الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأشرف ببولاق التكروري - ببر الجيزة - ومعه مماليك يلبغا، ووقع القتال بين الفريقين، واستفحل أمر الأشرف شعبان بانضمام مماليك يلبغا عليه، وضعف أمر يلبغا، أنزل يلبغا بآنوك هذا من الدور السلطاني بالقلعة وسلطنه، ولقبه بالملك المنصور، وخلع الأشرف شعبان، ليضم الناس عليه بذلك، ليتم له مراده، وآل أمره إلى أن قبض عليه وقتل، وعاد الأشرف إلى ملكه من غير مبايعة ثانية، فإن بيعة آنوك هذا كانت غير صحيحة. ولما طلع الأشرف شعبان إلى قلعة الجبل، رسم لأخيه آنوك هذا بأن يقيم على حاله كما كان عليه أولاً، ثم أنعم عليه بإمرة طبلخاناه، واستمر آنوك هذا على ذلك إلى أن قتل الأشرف أخذت منه الإمرة، واستمر بطالاً بقلعة الجبل، إلى أن توفى ليلة الجمعة سابع ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
حكى لي عنه غير واحد من أقاربه - أولاد الأسياد - أنه كان شكلاً حسناً، حشماً متواضعاً، كريم النفس، أسمر، كبير اللحية، وأنه كان يغضب من قولة: سلطان الجزيرة إلى الغاية - رحمه الله تعالى -.
ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون
آنوك بن محمد بن قلاوون، الأمير سيف الدين بن الملك الناصر محمد
ابن المنصور قلاوون، وأمه خوند الكبرى طغاي.
قال الشيخ صلاح الدين: رأيته غير مرة، وهو تام الشكل، حسن الوجه مستديره، تركي العين، مجد وبها أبيض، وكان أخوه الناصر، والمنصور أبو بكر، وإبراهيم أكبر سناً منه، وكان آنوك المذكور أمير مائة ومقدم ألف، والباقون أمراء أربعين، وكان يحمل رنك جده قلاوون، وزوجه أبوه وهو ابن عشر سنين أو دونها بنت الأمير بكتمر الساقي، وكان له عرس عظيم، وحضره نائب الشام سيف الدين تنكز، وأطعم الناس بالإيوان، ونصب الأمير قوصون صاريين عليهما نفط، غرم عليهما ثلاثين ألف درهم، واجتمع الشمع بالنهار في الإيوان من الظهر، وقعد السلطان على صفة الباب بالقصر، وقعد آنوك على الصفة الأخرى، وعرض الشمع على السلطان، فكان الأمير يعرض شمعه
ويبوس الأرض للسلطان ثم لآنوك، فعل ذلك ثلاث أو أربع أمراء، ثم إن السلطان منعهم من بوس الأرض لآنوك، ولم يزل الشمع يعرض إلى بعد المغرب، ولم يكمل عرضه، وكان مهماً عظيماً.
ورأيت أبا العروس بكتمر وهو مشدود الوسط في يده عصاة؛ لأنه في عرس ابن أستاذه، وكان مهماً عظيماً إلى الغاية، ورأيت الجهاز لما أن حمل من دار أبي العروس - من على بركة الفيل - ممدوداً على رؤوس الحمالين، وكان عدتهم ثمانمائة حمال وستة وثلاثين قطار بغال، غير الحلي والمصاغ والجواهر - وسيأتي ذكر ذلك في ترجمة بكتمر الساقي مفصلاً - ولما مدوا الشوار المذكور دخل السلطان رآه فما أعجبه، وقال: أنا رأيت شوار بنت سلار وهو أكثر من هذا وأحسن، على أن هذا يا أمير بكتمر ما يقابل به آنوك والتفت إلى الأمير سيف الدين طقزدمر، والأمير سيف الدين آقبغا، وقال: جهزا بنتكما ولا تخاسسا مثل الأمير.
قلت: قال لي المهذب كاتب بكتمر: إن الذهب الذي دخل في الزركش والمصاغ ثمانون قنطاراً - يعني بالمصري -.
وكان النشو كاتب آنوك وأستاداره الأمير سيف الدين ألطنفش أستادار السلطان. وقال لي النشو: إن لآنوك حاصل ذهب عين تحت يد خزنداره ستمائة ألف دينار، غير ما له تحت يدي من المتجر والأصناف. وكان إخوته الكبار يركبون وينزلون في خدمته، ويخلع عليهم ويعطيهم، ورأيته كثير الحركة، لا يستقر على الأرض، ولا يلبث ولا يسكت، ووصفوا له ابن قيران الشطرنجي الأعمى؛ فعجب منه وأحضره، فلعب قدامه؛ فأعجبه، فقال له: يا خوند، لأي شيء ما تلعب، فقال: الملوك لا يصلح لهم الشطرنج ولا النبيذ حسام الدين لاجين مات وهو يلعب بالشطرنج. وجدر فتغيرت بعض محاسنه، وتوفى سنة أربعين وسبعمائة، قبل موت أبيه بنصف سنة تقريباً، ووجد عليه. وكان كثير الميل لاقتناء الأبقار، والأغنام، والأوز، والبط، وما أشبه ذلك.
سمعته يقول: لرزق الله أخي النشو، والله أنا أحب البقر أكثر من الخيل. انتهى كلام صلاح الدين الصفدي، رحمه الله تعالى.