الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يشترط العدد في انفراد النساء بالشهادة:
الذين يرون قبول شهادة النساء منفردات في حقوق الأبدان التي لا يطلع عليها الرجال غالبا، مختلفون في العدد المشترط في ذلك منهن. على الصورة الآتية:
الرأي الأول: كل موضع تقبل فيه شهادة النساء منفردات يصح فيه شهادة امرأة واحدة.
وهذا الرأي يراه أحمد، وأبو حنيفة وأصحابه، والثوري، قال ابن القيم:"وصح عن ابن عباس، وروي عن عثمان، وعلي، وابن عمر، والحسن البصري، والزهري، وروي عن ربيعة، ويحيى ين سعيد، وأبي الزناد، والنخعي، وشريح، وطاوس، والشعبي: الحكم في الرضاع بشهادة امرأة واحدة، وأن عثمان رضي الله عنه فرق بشهادتها بين الرجال ونسائهم، وذكر الزهري أن الناس على ذلك، وذكر الشعبي ذلك، عن القضاة جملة، وروي عن ابن عباس: أنها تستحلف مع ذلك"1.
الرأي الثاني: لا تقبل فيه إلا امرأتان، وهو ما يراه الحكم، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، ومالك، والثوري، ورواية أخرى عن أحمد، وهو أيضًا ما يراه الزهري غير أنه استثنى الشهادة في استهلال المولود، فبين أنه يرى قبول شهادة امرأة واحدة يه.
1 الطرق الحكمية لابن قيم الجوزية، ص182.
الرأي الثالث: لا يقبل فيما تصح فيه شهادة النساء منفردات إلا ثلاث نسوة لا أقل من ذلك، وهذا ما يراه عثمان البتي.
الرأي الرابع: لا يقبل فيه إلا أربع نسوة، وهو ما يراه عطاء، والشعبي، وقتادة، والشافعي، وأبو ثور.
أدلة الرأي الأول:
الدليل الأول: روى أحمد، والبخاري، وغيرهما عن عقبة بن الحارث، أنه تزوج أم يحيى بن أبي إهاب، فجاءت أمة "جارية" سوداء فقالت: قد أرضعتكما، قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عني، قال: فتنحيت فذكرت ذلك له، فقال:"وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما، فنهاه عنها"، وفي رواية دعها عنك.
مناقشة هذا الدليل:
أولا: أجيب عن الحديث بأنه محمول على الاستحباب.
الرد على هذه الإجابة:
رد الشوكاني بأن النهي حقيقة في التحريم -كما هو القاعدة الأصولية- فلا يخرج عن معناه الحقيقي إلا لقرينة صارفة.
ثانيًا: قال البعض إن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل كان من باب الاحتياط، وأجيب بأن هذا مخالف للظاهر، ولا سيما بعد أن كرر السؤال أربع مرات كما في بعض الروايات، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له في جميعها:
كيف وقد قيل، وفي بعضها: دعها عنك.
ولو كان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل من باب الاحتياط لأمره بالطلاق لكن لم يثبت في رواية أنه صلى الله عليه وسلم أمره بالطلاق1.
الدليل الثاني: ذكر ابن قدامة حديثا قال إن الفقهاء ذكروه في كتبهم، وهو ما رواه حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة.
الدليل الثالث: ذكره ابن قدامة أيضًا، وهو ما رواه أبو الخطاب عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يجزئ في الرضاع شهادة امرأة واحدة".
الدليل الرابع: أن المشهود فيه معنى يثبت بقول النساء المنفردات، فلا يشترط فيه العدد، كرواية الأحاديث، وأخبار الديانات.
دليل الرأي القائل بأن لا بد من امرأتين:
استدل لهذا الرأي بما يأتي:
أولا: الرجال أكمل عقلا من النساء، ومع ذلك لا يقبل منهم في الشهادة إلا اثنان.
ثانيا: كما كان عدد الرجال حيث تجوز شهادتهم اثنين، فكذلك عدد النساء حيث تجوز شهادتهن اثنتين2.
1 نيل الأوطار ج7، ص125، ومغني المحتاج ج4، ص442، والطرق الحكمية ص151، وص182، 183، والاختيار لتعليل المختار ج2، ص196، والمغني ج9، 156، 157.
2 أدب القاضي، لابن القاص، ج1، ص289.
ويمكن أن نجيب على هذا بأن هذا الاستدلال في مقابلة النص فلا يقبل.
دليل الرأي القائل بأن لا بد من ثلاث:
استدل له بأن كل موضع قبل فيه النساء كان العدد ثلاثة كما لو كان معهن رجل. ويمكن أن نجيب عن هذا الاستدلال أيضًا بما أجيب به عن الاستدلال للرأي الذي قبله.
دليل الرأي القائل بأن لا بد من أربع:
استدل لهذا الرأي بأن الله عز وجل قد جعل عديل الشاهد الواحد امرأتين، واشترط الاثنينية في قوله سبحانه وتعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} ، فلما أجاز الله عز وجل شهادة النساء هنا أقام امرأتين مقام رجل واحد، فإن مقتضى هذا القياس أن تكون أربع نسوة مقام رجلين1.
مناقشة هذا الاستدلال:
يمكن أن يجاب بأنه كان يمكن التسليم بهذا الاستدلال لو لم يرد في الرضاع ما يخصص هذا العام، فلا شك أن حديث عقبة بن الحارث أخص مطلقًا.
1 أدب القاضي، لابن القاص، ج1، ص289.