الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآفاق، ويقال: له ابن عبد رب، وأنشد له ابن ماجه في "سننه":
أحمد اللَّه ذا الجلال وذا الإكر
…
ام حمدًا على الأذان كثيرا
إذ أتاني به البشير من اللَّه
…
فأكرم به لدي بشيرا
في ليال والى بهن ثلاثًا
…
كلما جاء زادني توقيرا
وذكره البخاري في (فصل من مات ما بين الستين إلى السبعين).
3114 - (ع) عبد اللَّه بن زيد بن عمرو، ويقال: ابن عامر، أبو قلابة الجرمي البصري
(1)
قال ابن حبان في كتاب "الثقات": حدثني بقصة موته محمد بن المنذر بن سعيد، ثنا يعقوب بن إسحاق بن الجراح، ثنا الفضل بن عيسى، عن بقية، ثنا الأوزاعي، عن عبد اللَّه بن محمد، قال: خرجت إلى ساحل البحر مرابطًا، وكان رباطنا يومئذ عريش مصر، فلما انتهيت إلى الساحل إذا أنا ببطيحة، وفي البطيحة خيمة فيها رجل قد ذهبت يداه ورجلاه، وثقل سمعه وبصره، وما له من جارحة تنفعه إلا لسانه، وهو يقول: اللهم أوزعني أن أحمدك حمدًا أُكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها علي، وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا. قال عبد اللَّه: قلت: واللَّه لآتين هذا الرجل ولأسالنه: أنَّى له هذا؛ أفهم أم علم، أم إلهام أُلهم؟ فاتيته وسلمت عليه وقلت: سمعتك تقول: كذا وكذا، فأي نعمة تفضَّل بها عليك حتى تشكره عليها. قال: وما ترى ما صنع ربي، واللَّه لو أرسل السماء عليَّ نارًا فأحرقتني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فأغرقتني، وأمر الأرض فبلعتني، لم أزدد لربي إلا شكرًا لما أنعم عليَّ من لساني هذا، ولكن يا عبد اللَّه؛ أتيتني فلي إليك حاجة، قد تراني على أي حالة أنا، لست أقدر لنفسي على ضر ولا نفع، وكان معي بُني يتعاهدني في وقت صلاتي فيوضيني، وإذا جعت أطعمني، وإذا عطشت سقاني، ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام، فتحسسه لي رحمك اللَّه؛ فمضيت في طلب الغلام، فوجدته قد افترسه سبع وأكل لحمه، فاسترجدت وقلت: بأي وجه آتي الرجل،
(1)
انظر: تهذيب تهذيب الكمال 2/ 684، تهذيب التهذيب 5/ 224، سير الأعلام 387، تقريب التهذيب 1/ 417، 319، خلاصة تهذيب الكمال 2/ 58، الكاشف 2/ 88، تاريخ البخاري الكبير 5/ 92، تاريخ البخاري الصغير 1/ 203، الجرح والتعديل 5/ 268، ميزان الاعتدال 2/ 425، 426، لسان الميزان 7/ 262، الوافي بالوفيات 17/ 185 والحاشية، البداية والنهاية 9/ 231، سير الأعلام 4/ 468 والحاشية، الثقات 5/ 2، ديوان الإسلام ت 1677.
فخطر على قلبي ذِكر أيوب عليه السلام، فلما أتيته سلمت عليه، فرد وقال: ألست صاحبي. قلت: بلى. فقال: ما فعلت في حاجتي؟ فقلت: أنت أكرم على اللَّه أم أيوب عليه السلام؟ فقال: بل أيوب. فقلت: هل تدري ما صنع به ربه عز وجل؟ أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟ قال: بلى. قلت: كيف وجده؟ قال: صابرًا شاكرًا حامدًا. فقال: أوجز رحمك اللَّه. فقلت: إن الغلام وجدته مفترَسًا. فقال: الحمد للَّه الذي لم يخلق من ذريتي خلقًا يعصيه فيعذبه بالنار؛ ثم استرجع وشهق شهقة فمات. فقلت: إنا للَّه وإإنا إليه راجعون، رجل مثل هذا إن تركته أكلته السباع، وإن قعدت لم أقدر له على ضر ولا نفع، فسجيته بشملة كانت عليه وقعدت باكيًا، فبينما أنا قاعد إذ هجم عليَّ أربعة رجال، فقالوا: يا عبد اللَّه؛ ما قصتك؟ فذكرتها لهم، فقالوا: اكشف لنا عن وَجْهه، فلما كشفت وجهه انكبَّ القوم يُقبِّلون عينيْه مرة ويديه مرة، ويقولون: بأي عين طالما غضت عن محارم اللَّه تعالى، وبأي وجه ما كنت ساجدًا والناس نيام، فقلت: من هذا يرحمكم اللَّه؟ قالوا: هذا أبو قلابة الجرمي صاحب ابن عباس، فغسَّلناه وصلَّيْنا عليه ودفنَّاه، وانصرف القوم وانصرفت إلى رباطي، فنمت فرأيته في روضة من رياض الجنة، وعليه حُلتان من حُلل الجَنَّة وهو يتلوا:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24]، فقلت: ألست صاحبي؟ قال: بلى. فقلت: أنَّى لك هذا؟ قال: إن للَّه تعالى درجات لا تُنال إلا بالصبر عند النبلاء، والشكر عند الرخاء، مع خشية اللَّه تعالى في السرِّ والعلانية.
وفي "تاريخ الأصبهاني الكبير": عن ابن عياش قال: دخل أبو قلابة الجرمي مسجد البصرة، فإذا زياد الأعجم يُنشد بعجمته، فقال: من هذا العلج؟ فقالوا: زياد. فقال زياد: من هذا؟ قال: أبو قلابة الجرمي. فقام على رأسه وقال: [الطويل]
قُم صاغرًا يا شيخ جرمٍ فإنما
…
يقال لكهل الصدق قُم غير صاغر
فإنك شيخٌ ميِّتٌ فمُورّثٌ
…
قضاعة ميراث البسوس وقاشر
قضى اللَّه خلق الناس ثم خلفتم
…
بقيَّة خلق اللَّه آخرَ آخِر
فلم تسمعوا إلا بمن كان قبلكم
…
ولم تُدركوا إلا مدقَّ الحوافر
فلو رد أهل الحق ما كان منكم
…
إلى حقه لم تُدفنوا في المقابر
قيل لزياد: يا أبا أمامة؛ فأين كانوا يدفنون؟ قال: في النواويس.
وقال الجارمي في "مختلف أسماء البلاد": توفي أبو قلابة بديْر آنَّا بالشام. ولما ذكره ابن خلفون في "الثقات" قال: كان رجلا صالحًا فقيهًا، فاضلا مشهورًا، وثقه ابن