الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجوع الشهود عن الشهادة
مدخل
…
رجوع الشهود عن الشهادة:
إذا أدى الشهود شهادتهم، ثم رجعوا عنها فما الحكم؟ نحب في البداية أن نبين أن العلماء قرروا أنه لا يصح الرجوع عن الشهادة إلا في مجلس القاضي؛ لأنه يحتاج فيه إلا حكم القاضي بمقتضى هذا الروجع، فلا بد من مجلس القاضي كما هو الحال في الشهادة فإنها لا بد أن تؤدى أمام القاضي1.
هذا، وقد فصل العلماء في هذه المسألة، فالشهود إما أن يكون رجوعهم عن الشهادة قبل الحكم من القاضي، أو يكون الرجوع بعد الحكم.
فإن كانوا رجعوا عن الشهادة قبل الحكم امتنع على القاضي الحكم بشهادتهم، وإن أعادوها أيضًا، سواء أكانت شهادتهم في قضية من قضايا العقوبات أم في غيرها.
وقد علل لهذا بما يأتي:
أولا: لأن القاضي لا يدري هل صدق الشهود في موقفهم الأول أو في موقفهم الثاني، فينتفي الظن بصدقهم، والظن بصدق الشاهد مطلوب.
ثانيا: لأن كذب الشهود ثابت بالتأكيد، إما في الشهادة، أو في الرجوع، ولا يجوز الحكم بشهادة الكذاب.
1 الاختيار لتعليل المختار، ج2، ص196.
وبين العلماء أنه لو رجع الشهود عن شهادتهم في جريمة الزنا وجب أن يعاقبوا بحد القذف، وإن قالوا غلطنا، لما في هذا من التعبير اللاحق بالمشهود عليه، وكان يلزمهم أن يتثبتوا قبل الإقدام على الشهادة بالزنا.
لو كان الرجوع بعد الحكم:
لو كان الرجوع بعد الحكم، فإما أن يكون قبل استيفاء المحكوم به، أو يكون بعد استيفائه.
فإن رجعوا عن الشهادة بعد الحكم في القضية وقبل الاستيفاء، فإما أن يكون الرجوع قبل استيفاء مال شهدوا به، أو شهدوا بعقد يوجبه ولو كان عقد زواج كما قال فقهاء الشافعية، أو يكون الرجوع قبل استيفاء عقوبة، ولكل من هاتين الصورتين حكمها.
فإن كان بعد الحكم وقبل استيفاء مال نفذ الحكم به، واستوفى المال عند فريق من العلماء هم الجمهور؛ لأن القضاء تم. وهذا ليس من الأمور التي تسقط بالشبهة حتى يتأثر برجوع الشهود عن شهادتهم.
ويرى سعيد بن المسيب والأوزاعي أن الحكم لا ينفذ؛ لأن الحكم الذي حكم به القاضي كان مبنيا على شهادتيهما، فإذا رجعا فيها زال ما بني عليه حكم القاضي، فيبطل الحكم كما لو تبين أن الشاهدين كافران.
وقد أجيب عن هذا بأن بطلان الحكم في حالة تبين أن الشاهدين كافران، كان لعدم توافر شرط صحة الحكم وهو عدالة الشهود، بخلاف الحال هنا، فيجوز
أن يكون الشاهدان متحقق فيهما العدالة والصدق في شهادتهما، وإنما كان الكذب في رجوعهما عن الشهادة.
وأما إن كان الرجوع بعد الحكم وقبل استيفاء عقوبة في شهادة بها، سواء أكانت لله تبارك وتعالى، كحد الزنا، أو كانت لآدمي كحد القذف، فلا تستوفى تلك العقوبة؛ لأنها تسقط بالشبهة، ورجوع الشهود شبهة.
إن رجعوا بعد استيفاء المحكوم به:
يرى الشافعية أنهم لو رجعوا بعد استيفاء المحكوم به لم ينقض الحكم، لتأكد الأمر بالاستيفاء؛ ولأنه يجوز صدقهم في الشهادة وكذبهم في الرجوع، ويجوز أيضًا عكسه، وليس لأحد الأمرين أولوية على الآخر.
وعلى هذا فإن كان المستوفي عقوبة، كأن كان قصاصا في النفس أو في الطرف، أو قتل ردة، أو رجما في جريمة الزنا، أو جلدا ومات المجلود، أو كان قطع سرقة، ثم رجعوا عن الشهادة وقالوا: تعمدنا الشهادة، فإنه يجب عليهم القصاص، أو دية مغلظة في مالهم موزعة على عدد رءوسهم، إن عفى الأولياء عن القصاص إلى الدية؛ لأنهم تسببوا في إهلاكه.
وبين الشافعية أنه يجب القصاص على القاضي إن قال: تعمدت الحكم بشهادة الزور، والقول بالقصاص على الشاهدين قال به أيضًا ابن شبرمة، وابن أبي ليلى، والأوزاعي، والحنابلة غير أن الحنابلة قالوا: إذا قال الشهود تعمدنا الشهادة عليه، ولا نعلم أنه يقتل بهذا، وكان الشهود ممن يجوز أن يكون جاهلا بالحكم وجبت الدية في أموالهما مغلظة؛ لأنه شبه عمد، وكذلك يرى الحنفية أنه لا يفسخ الحكم إذا رجع الشهود بعد الحكم، لكنهم قالوا: إذا رجع شهود القصاص ضمنوا الدية ولا قصاص عليهم؛ لأن القصاص عند الحنفية لا يجب في جريمة القتل بالتسبب، بل لا بد في القصاص -عندهم- من القتل مباشرة، ولا يوجد القتل بالمباشرة هنا1.
1 مغني المحتاج ج4، ص457، والاختيار لتعليل المختار، ج2، ص215، والمغني، ج9، ص247، وفتح القدير، ج7، ص478، ونظرية التوثيق في الشريعة الإسلامية للدكتور أمين عبد المعبود، ص80، الناشر مكتبة الصفار بالكويت.