الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القضاء عند العرب قبل الإسلام:
تبين كتب الأدب أنه كان في الجاهلية من يسمون بالحكام، الذين يفصلون بين الناس في الخلافات والمنازعات التي كانت تحدث بينهم في مسائل النسب، والفضل، والتركات، والدماء، ولم يكن هؤلاء -كما قد يظن البعض- قضاة بالمعنى المفهوم للقضاة اليوم، بل كانوا "محكمين" يقصدهم الناس برضاهم دون إجبار من أحد.
أمور يختلف فيها القضاء والتحكيم:
والقضاء والتحكيم يختلفان في أمور من أهمها:
أولا: أن القاضي موظف خصصته الدولة ليقضي بين الناس، وليس له الحق في أن يرفض النظر في الخصومات، أما الحكم أو "المحكم" فهو شخص عادي ليس له صفة رسمية، يلجأ إليه الناس للفصل في منازعاتهم، فإن شاء قبل أن يقوم بهذه المهمة، وإن شاء أبى، وليس لأحد حق إجباره على هذه المهمة.
ثانيًا: أن المدعي أو صاحب الحق إذا رفع دعواه إلى القاضي فإنه يصبح المدعى عليه ملزمًا بمخاصمة المدعي والحضور إلى مجلس القاضي، فإذا لم يحضر حكم القاضي عليه غيابيا، أما التحكيم فليس لأحد الخصمين حق في إجبار خصمه على المخاصمة والحضور أمام الحكم، ولا عبرة للتحكيم إلا إذا رضي الخصمان كلاهما به، وحضر كل منهما باختياره إلى الحكم.
ثالثًا: قضاء القاضي ملزم لكلا الطرفين في القضية التي نظرها، وإذا لم ينفذ المحكوم عليه ما حكم به القاضي اختيارا، فإن الدولة تجبره على التنفيذ ولو باستعمال القوة، أما حكم الحكم في الخصومات التي يحكم فيها فإنه لا ينفذ إلا إذا كان كل من الخصمين راضيًا بهذا الحكم1.
من هذا تبين أن القضاء ملزم في ثلاث نواح:
أولاها: أن القاضي ملزم بأن يقضي فيما يرفع إليه من قضايا.
ثانيتها: أن المدعى عليه ملزم بالخصومة والحضور أمام مجلس القاضي.
ثالثتها: أن الأحكام التي قضى بها القاضي ملزمة لكل من المتخاصمين.
فالتحكيم ليس ملزما "للمحكم" وليس ملزمًا للخصم، وكذلك ما حكم به المحكم، فإنه لا يلزم أيا من الخصمين إلا برضاه بذلك.
من هذا يتبين أن العرب في الجاهلية لم يعرفوا القضاء؛ لأن القضاء أحد المظاهر التي تدل على التنظيم الحكومي، ولم يكن للعرب قبل الإسلام حكومة بالمعنى الذي نعرفه للحكومات الآن2، فلم تكن لهم إدارة منظمة لها السلطان الذي يخضع له الناس، وتعمل على أن يصل الحق إلى صاحبه، وتمنع أن يتعدى الناس بعضهم على البعض3. وإنما كانوا بدوا أو شبه بدو يعيشون في قبائل شتى وكل قبيلة من هذه القبائل يجمع أفرادها رابطة الدم التي كانت موضع التقديس من كل عربي يعيش في شبه الجزيرة العربية.
وإذا كانت بعض المصادر تحدثنا عن "قاضي السوق" الذي يجلس في سوق عكاظ، فإن قاضي السوق لا يعدو أن يكون محكما، اختارته جماعة السوق ليحكم بينهم في أمور محدودة وموسم معين، ثم تنتهي مهمته.
وكذلك تبين المصادر أن بني سهم في مكة كانوا أصحاب "حكومة" ولكن هذه الحكومة لم تكن منصبا، وإنما كانت لقبا أطلق على بني سهم، لكثرة المحكمين منهم.
1 هذا أحد رأيين في الفقه الإسلامي، والرأي الثاني أن الحكم إذا حكم في المسألة التي ينظرها فإنه ينفذ حكمه عليهما ما داما رضيا بتحكيمه من البداية.
2 عبقرية الإسلام في أصول الحكم، للدكتور منير العجلاني، ص331، دار النفائس ببيروت.
3 تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، للدكتور/ حسن إبرهيم حسن، الجزء الأول، ص51، 52.