الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم طلب القضاء:
ما سبق كان بيانا لحكم قبول القضاء إذا عرضه رئيس الدولة أو من له سلطة تعيين القضاة على الشخص، ونتكلم هنا عن حكم السعي في طلب القضاء، بين ابن فرحون أحد أشهر علماء المالكية أن طلب القضاء يعتريه الأحكام الخمسة، فيكون واجبًا، أو مستحبا، أو حرامًا، أو مكروهًا، أو مباحًا، وإليك بيانا لهذه الأقسام الخمسة.
متى يكون واجبًا:
يكون واجبا إذا كان من أهل الاجتهاد، أي: له القدرة على استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، أو من أهل العلم والعدالة، ولا يوجد قاض، أو يوجد قاض لكن لا تجوز ولايته أو ليس في البلد من يصلح للقضاء غيره.
أو لكونه إن لم يتول القضاء يتولاه من لا يجوز توليته.
أو كان القضاء بيد من لا يجوز بقاؤه عليه، ولا سبيل إلى عزله إلا بأن يتصدى هذا لهذا المنصب، فحينئذ يتعين عليه التصدي لذلك والسعي فيه، إذا كان يقصد بطلبه حفظ الحقوق، وجريان الأحكام على وفق شرع الله؛ لأن في تحصيله القيام بفرض الكفاية. أي: يجب طلب القضاء سواء أكان المكان شاغرًا، أو مشغولًا بمن لا يصلح للقضاء.
وصرح العلماء بأنه يلزمه أن يطلب القضاء ممن له سلطة تعيين القضاة، سواء كان من له سلطة تعيين القضاة عالما به، ولم يطلب منه أن يتولى القضاء، أم كان غير عالم به1.
متى يكون مستحبا:
يكون مستحبا كما لو كان هناك عالم خامل الذكر، لا يعرف رئيس الدولة أو من له سلطة تعيين القضاة، ولا الناس علمه، فلا يرجع إليه الناس لمعرفة الأحكام الشرعية لعدم شهرته، فأراد أن يسعى في القضاء، لنشر العلم ونفع الناس به.
متى يكون حراما:
كما إذا سعى في طلب القضاء، وهو جاهل لا تتوفر فيه أهلية القضاء، أو كان من أهل العلم وسعى في طلبه لكنه متلبس بفعل من الأفعال التي توجب صفة الفسق، كأن كان يشرب الخمر، أو غير ذلك من الأعمال المفسقة.
أو كان قصده بهذا المنصب أن ينتقم من أعدائه، أو قبول الرشوة من
1 نهاية المحتاج للرملي، ج8، ص236.
المتخاصمين أمامه، وما ماثل هذا من المقاصد الممنوعة.
هذا ويمكن أن نقول كما يحرم طلب القضاء على من لم تكن شروط القاضي مستوفية فيه، فإنه كذلك يحرم على أي شخص أن يطلب منصبا عاما، لا تتوافر فيه الشروط المطلوبة لهذا المنصب، كالذي لا يستطيع إلا أن يعرف مجرد القراءة والكتابة، وليس عنده الكفاءة المطلوبة لعضوية المجالس التشريعية النيابية، ومع ذلك يدخل في هذه المجالس اعتمادًا على أن القانون الوضعي لا يشدد في الشروط ويكتفي بمجرد معرفة القراءة والكتاية.
متى يكون مكروها:
مثل ابن فرحون لهذا القسم بما لو كان يسعى في طلب القضاء لتحصيل الجاه والاستعلاء على الناس، ثم قال: فهذا يكره له السعي، ولو قيل إنه يحرم كان وجهه ظاهرًا، لقوله تعالى:{تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} 1.
ثم ذكر ابن فرحون صورة أخرى للكراهة، وهي ما إذا كان غنيا عن أخذ الرزق على القضاء، وكان مشهورًا بعلمه بين الناس، لا يحتاج أن يشهر نفسه وعلمه بالقضاء، ثم قال ابن فرحون: ويحتمل أن يلحق هذا بقسم المباح.
متى يكون مباحًا:
كما إذا كان فقيرًا وله عيال، فيجوز له أن يسعى في تحصيل القضاء لكي يسد حاجته.
وكما لو كان يقصد به أن يدفع ضررًا عن نفسه بتولي هذا المنصب2.
1 سورة القصص، الآية:83.
2 تبصرة الحكام لابن فرحون بهامش فتح العلي المالك لمحمد أحمد عليش، الجزء الأول ص16.