الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل الخامس: لا يقبل القاضي هدية ممن له خصومة في الحال
الرشوة هي أخذ المال لإبطال حق، أو تحقيق باطل والرشوة من الأمور المحرمة؛ لأنها من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، وقد نهى الله تبارك وتعالى عن أكل أموال الناس بالباطل، وهي صفة اليهود، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم"، رواه أحمد والترمذي وصححه.
وأما الهدية، فقد صرح العلماء بأن الأولى سد بابها، ثم إن كان للمهدي خصومة في الحال حرم على القاضي أن يقبل هديته كما بينا سابقا حتى لو كان له عادة بالهدية لصداقة، أو قرابة.
وبين العلماء أن القاضي يجب عليه أن لا يقبل هدية من لم تكن له عادة قبل تولي القاضي منصبه، حتى لو لم تكن له خصومة، استنادا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هدايا العمال غلول" وفي رواية "سحت"، رواه الإمام أحمد رضي الله عنه.
وأما إن كان المهدي لا خصومة له، وله عادة بالهدية وأهدى قدر عادته، ومثل ما كان يهديه فقال العلماء: يجوز للقاضي حينئذ قبولها. فإن أهدى أكثر من المعتاد أو أرفع مما كان يهديه، كأن كان يهدي المأكولات فأهدى الثياب، لم يجز للقاضي قبول هديته1.
وبين بعض العلماء أن حكم الهدية بالمنافع المقابلة بالمال عادة كسكنى بيت
1 كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، لتقي الدين الحصني، ج2، ص260، دار إحياء الكتب العربية، والروض المربع بحاشيته، ج3، ص390.
مثلا، تأخذ حجم الهدية بالأعيان، بخلاف غيرها كاستعارة كتاب من كتب العلم كما بين البعض أيضًا أن أكل القاضي حال كونه ضيفا عند بعض من يخضعون لولايته يأخذ حكم الهدية له وتأخذ حكم الهدية له، وبين بعضهم أيضا أنه يجوز للقاضي أن يأخذ الهدايا من رئيس الدولة إذا كانت الهدية من مال الرئيس بشرط أن يكون ذلك معتادا لمثله، وأن لا تؤثر الهدية في تغيير قلب القاضي عن التصميم عن الحق، وصرح بعض العلماء بأنه لا يلتحق بالقاضي في الأحكام الخاصة بالهدية وقيودها المفتي والواعظ، ومعلم القرآن والعلم؛ وذلك لأنهم ليس لهم أهلية الإلزام بخلاف القاضي فحكمه ملزم، قال الرملي أحد كبار فقهاء الشافعية:"والأولى في حقهم "يعني المفتي ومن ذكر معه" إن كانت الهدية لأجل ما يحصل منهم من الإفتاء والوعظ، والتعليم عدم القبول، ليكون عملهم خالصا لله تعالى، وإن أهدي إليهم تحببا وتوددا لعلمهم وصلاحهم فالأولى القبول، وأما إذا أخذ المفتي الهدية ليرخص في الفتوى فإن كان بوجه باطل فهو رجل فاجر يبدل أحكام الله تعالى ويشتري بها ثمنا قليلا، وإن كان بوجه صحيح فهو مكروه كراهة شديدة"1.
والأولى كما صرح العلماء أن من جاز له قبول الهدية من القضاة أن يثيب عليها أي: يعطي بدلها للمهدي، أو يردها لمالكها، أو يضعها في بيت المال "الخزانة العامة للدولة" وسد باب القبول مطلقا كما صرح العلماء أيضًا أولى حسما للباب2.
وفي نهاية الكلام عن الرشوة والهدية نحب أن نبين أن بعض العلماء يرى أن دفع المال لإبطال الظلم جائز للدافع حرام على الآخذ3.
1 نهاية المحتاج للرملي، ج8، ص243، 244.
2 المصدر السابق، ص244.
3 شرح الخرشي على مختصر خليل، لمحمد الخرشي، ج7، ص93، دار صادر ببيروت.