. ولما فرغ من عملها جعل بها مدرس الحنفية الصاحب مجد الدين بن العديم، ومدرس الشافعية الشيخ تقي الدين بن رزين. وولى مشيخة الحديث للحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطي. وولى مشيخة القراء للشيخ كمال الدين الحلي.

وفي أيامه في سنة ثلاث وستين وستمائة جعل بالديار المصرية قضاة أربع، من كل مذهب قاض. وسبب ذلك: توقف القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز عن تنفيذ كثير من الأحكام، وكثرة توقفه؛ فكثرت الشكاوى منه، وتعطلت الأمور؛ فوقع الكلام في ذي الحجة بين يدي الملك الظاهر. وكان الأمير جمال الدين أيدغدي العزيزي يكره القاضي تاج الدين؛ فقال له نترك لك مذهب الشافعي، ونولي معك من كل مذهب قاضياً؛ فمال السلطان الملك الظاهر إلى كلامه. وكان لأيدغدي العزيزي محل عظيم عند الظاهر؛ فولى قاضي قضاة

ص: 466