الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يشترط البصر في أداء الشهادة:
وعدنا عند كلامنا عن شروط التحمل في الشهادة أن نعود بالتفصيل إلى الكلام عن شهادة الأعمى، ونحن الآن نفصل الكلام فنقول:
يرى ابن القيم قبول شهادة الأعمى في المسموعات، قال: "دلت الأدلة
المتضافرة -التي تقرب من القطع- على قبول شهادة الأعمى فيما طريقه السمع إذا عرف الصوت1.
وفي الفقه الحنفي نجد رأيا يقول بعدم قبول شهادة الأعمى؛ لأن أداء الشهادة يحتاج إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له والمشهود عليه، والأعمى لا يميز إلا بالنغمة، والنغمة قد تشبه النغمة2.
ويرى المالكية قبول شهادة الأعمى فيما عدا المرئيات مطلقا، من المسموعات والملموسات، والمذوقات، والمشمومات، سواء تحملها قبل العمى أم لا؛ لأنه يضبط الأقوال بسمعه، والملموس، والمذوق، والمشموم يستوي فيه الأعمى وغيره.
قال ابن العربي المفسر المعروف المالكي المذهب -عند تفسير قول الله تبارك وتعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} 3: "عموم قوله تعالى: {مِنْ رِجَالِكُمْ} يقتضي جواز شهادة الأعمى على ما يتحققه ويعلمه، فإن السمع في الأصوات طريق للعلم كالبصر للألوان، فما علمه أداه، كما يطأ زوجته باللمس والشم، ويأكل بالذوق، فلم لا يشهد على طعام اختلف فيه قد ذاقه"4.
وأما الأفعال المرئية فلا تجوز شهادته فيها عند المالكية مطلقا، كما هو المذهب عندهم، سواء أكان قد علمها قبل العمى أم لا، كما قال بعضهم، ويرى بعض آخر منهم أنه تجوز شهادته بالأفعال إن كان علمها قبل العمى، أو علمها بحس كما في
1 الطرق الحكمية، ص242.
2 فتح القدير، ج7، ص397.
3 سورة البقرة، الآية:282.
4 أحكام القرآن، لابن العربي، القسم الأول، ص252.
الزنا1.
ويرى الشافعية عدم قبول شهادة الأعمى إلا في أربعة مواضع:
الأول: الترجمة، فيجوز أن يكون مترجما أمام القاضي؛ لأن الترجمة تفسير، ونقل اللفظ لا يحتاج إلى معاينة وإشارة.
ويشترط الشافعية في ترجمة كلام الخصم أو الشاهد للقاضي أن يقوم بالترجمة اثنان على الأقل، فلا يكفي مترجم واحد.
الثاني: ما يثبت بالاستفاضة، مثل النسب، والموت، والزواج.
الثالث: ما تحمله قبل العمى، إن كان المشهود له، والمشهود عليه معروفي الاسم والنسب، لحصول العلم بالمشهود عليه.
الرابع: في قبضه على المقر إلى أن يشهد عليه عند القاضي بما سمعه منه، من طلاق، أو عتق، أو مال لشخص معروف الاسم والنسب، وما شابه ذلك.
وزاد بعض الشافعية إسماع الأعمى للقاضي كلام الخصم أو الشاهد، فيجوز الإسماع منه2.
ويرى الحنابلة صحة شهادة الأعمى إذا تيقن الصوت.
ويرى الظاهرية قبول شهادة الأعمى مطلقا في الأقوال والأفعال فيما تحمله قبل العمى، وفيما تحمله بعد العمى3.
وإذا دخل شخص في الشهادة وهو بصير، ثم أداها وهو أعمى فإن الشافعي يرى جواز ذلك، وأما إذا دخلها وهو أعمى ثم أداها وهو بصير، فلا تجوز عنده، وهذا أيضًا ما يراه ابن أبي ليلى، ويرى أبو حنيفة ومحمد بن الحسن أنه إن دخلها وهو بصير ثم أدها وهو أعمى لم تجز شهادته، وإن دخلها وهو أعمى ثم أداها وهو بصير جازت، وأما أبو يوسف فيرى أنه إن دخلها وهو بصير ثم أداها وهو أعمى جازت، فيوافق الشافعي في ذلك4.
1 حاشية الدسوقي، ج4، ص167.
2 الشرقاوي على التحرير، ج2، ص532، دار إحياء الكتب العربية. وتكملة المجموع، شرح المهذب، للمطيعي، ج20، ص263.
3 المحلى لابن حزم، ص9، ص433.
4 أدب القاضي، لابن القاص، ج1، ص304. وفتح القدير، لابن الهمام، ج7، ص399.