الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأي المالكية في شهادة النساء بعضهن على بعض في الأعراس ومساكن الطالبات، ونحو ذلك:
اختلف المالكية في شهادة النساء بعضهن على بعض فيما يقع بينهن من الجراح والقتل في المواضع التي لا يحضرها الرجال، كالحمامات العامة الخاصة بهن والأعراس، والمآتم، وما أشبه ذلك1 من صور الحياة التي نعيشها، كمساكن الطالبات، وحمامات السباحة الخاصة بالنساء، ومدارس البنات، ونوادي النساء، فيرى بعض فقهائهم أن شهادتهن لا تجوز؛ لأن الغالب عدم ضرورتهن إلى الاجتماع في ذلك، وصرح بعضهم بأن هذا الرأي هو الصحيح.
ويوجد رأي آخر عندهم بجواز شهادتهن لحاجتهن إلى ذلك، قال أحد المؤيدين لهذا الرأي من المالكية: ولم يزل النساء يجتمعن في الأعراس والمآتم في زمنه صلى الله عليه وسلم وهلم جرا، فإذا لم يقبل قول بعضهن على بعض ذهبت دماؤهن هدرا.
وبعضهم يحرر موضع الخلاف في الفقه المالكي بأن هذا إذا كان اجتماعهن
1 تبصرة الحكام، ج1، ص295، 296.
في العرس المباح، الذي لا يختلط فيه الرجال مع النساء ولم يكن هناك منكر ظاهر، أو كان دخولهن الحمام العام بالملابس التي لا تكشف شيئًا مما يجب عليهن ستره، فهذه مسألة الخلاف عند فقهاء المالكية، وأما إذا كن في الحمام العام غير ساترات لما يجب ستره، أو في الأعراس التي يمتزج فيها الرجال والنساء فلا خلاف في المذهب أن شهادة بعضهن على بعض لا تقبل، وكذلك المأتم لا يحل حضوره إذا كان فيه نوح، وما أشبه ذلك مما حرمه الشرع؛ لأن النساء بحضورهن في هذه المواضع تسقط عدالتهن، والله تبارك وتعالى اشترط العدالة من الرجال والنساء بقوله عز وجل:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} .
رابعا: يرى أبو حنيفة قبول شهادة النساء مع الرجال في أحكام الأبدان، مثل: الزواج، والطلاق، والرجعة، والعتق.
وقد بيّن الحنفية مستند هذا الرأي1، فذكروا أنه روي عن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة النساء في النكاح".
وقالوا إن المرأة من أهل الشهادة كما بينت الآية، فتقبل شهادتها لوجود المشاهدة، والحفظ، والأداء كالرجل، وأما زيادة النسيان في المرأة فتجبر بزيادة العدد، وإليه الإشارة بقوله تبارك وتعالى:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} .
ويرى مالك أن شهادة النساء لا تقبل في حكم من أحكام البدن، وأما حقوق الأبدان المتعلقة بالمال، مثل: الوكالات، والوصية التي لا تتعلق إلا بالمال، فقال
1 الاختيار لتعليل المختار، ج2، ص196.
مالك، وابن القاسم، وابن وهب: يقبل فيها شهادة شاهد وامرأتين، وقال أشهب وابن الماجشون: لا يقبل فيها إلا رجلان.
خامسا: حقوق الأبدان التي لا يطلع عليها الرجال غالبا بل نادرا، ويختص النساء بمعرفتها في الغالب. مثل: الولادة، والحيض، والعدة، والبكارة والثيوبة، واستهلال المولود، وعيوب النساء تحت الثياب، كالرتق، والقرن، والرضاع من الثدي وكذا عيوب النساء في الأجزاء التي تعد من عورة المرأة كالبرص وغيره، تقبل فيها شهادة النساء منفردات، أي: ليس معهن رجل.
وقد استدل لشهادة النساء منفردات في هذه الأمور بقول الزهري: "مضت السنة بأن تجوز شهادة النساء في كل شيء لا يليه غيرهن، رواه عبد الرازق عن الزهري بمعناه؛ وأيضًا فلأن الرجال لا يطلعون على ذلك في الغالب، فلو لم تقبل شهادة النساء في هذه الأمور لأدى ذلك إلى تعذر إثباتها1.
ولم يختلف العلماء إلا في الرضاع والاستهلال، فيرى أبو حنيفة عدم قبول شهادتين إلا مع الرجال؛ لأن الرضاع عنده من حقوق الأبدان التي يطلع عليها الرجال والنساء، فكما يطلع عليه النساء يجوز أن يطلع عليه محارم المرأة من الرجال، فلا توجد الضرورة إلى شهادتهن منفردات؛ ولأن الحرمة متى ثبتت ترتب عليها زوال الملك في الزواج، وإبطال الملك لا يثبت إلا بشهادة الرجال.
وكذلك يرى أبو حنيفة أنه لا تقبل شهادتهن منفردات في استهلال المولود؛ لأن ذلك مما يطلع عليه الرجال فإن الاستهلال صوت يكون عقيب الولادة، ويحل للرجال سماع هذا الصوت2.
1 كفاية الأخيار، ج2، ص281.
2 الاختيار لتعليل المختار ج2، ص196.