الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل لا بد من التفسير في الجرح:
اختلف العلماء في هذا على رأيين:
أحدهما: يقبل الجرح المطلق، وهو أن يشهد أنه فاسق أو أنه ليس بعدل، وهذا ما يراه أبو حنيفة، ورواية عن أحمد.
الثاني: لا يسمع الجرح إلا مفسرا، فيقول مثلا: أشهد أني رأيته يشرب الخمر، أو يتعامل بالربا، أو يظلم الناس بأخذ أموالهم أو بضربهم، أو يقول إنه علم ذلك باستفاضته أي: انتشاره في الناس.
وهذا ما يراه الشافعي والحنابلة.
الاستدلال بالرأي الأول:
أولا: التعديل يسمع مطلقا فكذلك الجرح قياسا عليه.
ثانيا: التصريح بالسبب يجعل الجارح فاسقا، ويوجب عليه الحد في بعض الحالات، كما لو شهد عليه بالزنا وليس معه شهود غيره يكملون نصاب شهادة الزنا، فيؤدي هذا إلى جرح الجارح، وإبطال شهادته، ولا يتجرح بها المجروح.
مناقشة الاستدلال:
أجيب عن هذا الاستدلال من قبل المخالفين بعدم التسليم بأن التصريح بالسبب يؤدي إلى جرح الجارح وإيجاب الحد عليه؛ لأنه يمكنه أن يذكر السبب بطريقة التعريض من غير تصريح.
فإن اعترض معترض بأن في بيان السبب هتكا للمجروح، فالجواب أنه لا بد من هتكه للحاجة الداعية إلى ذلك، كما جازت الشهادة عليه لإقامة الحد عليه إذا ارتكب ما يوجب إقامة الحد عليه، بل هنا أولى؛ لأن فيه رفع الظلم عن المشهود عليه، وهو حق آدمي، فكان أولى بالجواز.
وأيضًا فإن هتك عرضه إنما حصل بسببه؛ لأنه تعرض للشهادة مع ارتكابه ما يوجب جرحه، فكان هو الهاتك لنفسه؛ لأن فعله هو الذي أحوج الناس إلى جرحه.
الاستدلال للرأي الثاني:
أما الرأي القائل بأنه لا يسمع الجرح إلا مفسرا، فقد استدل له بما يأتي:
أولا: الناس يختلفون في أسباب الجرح، كما اختلفوا مثلا في شارب النبيذ، وعلى هذا فالواجب أن لا يقبل مجرد الجرح بدون تفسير، لاحتمال أنه يجرحه بشيء لا يراه القاضي جرحا.
ثانيا: الأصل في المسلمين العدالة، والجرح ينقل الشخص عن هذا الأصل، فلا بد من معرفة الشيء الذي أدى إلى نقله عن هذا الأصل، لاحتمال أن الجارح يعتقد نقله عن أصل العدالة بشيء لا يراه القاضي ناقلا عن هذا الأصل1.
هل يقبل الجروح والتعديل من النساء:
للعلماء أيضًا رأيان في هذه المسألة:
أحدهما: يقبل الجرح والتعديل من النساء، وهذا ما يراه أبو حنيفة.
الثاني: لا يقبل الجرح والتعديل منهن، وهو ما يراه الشافعية والحنابلة.
وقد استدل للرأي الأول بأن الجرح والتعديل لا يعتبر فيه لفظ الشهادة فأشبه رواية الحديث، وكما أنه تقبل الرواية من المرأة فكذلك الجرح والتعديل يقبلان منها.
واستدل الرأي الثاني بأن الجرح والتعديل شهادة فيما ليس بمال ولا المقصود منه المال، ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فأشبه الشهادة في القصاص، وكما أنه لا تقبل شهادة النساء في القصاص، فكذلك هنا.
ولم يسلم أصحاب هذا الرأي بقول أصحاب الرأي الأول أن الجرح والتعديل لا يعتبر فيه لفظ الشهادة، وأوجبوا لفظ الشهادة فيه2.
1 المغني، ج11، ص424.
2 المغني، ج11، ص425.