الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يشترط لفظ الشهادة عند الأداء:
اشترط الحنفية في كتبهم1، وكذا الشافعية2، والحنابلة3 أن تؤدي الشهادة بلفظ أشهد، ونقل ابن القيم4 الفقيه الحنبلي المشهور أن مذهب مالك رحمه الله، وأبي حنيفة وظاهر كلام أحمد بن حنبل، أنه لا يشترط في صحة الشهادة لفظ أشهد، بل متى قال الشاهد: رأيت كذا، أو سمعت ونحو ذلك، كانت شهادة منه.
وصرح المالكية بأنه لا يشترط في أداء الشهادة صيغة معينة، فتصح بكل ما يدل على حصول علم الشاهد بالأمر الذي يشهد به، كقوله رأيت كذا، أو سمعت كذا5.
وكذلك يرى ابن تيمية أنه لا يشترط لفظ الشهادة حتى تصح، فكل من أخبر بشيء فقد شهد به وإن لم يتلفظ بلفظ أشهد، قال ابن تيمية: اشتراط لفظ الشهادة لا أصل له في كتاب الله، ولا سنة رسوله، ولا قول أحد من الصحابة،
1 بدائع الصنائع، ج9، ص4029، والهداية، ج3، ص118.
2 مغني المحتاج، ج4، ص453.
3 كشاف القناع، ج6، ص404.
4 إعلام الموقعين، لابن القيم، ج1، ص75.
5 الشرح الصغير لأحمد الدردير، ج2، ص348.
ولا يتوقف إطلاق لفظ الشهادة لغة على ذلك1.
وفي كتب الحنفية نجد تعليلا لاشتراط لفظ الشهادة بأن الأمر بالشهادة في النصوص القرآنية والحديثية جاء بلفظ الشهادة، قال الله تبارك وتعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} ، وقال تعالى:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} وقال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} ، وقال تعالى:{فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} ، وقال تعالى:{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} وذكروا هنا أيضا حديثا ضعفه بعض علماء الحديث وهو حديث: "إذا رأيت مثل الشمس فاشهد".
وحاصل هذا أن النصوص وردت بلفظ الشهادة، وهنا يمكن أن يثار اعتراض على هذا الاستدلال بأن غاية ما هناك أن النصوص وردت بلفظ الشهادة، وذلك لا يوجب على الشاهد لفظ الشهادة، كما قال تعالى:{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} ، وكما جاء في السنة في تكبير افتتاح الصلاة قوله صلى الله عليه وسلم:"تحريمها التكبير"، ومع ذلك فإن أبا حنيفة لم يشترط في تكبيرة الإحرام لفظ التكبير2 فمن أين لزم في الشهادة؟.
وقد أجاب الكمال بن الهمام عن هذا الاعتراض، بأنه يوجد فرق معنوي، هو أن لفظة الشهادة أقوى في إفادة تأكيد متعلقها من غيرها من الألفاظ كأعلم وأتيقن، لما فيها من اقتضاء معنى المشاهدة والمعاينة التي مرجعها الحس؛ ولأنها من
1 إعلام الموقعين، لابن القيم، ج1، ص75. والاختيار لتعليل المختار ج2، ص196 والمغني ج9، ص216، وفتح القدير لابن الهمام ج7، ص376، والطرق الحكمية لابن القيم، ص239، ونهاية المحتاج للرميلي ج8، ص292.
2 تكبيرة الإحرام عند أبي حنيفة من فروض الصلاة، وليست ركنا من أركانها، فتح القدير لابن الهمام مع شرح العناية على الهداية، للبابرتي، ج1، ص274.
ألفاظ الحلف، فالامتناع عن الكذب بهذا اللفظ أظهر بخلاف التكبير فإنه للتعظيم، وليس لفظ أكبر أبلغ من لفظ أجل، أو لفظ أعظم، فكانت الألفاظ سواء، فلم يثبت خصوصية توجب تعيين لفظ أكبر1.
وأما ابن قدامة، الفقيه الحنبلي الشهير، فقد علل لاشتراط لفظ الشهادة بأمرين:
الأمر الأول: أن الشهادة مصدر شهد يشهد شهادة، فلا بد من الإتيان بفعلها المشتق منها.
الأمر الثاني: أن لفظة الشهادة فيها معنى لا يحصل في غيرها من اللفظات، بدليل أنها تستعمل في اليمين فيقال: أشهد بالله، ولهذا تستعمل في اللعان ولا يحصل ذلك من غيرها من الألفاظ2.
ونرى أن الرأي القائل بعدم اشتراط لفظ أشهد أولى بالترجيح، ونقول مع ابن القيم: "ليس في كتاب الله تعالى، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع واحد يدل على اشتراط لفظ الشهادة، ولا ورد ذلك من أحد من الصحابة، ولا ورد في القياس والاستنباط ما يقتضي ذلك، بل الأدلة المتظاهرة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، ولغة العرب تنفي ذلك، قال الله تعالى:{قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ} الآية، ومعلوم أنه ليس المراد التلفظ بلفظ أشهد في هذا المحل، بل مجرد الإخبار بتحريمه، وقال تعالى:{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ} ، ولا يتوقف صحة ذلك على أن يقول سبحانه: أشهد، وكذلك قوله تعالى: {شَهِدَ
1 فتح القدير، ج7، ص376.
2 المغني، ج9، ص216.
اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} الآية، وقال تعالى:{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} وقال تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} أي: أخبر به وتكلم به عن علم، وقال تعالى:{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} ، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} والمقر على نفسه لا يقول أشهد، وسمى ذلك شهادة، ولا يفتقر صحة الإسلام إلى أن يقول الداخل في الإسلام أشهد أن لا إله إلا الله، بل لو قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله كفى، وقال تعالى:{وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، حُنَفَاءَ} ، وقال عليه الصلاة والسلام:"عدلت شهادة الزور الإشراك بالله" وقال عليه الصلاة والسلام: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، ألا وقول الزور" فسمى قول الزور شهادة، وقال ابن عباس:"شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس" ومعلوم أن عمر بن الخطاب لم يقل لابن عباس: أشهد عندك، ولكن أخبره، فسمى ذلك شهادة، فاشتراط لفظ الشهادة لا أصل له في الكتاب ولا في السنة، ولا في عمل السلف الصالح" ا. هـ.
ويرى ابن فرحون أن مما يؤيد ما نقله ابن قيم الجوزية عن مذهب المالكية وهو عدم اشتراط لفظ الشهادة، ما ذكره ابن بطال، في المقنع عن أصبغ قال: لقد حضرت ابن وهب ومن معه من الفقهاء عند القاضي العمري، فكان كاتب القاضي يقرأ على القاضي شهادة الشاهد بمحضر الشاهد، ثم يقول للشاهد: هذه شهادتك، فإذا قال نعم، قبل ذلك منه. فقول الشاهد نعم ليس هو إنشاء للشهادة،
وقد اكتفى به من الشاهد1.
شروط الشاهد:
شروط الشاهد إما أن تكون شروطا في تحمله الشهادة أي: ساعة مشاهدة الحدث، أو تكون شروطا في أدائها، فأما شروط التحمل فثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون عاقلا وقت التحمل، فلا يحصل التحمل من المجنون والصبي الذي لا يعقل؛ لأن تحمل الشهادة ما هو إلا فهم للحادثة وضبطها، وهذا لا يحصل إلا بوجود آلة الفهم والضبط، وهي العقل.
الشرط الثاني: يرى الحنفية اشتراط البصر وقت التحمل فلا يصح تحمل الشهادة من الأعمى، ويرى الشافعي أن البصر ليس شرطا لصحة التحمل، ولا لصحة الأداء.
التعليل لرأي الحنفية:
أما الحنفية فقد عللوا لرأيهم بأن الشرط في الشهادة هو سماع الشاهد من الخصم؛ لأن الشهادة تقع له، ولا يعرف الشاهد كونه خصما إلا بالرؤية؛ لأن النغمات يشبه بعضها بعضا.
التعليل لرأي الشافعي:
وأما التعليل لرأي الشافعي فهو أن الحاجة إلى البصر عند التحمل لحصول العلم بالمشهود به، وذلك يحصل بالسماع، وللأعمى سماع صحيح، فيصح تحمله الشهادة، ويقدر على الأداء بعد التحمل2، وسنعود إن شاء الله تعالى إلى الكلام
1 تبصرة الحكام لابن فرحون ج1، ص261، 262.
2 بدائع الصنائع، ج6، ص266، وفتح القدير، ج7، ص376.
عن شهادة الأعمى بتفصيل عند الكلام عن شروط الأداء.
الشرط الثالث من شروط التحمل: أن يكون التحمل بمعاينة المشهود به بنفسه لا بغيره إلا في أشياء مخصوصة يصح التحمل فيها بالتسامع من الناس، مثل الزواج، والنسب، والموت، فله تحمل الشهادة في هذه الأشياء بالتسامع من الناس وإن لم يعاين بنفسه؛ لأن مبنى هذه الأشياء على الاشتهار فقامت الشهرة فيها مقام المعاينة، فالزوج مثلا من شأنه أن يعلمه الكثير من الناس كبيرهم وصغيرهم، وكذلك النسب، والموت، فتشيع أخبار أمثال ما ذكرنا بخلاف الحال في عقد بيع مثلا، فقد لا يعلمه إلا طرفا العقد والشاهدان، ولا يتسامع به الناس، وكذلك الأمر في قرض أو رهن وأشباه ذلك، من الأمور التي ليست مما يتسامع به الناس عادة، فلا بد فيها من معاينة المشهود بنفسه.
لا يشترط في التحمل الإسلام والحرية والعدالة:
ولا يشترط في التحمل الإسلام والحرية والعدالة، وإنما هي شروط في الأداء كما سنبين بعد ذلك، فلو كان وقت التحمل كافرا، أو عبدا، أو فاسقا، ثم بلغ الصبي، وعتق العبد، وأسلم الكافر، وتاب الفاسق، فأدوا الشهادة عند القاضي فإن شهادتهم تقبل1.
شروط الأداء:
الشرط الأول: الإسلام في الشهادة على المسلمين، قال تبارك وتعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} 2، والكافر ليس عدلا، وليس منا، وأيضًا فإن الكافر أفسق الفساق، ويكذب على الله تعالى، فلا يؤمن الكذب منه على خلقه، وهنا نحب أن نتكلم عن مسألتين: شهادة غير المسلمين بعضهم على بعض، وشهادتهم على المسلمين في الوصية في السفر.
1 بدائع الصنائع، ج6، ص266.
2 سورة الطلاق، الآية رقم:2.