الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورى عن الشعبي أن كعب بن سور الأسدي كان جالسا عند عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فجاءت امرأة فقال: يا أمير المؤمنين، ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي، والله إنه ليبيت ليله قائما ويظل نهاره صائما، فاستغفر لها وأثنى عليها، ثم قال لها: نعم الزوج زوجك، فجعلت تكرر هذا القول، ويكرر عليها الجواب، فقال له كعب: يا أمير المؤمنين، هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه، فقال له عمر: كما فهمت كلامها فاقض بينهما، قال: فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن فأقضي له ثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيها، ولها يوم وليلة، ثم قال للزوج: إن لها عليك حقا يا بعل، تصيبها في أربع لمن عدل، فأعطها ذاك ودع عنك العلل، فقال عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب إلي من الآخر، اذهب فأنت قاض على أهل البصرة1.
أما الخشية من أن يحكم القاضي بالفراسة، ويترك قانون الشريعة فلا محل لها؛ لأن من الشروط التي يجب أن تتحقق في القاضي شرط العدالة، والعدالة تمنع القاضي من أن يترك قانون الشريعة ويحكم بغير هذا القانون2.
1 المغني، لابن قدامة، ج7، ص303، 304.
2 محاضرات في علم القضاء للدكتور عبد العال عطوة، مكتوبة بالآلة الكاتبة، ص41.
الشرط الرابع: الحرية
أي: لا يكون عبدا، وهذا شرط اشترطه جمهور العلماء عندما كان الرق موجودا في عصورهم، وهو من الشروط التي قال بها جمهور العلماء، عدا ابن حزم والزيدية -فيما اطلعنا عليه من مصادر- وذلك لنقص العبد بجميع أقسامه، سواء أكان قنا، أي: خالص العبودية، أم مبعضا، أي: بعضه حر، وبعضه رقيق، كأن اشترك اثنان في ملكية عبد بميراث، أو بشراء أو بغير ذلك من أسباب التملك
المشروعة، ثم أعتق أحدهما نصيبه، أم كان مدبرا، أي: قال له سيده: أنت حر بعد موتي، أم معلقا عتقه على صفة، كأن قال له سيده: إن شفاني الله فأنت حر، فكل هذه الأنواع لا يصح توليتها منصب القضاء، لنقصان العبد، والنفوس البشرية تأنف من الانقياد لم به رق.
وأيضًا فلأن الرق -كما قال العلماء- أثر كفر؛ لأنه في الأصل عقوبة وقعت على أسير الحرب من الكفار، لما استكبر عن عبادة الله تبارك وتعالى، جعله الله عبد عبيده.
ويعلل العلماء أيضًا لهذا الشرط بأن العبد مشغول بحقوق سيده فلا يتفرغ لمصالح الأمة1. وقال الإمام الباجي، "ووجه ذلك أن منافع العبد مستحقة لسيده فلا يجوز أن يصرفها للنظر بين المسلمين"2.
وقد دلل ابن حزم لرأيه بعدة أمور:
الأمر الأول: أن القضاء هو نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعبد كسائر أفراد الأمة مخاطب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الأمر الثاني: أن الله تبارك وتعالى أمرنا فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} 3 والعبد داخل في هذا الأمر، كسائر أفراد الأمة؛ لأن هذه الأوامر تعم كل رجل وامرأة، وحر وعبد، ولا يصح التفريق في الأحكام بين الرجال والنساء، والأحرار والعبيد إلا إذا جاء
1 الروض المربع، لمنصور بن يونس البهوتي، وحاشيته، ج3، ص385، مطبعة السعادة.
2 المنتقى، للباجي، شرح موطأ مالك، ج5، ص183.
3 سورة النساء، الآية رقم:58.
نص يفيد هذا التفريق في الحكم.
الأمر الثالث: ما روي عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر أنه انتهى إلى الربذة وقد أقيمت الصلاة، فإذا عبد يؤمهم فقيل له هذا أبو ذر فذهب يتأخر، فقال أبو ذر: أوصاني خليلي يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا مجدع الأطراف.
قال ابن حزم بعد أن ذكر هذا الأثر: "فهذا معنى جلي على ولاية العبد".
الدليل الثالث:
ما روي عن سويد بن غفلة قال: قال لي عمر بن الخطاب: أطع الإمام وإن كان عبدا مجدعا، قال ابن حزم: فهذا عمر لا يعرف له من الصحابة مخالف1.
واستند الزيدية في رأيهم بجواز كون القاضي عبدا إلى أن العبد يصح شهادته فيصح حكمه كالحر2.
وأما لو كان عبدا ثم أصبح حرا، فجمهور العلماء يرون صلاحيته لتولي منصب القضاء، ويرى سحنون أحد علماء المالكية أن العتيق لا يصلح لتولي القضاء، خوفا من أن تستحق رقبته، فتذهب أحكام الناس باطلا، أي: فترد الأحكام التي حكم بها3.
1 المحلى، لابن حزم، ج10، ص632.
2 البحر الزخار، لأحمد بن يحيى بن المرتضي، ج6، ص119، الناشر دار الكتاب الإسلامي بالقاهرة.
3 تبصرة الحكام لابن فرحون، بهامش فتح العلي المالك، لمحمد عليش، ج1، ص24، ومواهب الجليل في مختصر خليل، للحطاب، ج1، ص87.