الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدلة الأراء
مدخل
…
أدلة الآراء:
أدلة الرأي الأول:
استدل للرأي الأول القائل بأنه إذا نكل المدعى عليه حكم القاضي بنفس النكول، بالأدلة الآتية:
أولا: ما رواه أبو عبيد بسنده عن سالم بن عبد الله أن أباه -عبد الله بن عمر- باع عبدا له بثمانمائة درهم بالبراءة، "أي: من العيوب" ثم إن صاحب العبد خاصم فيه ابن عمر إلى عثمان بن عفان، فقال عثمان لابن عمر: احلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه، فأبى ابن عمر أن يحلف، فرد عليه العبد".
ثانيا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اليمين على المدعى عليه" فاليمين محصورة في جانب المدعى عليه، فلم تشرع لغيره.
أدلة الرأي الثاني:
أما الرأي الثاني القائل بأنه لا يقضي بالنكول بل ترد اليمين على المدعي، فإن حلف قضى له، وإلا صرفهما، فقد استدل له بما يأتي:
أولا: ما رواه الدارقطني من حديث نافع عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق".
ثانيا: ما روي أن المقداد اقترض عن عثمان مالا، فقال عثمان: هو سبعة
آلاف، وقال المقداد: هو أربعة آلاف، فقال المقداد لعثمان: احلف أنه سبعة آلاف، فقال له عمر: أنصفك، فأبى أن يحلف فقال عمر: خذ ما أعطاك.
ثالثا: ما رواه البيهقي عن علي قال: "اليمين مع الشاهد، فإن لم تكن له بينة فاليمين على المدعى عليه، إذا كان قد خالطه، فإن نكل حلف المدعي".
رابعًا: ما روي عن سالم بن غيلان التجيبي، أن رسول الله -صلى اله عليه وسلم- قال:"من كانت له طلبة عند أحد، فعليه البينة، والمطلوب أولى باليمين، فإن نكل حلف الطالب وأخذ".
لكن أجيب عن هذا الحديث بأنه مرسل1.
خامسا: أن الشارع شرع اليمين مع الشاهد الواحد، فقد روى مسلم في صحيحه، من حديث عمرو بن دينار، عن ابن عباس:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين" قال عمرو: في الأموال.
1 الحديث المرسل: ما سقط منه الصحابي، بأن يروي التابعي مباشرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول الحسن البصري -مثلا وهو تابعي- قال رسول الله، وهو أحد أنواع الأحاديث الضعيفة عند جمهور أهل الحديث، وأما الفقهاء فبعضهم يرى جواز الاحتجاج به كأبي حنيفة، وكذلك مالك وأحمد في المشهور عنهما، وبعضهم كالشافعي يرى أنه لا يصح الاحتجاج بالمرسل إلا مرسل سعيد بن المسيب، وأما ما عداه من المرسل فلا بد من تحقق الشروط الآتية:
الشرط الأول: أن يكون الراوي من كبار التابعين.
الشرط الثاني: أن يكون ممن يروي عن الثقات دائما، بحيث إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا، ولا مرغوبا عن الرواية عنه.
الشرط الثالث: أن يكون هذا التابعي ممن يوافق الحفاظ في أحاديثهم إذا شاركهم، لا يخالفهم إلا بنقص لفظ من ألفاظهم التي لا يختل بها المعنى.
الشهاوي في مصطلح الحديث، ص30.
فلم يكتف في جانب المدعي بالشاهد الواحد بل أتى باليمين تقوية لشاهده، وإذا كان شاهد المدعي قد قوي باليمين فإن نكول المدعى عليه أضعف من شاهد المدعي، فهو أولى بأن يقوى بيمين الطالب؛ لأن النكول ليس بينة من المدعى عليه، ولا إقرارا، وهو حجة ضعيفة، فلم يقو على الاستقلال بالحكم، فإذا حلف معها المدعي قوي حانبه، فاجتمع النكول من المدعى عليه واليمين من المدعي، فقاما مقام الشاهدين، أو الشاهد، أو الشاهد واليمين.
قالوا: ولهذا لم يحكم على المرأة في اللعان بمجرد نكولها دون يمين الزوج، فإذا حلف الزوج، ونكلت عن اليمين، حكم عليها: إما بالحبس حتى تقر بالزنا أو تلاعن كما يقول أحمد وأبو حنيفة، وإما بالحد كما يقول مالك والشافعي.
دليل الرأي الثالث:
وأما الرأي الثالث القائل بأنه لا يقضي بالنكول ولا بالرد، ولكن يحبس المدعى عليه حتى يجيب بإقرار أو إنكار يحلف معه، فقد احتج له بأن المدعى عليه قد وجب عليه أحد الأمرين: إما الإقرار، وإما الإنكار، فإذا امتنع من أداء الواجب عليه عوقب بالحبس ونحوه حتى يؤديه، قالوا: وكل من عليه حق فامتنع عن أدائه فهذا سبيله.
وأما الآخرون فقد فرقوا بين الموضعين وقالوا: لو ترك المدعي ونكوله لأدى هذا إلى أن تضيع حقوق؛ لأن المدعى عليه من الممكن أن يصبر على الحبس، فإذا نكل عن اليمين ضعف جانب المرأة الأصلية فيه وقوي جانب المدعي فقوي باليمين1.
إذا نكل المدعي أيضا:
بيَّنّا فيما سبق أن بعض العلماء يرى أنه إذا نكل المدعى عليه أن اليمين ترد على المدعي، فإن حلف قضى القاضي له، والسؤال الآن ما هو الحكم -على هذا الرأي- لو نكل المدعي أيضا عن اليمين؟ أجاب أصحاب هذا الرأي بأنه لو نكل المدعي أيضًا صرفهما القاضي2.
1 الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، لابن قيم الجوزية، ص137، المؤسسة العربية للطباعة والنشر، والشرح الكبير لعبد الرحمن بن محمد بن قدامة المقدسي، ج11، ص427، وتكملة فتح القدير لشمس الدين أحمد بن المعروف بقاضي زاده، ج8، ص176.
2 الشرح الكبير، لعبد الرحمن بن محمد بن قدامة، ج11، ص428.