الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدلة القائلين بجواز الحكم على الغائب:
أولا: عموم الأدلة كقول الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ، ولم يفصل النص الكريم بين الحاضر وغيره، وقوله عز وجل:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} ، فلم يخصص الله تبارك وتعالى حاضرا من غائب.
ثانيا: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حكم على الغائب، كما حدث في حادثة العرنيين الذين قتلوا الرعاء، وسملوا أعينهم، وفروا، فأرسل إليهم القائف يتبعهم وهم غيب، حتى أدركوا، واقتص منهم.
ثالثا: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأولياء عبد الله بن سهل رضي الله عنه الذي وجد مقتولا في خيبر1 وادعوا أن أهل خيبر قتلوه، قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم:"يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته"2.
رابعا: صح عن عمر، وعثمان رضي الله عنهما القضاء على الغائب، ولا مخالف لهما من الصحابة.
خامسا: القياس، فإن الدعوى تسمع على الميت والصغير، مع أنهما أعجز عن الدفع من الغائب، فيقاس الغائب عليهما.
سادسا: المدعي له بينة مسموعة عادلة فجاز الحكم بها، كما لو كان الخصم
1 نيل الأوطار للشوكاني، ج7، ص183، 184، والمحلى، لابن حزم، ج9، ص369.
2 الرمة: الحبل الذي يربط به من وجب عليه القصاص، المغني، ج8، ص77.
حاضرا1.
خامسا: ما روته عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك"2.
فقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لها أن تأخذ من مال أبي سفيان، وهذا قضاء عليه في غيابه.
الإجابة عن حديث هند:
أجاب القائلون بعدم جواز الحكم على الغائب عن الاستدلال بحديث هند، بأن هذا الحديث لا يدل لمخالفيهم؛ لأن ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لهند لم يكن قضاء، وإنما كان فتوى، أو إعانة لها على أخذ ماله، قالوا: لأن هندا لم تدع الزوجية، ولم تقم البينة3.
ومع أن الإمام النووي -رضي الله تعالى عنه- من فقهاء الشافعية فإنه لا يوافق على الاستدلال بحديث هند على صحة القضاء على الغائب؛ لأن قضية هند كانت بمكة، وكان زوجها أبو سفيان حاضرا بها لا غائبا عنها، وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبا عن البلد، أو مستترا لا يقدر عليه، أو متعززا، وهذا الشرط غير متحقق في هذه القضية؛ لأن أبا سفيان موجود فالحكم عليه ليس غيابيا، فلا يكون هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء على الغائب، وإنما هو إفتاء منه صلى الله عليه وسلم-4 أي: إن هندا جاءت طالبة للفتوى وليست طالبة لأن يقضي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجها أبي سفيان.
1 المغني، ج11، ص485، والمحلى لابن حزم، ج9، ص369.
2 صحيح مسلم، بشرح النووي، ج12، ص7.
3 شرح الكنز لمحمود العيني، ج2، ص91، والمهذب للشيرازي، ج2، ص303.
4 صحيح مسلم، بشرح النووي، ج12، ص8.