الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن والسبعون باب الإمالة
[الإمالة: معناها، وأسبابها، وموانعها]
قال ابن مالك: (وهي أن ينحى جوازا في فعل أو اسم متمكّن بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء لتطرّفها وانقلابها عنها، أو مآلها إليها باتّفاق دون ممازجة زائد، أو لكونها مبدلة من عين ما يقال فيه: «فلت»، أو متقدّمة على ياء تليها، أو متأخّرة عنها متّصلة أو منفصلة بحرف أو حرفين ثانيهما هاء، أو لكونها متقدّمة على كسرة تليها، أو متأخّرة عنها منفصلة بحرف أو حرفين أوّلهما ساكن، فإن تأخّر عن الألف مستعل متّصل أو منفصل بحرف أو حرفين غلب - في غير شذوذ - الياء والكسرة الموجودتين لا المنويّتين، خلافا لمدّعي المنع مطلقا، وكذا إن تقدّم عليها المستعلي، لا مكسورا ولا ساكنا بعد مكسور، وربّما منع قبلها مطلقا).
الشّرح: يشير ابن مالك بذلك إلى معنى الإمالة، وأسبابها، وموانعها، فيقول:
إن معنى الإمالة اصطلاحا: أن ينحى جوازا في فعل أو اسم متمكن بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء. ومعناها لغة: مصدر قولك: أملت الشيء أميله إمالة، إذا عدلت به إلى غير الجهة التي هو فيها، وجاء معدّى بالتضعيف أيضا، نحو:
ميّله، والمصدر: التمييل، كما جاء ثلاثيّا، نحو: مال يميل ميلا. والغرض منها:
قصد مناسبة صوت نطقك بالفتحة لصوت نطقك بالكسرة التي قبلها، نحو: عماد أو بعدها نحو: عالم، أو قصد مناسبة صوت نطقك بالألف؛ بصوت نطقك بأصل هذه الألف، أو لصوت ما يصير إليه الألف في بعض المواضع؛
أو قصد مناسبة فاصلة لفاصلة، أو قصد مناسبة إمالة لإمالة.
والخلاصة: أن الغرض منها تناسب الأصوات، وتناسقها بتقارب نغماتها، وتحسين جرسها، وعدم تنافرها من علو يليه (1) تسفل، ومن تسفل يليه ارتفاع في الكلمة أو الكلام، والإمالة تجري قياسا في الأفعال المتصرفة، وفي الأسماء المتمكنة، -
(1) انظر: الوافي في الصرف (ص 144).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أما الأسماء الجامدة والحروف؛ فلا يمالان إلا سماعا؛ وإنما كانت جوازا؛ لأنها في.
لسان العرب غير واجبة؛ فتميم، وأسد، وقيس، وعامة نجد يميلون، وأهل الحجاز لا يميلون إلّا في مواضع قليلة سيأتي ذكرها.
لتطرفها وانقلابها عنها وهذا مشروع في بيان (1) أسباب الإمالة، فالألف المتطرفة المنقلبة عن الياء تمال في الفعل، نحو: رمى، وفي الاسم، نحو: فتى وهي الياء الأصلية؛ وكذلك المنقلبة عن الواو: نحو: أعطى، وملهى؛ وبعض العرب لا يميل ما سبق، ويكرهون أن ينحوا نحو الياء.
أو مآلها إليها، باتفاق، دون ممازجة زائد يشير بذلك إلى إمالة الألف، نحو الياء؛ لكونها في طرف، أو آيلة إليها، نحو: غزا، دعا؛ لأنها تصير ياء في أغزيت، ونحو: غزي، ودعي، ونحو: حبليان فهي تمال؛ لأنها تصير إلى الياء، نحو: حبليان، وحبليات، وخرج، نحو: قفا وعصا؛ فلا تمال ألفه هنا في الأسماء، وفي الفعل يجوز، خلافا لأهل الكوفة الذين يجوزون ذلك، والبصريون لا يرون ذلك، وكذلك تمال الألف المبدلة من عين باطراد (2) إن كانت في فعل يكسر فاؤه، حين يسند إلى تاء الضمير، يائيّا كان كـ:«بان» ، أو واويّا كـ:«خاف» ؛ فإنك تقول فيهما: بنت، وخفت؛ فيصيران في اللفظ على وزن فلت، والأصل: فعلت فحذفت العين، وحركت الفاء بحركتها؛ وخرج بذلك من أن يقال: فلت، نحو: قلت؛ فلا يمال؛ لأنه لا ياء فيه، ولا كسرة تعرض (3).
قال سيبويه: ومما يميلون ألفه، كل شيء كان من بنات الياء والواو، مما هما فيه عين، إذا كان أول فعلت مكسورا، قال: وهي لغة لبعض أهل الحجاز.
ومن أسباب إمالة الألف، تقدم الألف على ياء تليها، نحو: بايع، وراية، أو تأخرها عنها، متصلة مثل: بيّان، وكيّال، وبيّاع، أو منفصلة بحرف كـ: شيبان ضربت يداه، أو بحرفين أحدهما هاء، نحو: ببيتها، فلو لم يكن أحدهما هاء امتنعت الإمالة؛ لبعد الياء، واغتفر البعد مع الهاء لخفائها، وهو ما ذكره المصنف في قوله: متقدمة على ياء تليها أو
متأخرة عنها، متصلة أو منفصلة بحرف، -
(1) انظر: الكافية الشافية (4/ 1970)، والكتاب (4/ 118).
(2)
انظر: المساعد (4/ 286).
(3)
الكافية الشافية (4/ 1971).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو حرفين ثانيهما هاء.
ومن أسباب الإمالة: كونها متقدمة على كسرة تليها، نحو: مساجد، أو متأخرة عنها بحرف، نحو: كتاب، أو بحرفين، أولهما ساكن كـ:
شملال؛ فإن تحركا؛ فإن كان أحدهما هاء جازت الإمالة، ما لم تكن إحدى الحركتين ضمة فيمال، نحو: هو يضربها، فإن فصل ثلاثة؛ فلا إمالة، نحو:
فتلت قنّبا، ضرب من الكتان، وتمنع الإمالة إن تأخر عن الألف مستعل وهو أحد حروف: ضغط خص قظ، متصل نحو: باض، أو منفصل بحرف نحو:
ناهض، أو حرفين نحو: مناشيط. وغلب حروف الاستعلاء؛ فلا تمال الألف المذكورة (1) معه، فلم يمنع ذلك شذوذا، وهذا ما رآه سيبويه بشذوذ الإمالة مع حروف الاستعلاء، مثل مناشيط، ودوانيق، ويقول ابن مالك بعد ذلك: الياء والكسرة الموجودتين، لا المنويتين فالكسرة الموجودة مثل: مساجد، والياء الموجودة، نحو: عايط، والياء المنوية، نحو: قاض، والكسرة (2) المنوية، نحو: ماصّ، وأصله: ماصص، خلافا لمدّعي المنع مطلقا أي: خلافا لمدعي منع الإمالة مع الموجود، والمنوي من الكسرة والياء، ثم ذكر: وكذا إن تقدم عليها يريد المصنف: أي تقدم حرف الاستعلاء على الألف التي تمال، فكلامه يقتضي أن في التقدم، كالتأخر فشمل، نحو: غانم، وغنايم، وخزعال: ناقة عرجاء، ثم ذكر مفصلا ذلك بقوله: وكذا إن تقدم عليها المستعلي، لا مكسورا ولا ساكنا بعد مكسور، وربما منع قبلها مطلقا (3) فالمكسور، نحو: غلاف، والساكن نحو: مصباح؛ فلا يمنع حرف الاستعلاء فيما نحن فيه الإمالة، إلا إذا كان مكسورا أو ساكنا بعد مكسور.
قال سيبويه (4): وبعض من يميل قباب، ينصب هذه، يعني، نحو: مصباح، قال: وكلاهما عربي - يعني الإمالة وتركها - والإمالة أرجح، وإلى هذا أشار المصنف (5) بقوله: وربما منع قبلها مطلقا.
(1) شرح ابن الناظم (ص 580).
(2)
شفاء العليل (3/ 1125).
(3)
الكتاب (4/ 119).
(4)
انظر: الكتاب (4/ 123).
(5)
انظر: التسهيل (ص 325).