الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلاف في شهادة الصبيان على بعض في الجراحات التي تحدث بينهم
مدخل
…
الخلاف في شهادة الصبيان على بعض في الجراحات التي تحدث بينهم:
اختلف العلماء في شهادة الصبيان بعضهم على بعض، في القتل والجراحات التي تحدث بينهم، كما لو كان الصبيان تلاميذ في مدرسة ابتدائية، وحدث بينهم شجار ونزاع أدى إلى قتل أحدهم أو جرحه، بعيدا عن أعين المشرفين على المدرسة، فلم يكن بينهم أحد البالغين حتى يشهد بما رآه، فيرى جمهور الفقهاء عدم قبول شهادتهم؛ لأن من شروط الشهادة العدالة، ومن شرط العدالة: البلوغ.
ويرى الإمام مالك قبول شهادة الصبيان فيما يقع بينهم من القتل والجراحات ما لم يتفرقوا، ولا تقبل شهادتهم في الأموال، فالأموال إذن متفق عليها بين العلماء في عدم قبول شهادة الصبيان فيها، وإنما الخلاف بين مالك والجمهور في القتل
والجراحات التي تحدث بينهم.
وكذلك يرى ما يراه مالك ابن أبي ليلى، وبعض التابعين، وفي كتب الإمامية ما يفيد قبول شهادة الصبيان في القتل، وأنه تقبل شهادتهم بينهم ما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهلهم.
ولم يستند رأي الإمام مالك إلا على ما روي عن ابن الزبير، قال الشافعي: فإذا احتج محتج بهذا قيل له: إن ابن عباس قد ردها، والقرآن يدل على بطلانها1.
وظاهر من قول الشافعي رضي الله عنه أنه إذا كان قد روي عن ابن الزبير ما يفيد رأي مالك فإنه قد روي عن صاحبي آخر ما يرد شهادة الصبيان، ويشير الشافعي بقوله: والقرآن يدل على بطلانها إلى قوله تبارك وتعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} فالصبيان ليسوا من رجالنا.
اشترط المالكية في قبول شهادة الصبيان عدة شروط:
اشترط المالكية في كتبهم عدة شروط لقبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض في القتل والجراحات، وإليك بيانا لهذه الشروط:
1-
حرية الشاهد، فلا يصح شهادة الصبي إذا كان عبدا.
2-
الإسلام.
1 بداية المجتهد، لابن رشد "الحفيد"، ج2، ص502، وحاشية الباجوري على شرح ابن قاسم، ج2، ص350، والمغني ج11، ص416، ووسائل الشيعة للحر العاملي، ج18، ص252.
3-
التمييز؛ لأن غير المميز لا يضبط ما يقول، واشترط بعض فقهائهم أن يكون ابن عشر سنين؛ لأن الذي سنه أقل من عشر سنين لا يثبت على كلام.
4-
الذكورة، فلا تجوز شهادة الأنثى، حتى لو تعددت الإناث وكثرن، ولو كان معهن ذكر.
5-
التعدد، بأن يكون عدد الشهود اثنين فأكثر.
6-
أن لا يكون الشاهد عدوا للمشهود عليه، وصرح المالكية بأن العداوة هنا مانعة من صحة الشهادة سواء كانت العداوة بين الصبيان أنفسهم، أو بين آبائهم.
7-
أن لا يكون الشاهد قريبا للمشهود له ولو بعدت القرابة.
8-
أن لا يحدث اختلاف بين الصبيان فإن اختلفوا بأن قال بعضهم: قتله فلان، وقال غيره: بل فلان، لم تقبل شهادتهم.
9-
أن لا يكون قد تفرقوا، فإن كانوا تفرقوا لم تقبل شهادتهم، وعلل المالكية هذا بأن التفرق مظنة التعليم، أي: يعلمهم غيرهم من الكبار ماذا يقولون، إلا إذا شهد رجال عدول على ما نطق به الصبيان قبل تفرقهم ثم تفرقوا، ففي هذه الحال تقبل شهادتهم.
10-
أن لا يكون قد حضر بينهم شخص بالغ وقت القتل أو الجرح، فإن حضر بالغ وقت القتل، أو حضر بعده، بحيث أمكن تعليمهم لم تقبل شهادتهم، سواء أكان البالغ ذكرا أم أنثى، حرا أم عبدا، مسلما أم كافرا، واحدا أم متعددا.
ويرى بعض فقهاء المالكية أن حضور البالغ غير العدل ممن لا تقبل شهادته كالكافر، والفاسق، والعبد مع الصبيان وقت وقوع القتل أو الجرح لا يمنع
شهادة الصبيان.
11-
أن لا تكون شهادة الصبيان بأن كبيرا قتل الصغير، أو بأن صغيرا قتل كبيرا، فإن شهدوا بأن كبيرا هو الذي قتل الصغير، أو أن صغيرا قتل الكبير لم تقبل شهادتهم، فلا بد من شهادة بعضهم لبعض على بعض.
12-
أن لا يكون الشاهد منهم مشهورا بالكذب.
13-
أن يكون الشاهد من جملة الصبيان المجتمعين، فإن كان صبيا مر عليهم لا تقبل شهادته.
إذا رجع الصبيان عن شهادتهم:
صرح المالكية بأنه لا يقدح في شهادة الصبيان إذا تحققت الشروط المذكورة رجوعهم عن شهادتهم قبل الحكم أو بعده، ولا تجريحهم من غيرهم أو من بعضهم لبعض، إلا التجريح بالكذب في المجرب به.
وبقي أن نقول: إن المالكية بينوا أنهم إذا قالوا بجواز شهادة الصبيان في القتل فإن غير واحد من فقهائهم قال إنه لا تقبل في القتل حتى يشهد العدول على رؤية البدن مقتولا، وعلى هذا فلو شهدوا بأن ابن فلان قتل ابن فلان، ورماه في البحر لم تقبل شهادتهم1.
الشرط الرابع من شروط الشهادة: العدالة
الأئمة الأربعة أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، متفقون على وجوب العدالة في الشاهد؛ لأن الفاسق إذا لم ينزجر عن غير الكذب من محظورات دينه فقد لا يتزجر عنه أيضًا، فكان متهما بالكذب2. لكن الخلاف في أمرين:
أحدهما: هل يجب السؤال عن عدالة الشاهد من عدمها أم يكتفى بعدالته الظاهرة؟
والثاني: إذا قضى القاضي بشهادة الفاسق، هل يصح هذا القضاء أم لا؟
الشافعي وغيره يرون أنه لا يصح القضاء بشهادة الفاسق، فلا تقبل الشهادة من الفاسق، لقول الله تبارك وتعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} 3، وقوله عز وجل:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} 4. وقوله عز وجل: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} 5، والفاسق ليس بمرضي؛ ولأن القاضي يحكم بقول الشاهد وينفذه في حق الغير، فيجب أن يكون قوله مؤديا إلى أن يغلب على ظن القاضي صدق الشاهد، ولا يكون ذلك إلا بالعدالة6.
وقد سبق بيان معنى العدالة عند الكلام عن شروط القاضي.
1 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج4، ص183.
2 شرح العناية على الهداية، مطبوع مع فتح القدير، ج7، ص397.
3 سورة الحجرات، الآية رقم:6.
4 سورة الطلاق، الآية رقم:2.
5 سورة البقرة، الآية رقم:282.
6 الاختيار لتعليل المختار، لعبد الله بن محمود بن مودود، ج2، ص16، مطابع الشعب.