الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مراتب الشهادة:
اتفق العلماء على ما يأتي:
أولا: لا تثبت جريمة الزنا بأقل من أربعة شهود عدول ذكور، إلا من خالف جمهور العلماء كابن حزم، فإنه يرى أن المرأة لها حق الشهادة في كل شيء، قال ابن حزم: "ولا يجوز أن يقبل في الزنا أقل من أربعة رجال عدول مسلمين، أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان، فيكون ذلك ثلاثة رجال وامرأتين، أو رجلين، وأربع نسوة، أو رجلا واحدا وست نسوة، أو ثمان نسوة فقط، ولا يقبل في سائر الحقوق كلها من الحدود، والدماء، وما فيه القصاص، والنكاح، والطلاق، والرجعة، والأموال، إلا رجلان مسلمان عدلان، أو رجل وامرأتان كذلك، أو أربع
نسوة كذلك"1.
وقد استدل العلماء على اشترط أربعة شهود ذكور في إثبات جريمة الزنا بقول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 2، وقوله تبارك وتعالى:{وَاللَاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} 3. وقوله تبارك وتعالى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} 4، وما رواه مسلم أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: "نعم".
ثانيا: تثبت الأموال وما كان المقصود منه المال بشاهدين ذكرين عدلين، أو بشاهد عدل ذكر وامرأتين، والمال كالأعيان والديون، وأما ما كان المقصود منه المال فذلك كالبيع، والإجارة، والرهن، والإقرار، والغصب، وقتل الخطأ، وما ماثل هذا.
كل ذلك يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وهذا محل إجماع بين العلماء5، لقوله تبارك وتعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ
1 المحلى، لابن حزم، ج9، ص395، 396.
2 سورة النور، الآية رقم:4.
3 سورة النساء، الآية رقم:15.
4 سورة النور، الآية:13.
5 كفاية الأخيار، ج2، ص280.
إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} 1.
فكان هذا النص الكريم على عمومه إلا الأمور التي جاء دليل خاص يخصصها.
ولا يشترط عند اشتراك رجل وامرأتين في الشهادة أن تتقدم شهادة الرجل على المرأتين، فتصح الشهادة سواء تقدمت شهادته على المرأتين أو تأخرت، بل ولا يشترط العجز عن شهادة رجلين، فسواء أكان من المقدور شهادة رجلين أم كان من غير المقدور فإن شهادة المرأتين مع الرجل صحيحة2.
هذا، وقد بين الله عز وجل سبب كون شهادة المرأتين تقومان مقام شهادة رجل، وهو أن إحدى المرأتين الشاهدتين قد تنسى فتذكرها المرأة الأخرى، ومعنى هذا أن المرأة بطبيعتها معرضة للنسيان أكثر من الرجل، ولعل ذلك راجع إلى ما يعتريها من أمور طبيعية كالحيض والنفاس، والحمل، مما قد يؤثر على قوة حافظتها، فينسيها بعض الوقائع، فإذا كان امرأتان في الشهادة فإن إحداهما تذكر الأخرى إذا
1 سورة البقرة الآية رقم: 282، وقد يسأل سائل: لماذا لم يكتف بامرأة واحدة مع رجل، فيذكرها الرجل الذي معها إذا نسيت، فما الحكمة فيه؟
أجاب عن هذا ابن العربي الفقيه المالكي والمفسر المشهور بقوله: "إن الله سبحانه شرع ما أراد، وهو أعلم بالحكمة، وأوفى بالمصلحة، وليس يلزم أن يعلم الخلق وجوه الحكمة وأنواع المصالح في الأحكام، وقد أشار علماؤنا أنه لو ذكرها إذا نسيت لكانت شهادة واحدة، فإذا كانت امرأتين وذكرت إحداهما الأخرى كانت شهادتهما شهادة رجل واحد، كالرجل يستذكر في نفسه فيتذكر".
2 كفاية الأخيار، ج2، ص280.
نسيت، ويرى بعض العلماء المعاصرين أن الإسلام عندما جعل شهادة المرأتين مساوية لشهادة رجل واحد، فإنه بذلك يقدر ظروف المرأة واهتماماتها التي تجعلها -في الغالب- على بعد من تعاملات المجتمع في البيع والشراء والمداينة، أما الأشياء التي تكون على قرب منها وتحيط بها دون سواها من الرجال، فقد أخذ الإسلام بشهادتها دون الرجال، وذلك كأمور الرضاع والولادة، والحيض، والبكارة، والثيوبة1.
واختلف العلماء على الصورة الآتية:
أولا: جمهور العلماء على أنه تثبت جميع الحقوق ما عدا الزنا بشاهدين عدلين ذكرين، ويرى الحسن البصري أنه لا تقبل الشهادة بأقل من أربعة شهداء.
وهذا الرأي ضعيف لقول الله تبارك وتعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وقوله تبارك وتعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} .
ويرى أحمد بن حنبل فيما يختص بمعرفة أهل الخبرة والطب قبول شهادة الخبير أو الطبيب الواحد إذا لم يوجد غيره، وأما إذا أمكن شهادة اثنين فقال فقهاء الحنابلة لا يكتفى بدونهما.
كما يرى أحمد أيضًا -في إحدى روايتين عنه- قبول شهادة الواحد في الترجمة ونحوها.
ويرى مالك، والشافعي، وبعض فقهاء الحنابلة أنه لا بد في الترجمة من
1 الشيخ محمد متولي الشعراوي، في أحاديثه الدينية، جريدة الأخبار القاهرية، في 3/ 9/ 1993.
اثنين عدلين.
والاكتفاء بواحد في الترجمة هو قول أبي حنيفة أيضًا1، ويرى محمد بن الحسن أنه لا يجوز أقل من رجلين، أو شاهد وامرأتين2.
ثانيا: جمهور العلماء على أن الحكم يجب بالشاهدين من غير يمين المدعي، ويرى ابن أبي ليلى أنه لا بد من يمينه.
ثالثا: جمهور العلماء على أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود والقصاص، سواء كان معهن رجل أو كن منفردات، وقد استند هذا الرأي إلى ما روي عن الزهري قال:"مضت السنة من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أبي بكر، وعمر أنه لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، ولا في النكاح، ولا في الحدود" فهذا الحديث بيّن أن ثلاثة أشياء لا تقبل فيها شهادة المرأة، وقاسوا القصاص على الثلاثة المذكورة بجامع أن الكل ليس مالا، ولا يقصد منه مال.
ويرى ابن حزم أن شهادة النساء تقبل في الحدود والقصاص، إذا كان النساء أكثر من واحدة، قال ابن حزم: "ولا يجوز أن يقبل في الزنا أقل من أربعة رجال عدول مسلمين، أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان، فيكون ذلك ثلاثة رجلا وامرأتين، أو رجلين وأربع نسوة، أو رجلا واحدا وست نسوة، وثمان نسوة فقط، ولا يقبل في سائر الحقوق كلها من الحدود، والدماء، وما فيه القصاص، والنكاح، والطلاق، والرجعة، والأموال إلا رجلان مسلمان عدلان، أو رجل
1 الاختيار لتعليل المختار، ج2، ص195.
2 المبسوط للسرخسي، ج16، ص89، وأدب القاضي، لابن القاص، ج1، ص121.
وامرأتان كذلك، أو أربع نسوة كذلك، ويقبل في كل ذلك حاشا الحدود رجل واحد عدل وامرأتان كذلك مع يمين الطالب"1.
واستند ابن حزم في رأيه إلى ظاهر الآية الكريمة: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} .
وقد بين الشوكاني وغيره أن حديث الزهري الذي استند إليه الجمهور ضعيف، فقد أخرج قول الزهري المذكور ابن أبي شيبة، بإسناد فيه الحجاج بن أرطأة، وهو ضعيف، بجانب أن الحديث مرسل لا تقوم بمثله الحجة2.
وقال ابن حزم في تضعيفه، لهذا الحديث:"وأما الخبر من قول الزهري: مضت السنة من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أبي بكر، وعمر أنه لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، ولا في النكاح، ولا في الحدود فبلية؛ لأنه منقطع من طريق إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف عن الحجاج بن أرطأة، وهو هالك"3، ولهذا فإن الشوكاني يرى أن حديث الزهري لا يصلح مخصصا للعموم المستفاد من القرآن باعتبار ما دخل تحت نصه وهو الطلاق والنكاح، والحدود، فضلا عما لم يدخل تحت نصه، بل ألحق بطريق القياس وهو القصاص.
ومراد الشوكاني من العموم المستفاد من القرآن هو ما يستفاد من قول الله تبارك وتعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} 4، ولهذا فلا مانع عند الشوكاني أن يشهد رجل وامرأتان في قضية من قضايا القصاص5.
1 المحلى، لابن حزم، ج9، ص395، 396.
2 نيل الأوطار، للشوكاني، ج7، ص183، وكفاية الأخيار، ج2، ص281.
3 المحلى، لابن حزم، ج9، ص403.
4 سورة البقرة، الآية رقم 282.
5 نيل الأوطار، ج7، ص183.