الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يجب بالقسامة، من يبدأ بالحلف في القسامة
…
ما يجب بالقسامة:
اختلف العلماء القائلون بالقسامة فيما يجب بها، فيرى مالك، وأحمد أنه يستحق بها القصاص في القتل العمد، والدية في القتل الخطأ.
ويحتج لهذا الرأي بما رواه مالك من حديث ابن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة، وفيه: فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحلفون وتستحقون دم صاحبكم".
ويرى الشافعي، والثوري، وجماعة من العلماء أنه تستحق بها الدية فقط. وعمدة هذا الرأي هو أن الأيمان يوجد لها تأثير في استحقاق الأموال في الشرع، مثل ما ثبت من الحكم في الأموال باليمين والشاهد، ومثل وجوب المال بنكول المدعى عليه، أو بنكوله ورد اليمين على المدعي عند من يرى من العلماء رد اليمين على المدعي إذا نكل المدعى عليه.
ويرى بعض علماء الكوفة أنه لا يستحق بالقسامة إلا دفع الدعوى، اعتمادا على أن الأصل هو أن اليمين إنما تجب على المدعى عليه.
ويرى بعض العلماء أنه يحلف المدعى عليه ويغرم الدية، فعلى هذا الرأي إنما يستحق بالقسامة دفع القصاص فقط1.
من يبدأ بالحلف في القسامة
اختلف العلماء القائلون بالقسامة، أي: الذين قالوا إنه يستوجب بها مال أو دم فيمن يبدأ بالأيمان الخمسين.
الرأي الأول: يرى جمهور العلماء ومنهم مالك، والشافعي، وأحمد،
1 بداية المجتهد، ج2، ص466.
ودواد، أنه يبدأ المدعون فيحلفون خمسين يمينا، ويجب الحق بحلفهم هذه الأيمان الخمسين.
واحتج أصحاب هذا الرأي بالحديث المروي عن سهل بن أبي حثمة، وفيه التصريح بالابتداء بيمين المدعي، وهو ثابت من طرق كثيرة صحاح.
ويرى فقهاء الكوفة والبصرة، وكثير من أهل المدينة أنه يبدأ المدعى عليهم بالأيمان.
وقد استند هذا الرأي إلى رواية تبين الابتداء بيمين المدعى عليهم.
وقد أجيب على هذا بما قاله أهل الحديث من أن هذه الرواية وهم من الراوين1.
الحكم إذا لم يحلف المدعون:
إذا رفض المدعون أن يحلفوا -على الرأي القائل بأن المدعون هم الذين يحلفون- حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرئ ولا شيء عليه، وهذا ما يراه مالك، والليث بن سعد، والشافعي، وأبو ثور، وهذا ظاهر المذهب في الفقه الحنبلي2.
وأما الحنفية -كما سبق بيانه- فيرون أن ولي القتيل لا يحلف، بل الذي يحلف هو المدعى عليهم، فيختار منهم ولي الدم خمسين رجلا، ويحلف كل منهم
1 صحيح مسلم بشرح النووي، ج11، ص144، وبداية المجتهد، ج2، ص467.
2 المغني، ج8، ص77، 78.
بالله ما قتلت ولا علمت له قاتلا، وإذا لم يبلغ الحالفون هذا العدد يكرر عليهم اليمين حتى يبلغ الخمسين؛ لأن اليمين واجب بالنص، فيجب إتمامها ما أمكن، ولا يشترط معرفة الحكمة في هذا العدد الثابت بالنص1.
فالقسامة عند جمهور العلماء دليل للمدعي لإثبات تهمة القتل إذا لم توجد وسيلة أخرى من وسائل الإثبات التي تصلح في هذا الأمر، وأما عند الحنفية فهي دليل لنفي التهمة عن المدعى عليهم2.
ويرى الحنفية أن الدعوى إذا كانت قتل عمد تجب الدية بعد الحلف، فإن أبوا أن يحلفوا يحبسون حتى يحلفوا، أو يقروا، فيلزم المقر ما أقر به.
وأما إذا كانت الدعوى قتل خطأ فيرون وجوب الدية إذا نكل المدعى عليهم، ولا يحبسون3.
إذا لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه:
إذا امتنع المدعون من الأيمان، ولم يقبلوا الأيمان من المدعى عليهم دفعت دية القتيل من بيت المال "الخزانة العامة" يدل على هذا أنه لما قتل عبد الله بن سهل بخيبر، وأبى الأنصار أن يحلفوا وقالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ أدى النبي صلى الله عليه وسلم ديته من عنده كراهية أن يبطل دمه4.
1 مجمع الأنهر، في شرح ملتقى الأبحر، لعبد الله بن محمد بن سليمان المعروف بدامادا أفندي، ج2، ص678، 679، دار إحياء التراث العربي.
2 الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور وهبة الزحيلي، ج6، ص394، دار الفكر، بدمشق.
3 مجمع الأنهر، ج2، ص678، 679.
4 المغني، ج8، ص78.
هل يحلف النساء والصبيان؟
االصبيان فقد اتفق العلماء على أنهم لا يحلفون، سواء أكانوا من الأولياء أم كانوا من المدعى عليهم؛ لأن الأيمان حجة للحالف، والصبي لا يثبت بقوله حجة، ولو أقر على نفسه لم يقبل فقوله في حق غيره لا يقبل من باب أولى.
وأما النساء فإذا كن من أهل القتيل لم يستحلفن، وهذا ما يراه ربيعة، والثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي، والحنابلة.
ويرى مالك أن النساء تستحلف في قسامة القتل الخطأ دون القتل العمد، ويرى الشافعي أن يحلف كل وارث بالغ، سواء كان رجلا أو امرأة؛ لأنها يمين في دعوى، فتشرع في حق النساء كسائر الأيمان.
الاستدلال لعدم استحلاف النساء:
استدل لهذا الرأي بما يأتي:
أولا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يقسم خمسون رجلا منكم وتستحقون دم صاحبكم".
ثانيا: الأيمان هنا حجة يثبت بها قتل العمد، فلا يصح سماعها من النساء، قياسا على الشهادة منهن في القتل1.
إن كان في الأولياء صبيان ورجال:
إن كان في الأولياء صبيان ورجال بالغون، أو كان فيهم حاضرون وغائبون، فلا تثبت القسامة حتى يبلغ الصبي في قول لبعض فقهاء الحنابلة؛ لأن الحق لا يثبت إلا ببينته الكاملة، والبينة هنا أيمان الأولياء كلهم، والأيمان لا تدخلها النيابة.
ويرى بعض الذين قالوا إن القسامة يستحق بها القصاص في القتل العمد، أن القتل إذا كان عمدا لم يقسم الكبير حتى يبلغ الصغير، ولا يقسم الحاضر حتى يقدم الغائب؛ لأن حلف الكبير الحاضر لا يفيد شيئًا في الحال.
وأما إذا كان القتل موجبا للمال، كالقتل الخطأ، وشبه العمد2، حاضر المكلف أن يحلف ويستحق قسطه من الدية.
وهذا ما يراه بعض فقهاء الحنابلة، وهو أيضًا مذهب الشافعي، مع ملاحظة أن الشافعي من العلماء القائلين بأن القسامة يستحق بها الدية فقط، كما سبق أن بينا ذلك عند كلامنا عما يجب بالقسامة3
1 المصدر السابق، ج8، ص80.
2 القتل شبه العمد هو الضرب بما لا يقتل غالبا كالعصا الصغيرة، ونحوها.
3 المغني، ج8، ص80، 81.