الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إبدال حرف اللين بتضعيف ما قبله، وتاء الضمير طاء ودالا]
قال ابن مالك: (وربّما أبدل من حرف اللّين تضعيف ما قبله، وقد تبدل تاء الضّمير طاء بعد الطّاء والصّاد، ودالا بعد الدّال والزّاي. وشذّ إبدال التّاء من واو كتراث، ومن ياء كأسنتوا، ومن سين كستّ، ومن صاد كلصت.
وربّما أبدلت من هاء كما أبدلت الهاء منها).
ــ
فأبدل الهمزة من هاد ياء للضرورة، وجميع ذلك لا يقاس عليه إلا في ضرورة، وأبدلت أيضا من الهمزة في: أعصر اسم رجل، فقالوا: يعصر (1). انتهى.
قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الكلام على ثلاث مسائل:
الأولى:
إبدال حرف نظير حرف قبله من حرف لين، وعن ذلك عبّر المصنف بقوله:
تضعيف ما قبله يعني أن حرف اللين يبدل منه حرف نظير الحرف الذي قبله، وهو [6/ 209] الذي كان قبل حرف اللين. وقد مثل لذلك (2) في قولهم في: أب وأخ وحم ودم بالتشديد. والأصل: أبو وأخو ودمي، وفي التمثيل بذلك نظر، فإن لقائل أن يدعي أن التشديد في هذه الكلمات لغة فيها، والتضعيف أصل بنفسه، ولا إبدال أصلا. وكلام المصنف في أول هذا الكتاب يشعر إشعارا صريحا بأن: أبّا وأخّا وحمّا ودمّا بالتضعيف لغة (3)، وعلى هذا فلا إبدال.
المسألة الثانية:
إبدال الطاء والدال من تاء الضمير، وقد ذكر أن تاء الضمير تبدل طاء بعد الطاء والصاد، ودالا بعد الدال والزاي، أما الأول: فنحو قولهم: في خبطت وفحصت:
خبطّ وفحصط. وأما الثاني: فنحو قولهم في جلدت وفزت: جلدّ وفزد. وتاء -
(1) الممتع (1/ 381 - 382).
(2)
أي: الشيخ، انظر التذييل (6/ 202 أ).
(3)
حيث قال في التسهيل (ص 9): «والتزام نقص (هن) أعرف من إلحاقه بهن، وقد تشدد نونه، وخاء أخ، وباء أب، وقد يقال: أخو
…
» وقال في شرح التسهيل (1/ 48): «ذكر الأزهري أن تشديد خاء أخ، وباء أب لغة، وأنه يقال: استأببت فلانا بباءين، أي: اتخذته أبا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الضمير تشمل تاء المتكلم وتاء المخاطب. قال الشيخ: ولا فائدة في تخصيص هذين الحرفين؛ إذ الحكم كذلك بعد الظاء والضاد عند من يبدل بعد الظاء والضاد، فيقولون: حفظط و: حفضط في حفظت؛ لأن سبب هذا الإبدال هو تقريب الحرف مما قبله، والأربعة حروف إطباق، فهي سواء لاستعلائها واستعمال التاء؛ فأبدلت التاء طاء؛ لأنها أختها في المخرج؛ إذ لو لم تبدل لثقل النطق بالكلمة للتنافر، ومن الإبدال بيت علقمة:
4361 -
وفي كلّ حيّ قد خبطّ بنعمة
…
فحقّ لشأس من نداك ذنوب (1)
ثم إن الشيخ ناقش المصنف في قوله: وقد تبدل تاء الضمير قال: لأنه يشعر بالقلة. قال: وكذا قال بعض أصحابنا (2)، وأبدل بغير اطراد من تاء الضمير بعد الطاء والصاد. قال: وليس ذلك بشيء؛ لأن الإبدال لغة قوم من بني تميم، فكيف يقال في ذلك: إنه إبدال بغير اطراد (3). انتهى. وما قاله لا يتوجه على المصنف؛ لأن كونه لغة قوم من بني تميم لا ينافي قلته؛ لأن لغة هؤلاء القوم قليلة بالنسبة إلى بقية اللغات.
المسألة الثالثة:
إبدال الياء شذوذا من خمسة أحرف، وهي: الواو والياء والسين والصاد والهاء.
أما إبدالها من الواو؛ ففي كلمات وهي: تراث، وتجاه، وتقية، والتقوى، وتقاة، وتخمة، وتهمة، وتكأة، وتيقور وتكلة والتّليد والتالد والتلاد وتترى وأتلجه وأتكأه. أوردها ابن عصفور في الممتع، ونصّ أن ذلك على غير القياس، أما: تراث فإنه من ورث، وتجاه من الوجه، وتقيّة فعيلة من وقيت، والتّقوى فعلى منه، وتقاة -
(1) من الطويل لعلقمة بن عبده، وهو من شواهد الكتاب (2/ 423)، وشرح شواهد الشافية (ص 494) والأمالي الشجرية (2/ 180 - 182)، وابن يعيش (5/ 48)، والممتع (1/ 361)، وخبط بنعمة أي: أنعمت وتفضلت، وأصل الخبط أن يضرب صاحب الماشية بعصاه الشجر فيسقط ورقها لترعاه الماشية ونداك: معروفك. وانظر التذييل (6/ 202 أ).
(2)
هو ابن عصفور في الممتع (1/ 361) قال: «وأبدلت بغير اطراد من تاء الضمير بعد الطاء والصاد فقالوا: فحصط وخبط، ويريدون: فحصت وخبطت، والأكثر التاء، والعلة في الإبدال كالعلة في افتعل من التباعد الذي ذكرنا بين التاء وبين الصاد والطاء فقربوا ليسهل النطق» وانظر المقرب (2/ 167).
(3)
التذييل (6/ 202 أ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فعلة منه، وتخمة من الوخامة، وتهمة من الوهم. وتكأة من توكأت. وتيقور فيعول من الوقار (1)، أصله: ويقور (2)، وتقول: ورجل تكلة من وكل يكل، والتليد والتالد والتلاد من الولادة، وتترى فعلى من المواترة. وأصلها: وترى.
وأتلجه أي: أولجه. وأتكأه من وكأت. وذكروا أيضا ثلاث كلمات أخر، وهي:
توراة وتولج وتودم. ذكروا أن فيها خلافا؛ أما: توراة فهي عندنا فوعلة من: وري الزند يري. والأصل: ووراة، فأبدلوا الواو الأولى تاء؛ لأنهم لو لم يفعلوا ذلك لأبدلوا منها همزة هروبا من اجتماع الواوين في أول الكلمة (3). وقال في تولج:
هو فوعل من الولوج، أصله: وولج وهو عند بعضهم تفعل والتاء زائدة. قال:
وحمله على فوعل أولى؛ لقلة: تفعل في الكلام، وكثرة فوعل، وأما تودم، فذكر عن الخليل أن وزنه فوعل (4)، والتاء بدل من الواو، فالأصل: وودم، وغيره جعله من تركيب: ت د م هكذا ذكروا، ولا يخفى أن توراة لا نتكلم فيها إلا إن ثبت أنها عربية. وذكر ابن عصفور أنها أبدلت من واو القسم (5). والظاهر أن التاء حرف من حروف القسم
أتي بها ابتداء فلا تكون بدلا من الواو. قال ابن عصفور:
ومما أبدلت التاء فيه عن الواو وهي لام الكلمة أخت وبنت، وهنت، وكلتى؛ لأن أصلها كلوى، والألف بعد التاء للتأنيث (6)، يعني على مذهب سيبويه في كلتا، ودعوى أن التاء في أخت وبنت وهنت بدل من لام الكلمة فيه نظر، والظاهر أن اللام حذفت اعتباطا، كما حذفت في مذكرات هذه الكلمات، ثم لما قصد بالكلمة مؤنث ألحقت التاء لتدل على ذلك، وعلى هذا لا تكون التاء بدلا من الواو، وكيف بدلا من شيء لا يجوز النطق به. وأما إبدال التاء من الياء ففي كلمات أربع وهي: أسنتوا التي ذكرها المصنف، واثنتان وكيت وذيت، ذكرها ابن عصفور (7)، وأما: أسنتوا ومعناه: أنهم في سنة جدبة، فإن أصله قبل الإسناد إلى -
(1) هذا ما ذهب إليه الخليل. انظر (2/ 357).
(2)
كذا في الممتع وسقطت من النسختين.
(3)
الممتع (1/ 383، 384) بتصرف.
(4)
قال في الكتاب (2/ 357): «وذلك قولهم: تولج، زعم الخليل أنها فوعل، فأبدلوا التاء مكان الواو، وجعل فوعلا أولى بها من تفعل؛ لأنك لا تكاد تجد في الكلام تفعلا اسما، وفوعل كثير» .
(5)
الممتع (1/ 384).
(6)
المرجع السابق (ص 385).
(7)
الممتع (1/ 388).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الواو: أسنت وأصله: أسنى؛ فأبدلت التاء من الياء (1) وليست الياء أصلا، بل الياء منقلبة عن الياء، والياء تنقلب ياء إذا كانت رابعة كأغريت وأعطيت، فالتاء في أسنت بدل من الياء والياء بدل من الواو، ويقال: رجل مسنت أيضا، كما يقال:
أسنت الرجل، قال الشاعر:
4362 -
عمرو الّذي هشم الثّريد لقومه
…
ورجال مكّة مسنتون عجاف (2)
وقد أجاز سيبويه في أسنت وجهين: أحدهما: هذا (3)، والثاني: أن تكون التاء بدلا من الواو (4) مقدرا الإبدال قبل قلبها ياء، وكأنه - رحمه الله تعالى - يقول:
لما صارت رابعة وتعين قلبها ياء قلبت حينئذ تاء؛ لأنهم لما عزموا على إبدالها تاء كانوا في غنى عن أن يبدلوها
أولا ياء، ثم يبدلوها ثانية ياء. وأما ثنتان فقال ابن عصفور: يدل على أن التاء بدل من الياء أنها من تثنيت؛ لأن الاثنين قد ثنى أحدهما صاحبه، وأصله: ثنى يدل على ذلك جمعهم إياه على: أثناء، بمنزلة أبناء؛ فنقلوه من فعل إلى فعل كما فعلوا في بنت (5). أعني: ذوات الواو. هذا كلامه، وفيه نظر؛ لأن التاء في ثنتين إنما جيء بها للتأنيث، والكلمة محذوفة اللام قبل مجيء التاء بدليل قولهم: اثنان. وهذا كلام ابن عصفور نظير ما تقدم له في تاء أخت وبنت وهنت - أنها بدل من لام الكلمة، والظاهر أن الأمر هناك وهنا بخلاف ذلك. وأما كيت وزيت فقال ابن عصفور: أصلها كيّة وذيّة ثم إنهم حذفوا الهاء وأبدلوا من الياء التي هي لام تاء (6). قال الشيخ: وقد نطقوا بالأصل فقالوا:
كيّة وذيّة (7). انتهى. وهذا يدل على أن التاء ليست بدلا إلا أن يقال: إنهم جمعوا المبدل والمبدل منه شذوذا. وأما إبدال من السين ففي كلمات، وهي:
ست - كما ذكر المصنف - والناس والأكياس وطسّ، وذكرها ابن عصفور (8)، أما ست فأصله: سدس بدليل قولهم في الجمع: أسداس وفي التصغير: سديس، -
(1) انظر: الكتاب (2/ 315).
(2)
هو من الكامل وقائله عبد الله بن الزبعرى وقد تقدم الحديث عن هذا الشاهد بالتفصيل.
(3)
انظر: الكتاب (2/ 402).
(4)
المرجع السابق (2/ 383).
(5)
الممتع (1/ 388).
(6)
المرجع السابق.
(7)
التذييل (6/ 203 أ).
(8)
الممتع (1/ 389).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقلبوا السين تاء، ثم أدغموا (1)، وسيأتي الكلام عليه في الإدغام إن شاء الله تعالى، إلا أن الإبدال في الكلمة المذكورة إبدال على جهة اللزوم، وفي بقية [6/ 210] الكلمات على جهة الشذوذ، وشاهد الإبدال في الناس والأكياس ما أنشد أحمد ابن يحيى:
4363 -
يا قاتل الله بني السّعلاة
…
عمرو بن يربوع شرار النّات
غير أعفّاء ولا أكيات (2)
وأما: طسّ فقالوا فيه: طست، والدليل على أن التاء بدل من السين أن: طسّا أكثر استعمالا من: طست (3) وإنما أبدلت التاء من السين لموافقتها إياها في الهمس وتجاور المخرج، وأما إبدالها (من الصاد) (4) ففي ما ذكره المصنف: هو لصت.
الأصل فيه: لصّ، وقالوا في الجمع: لصوت بالإبدال أيضا. والأصل: لصوص، وإنما جعل لص أصلا لكثرة استعماله وقلّة لصت (5)، ولم يمثلوا لإبدال التاء من الصاد بغير هذه الكلمة. وأما إبدال التاء من هاء، وإبدال الهاء منها فقال الشيخ في الأول: مثال ذلك ما تأوله بعضهم في قول الشاعر:
4364 -
العاطفون تحين ما من عاطف (6)
-
(1) انظر: الكتاب (2/ 208، 328، 401)(بولاق).
(2)
رجز لعلباء بن أرقم اليشكري بن عوف: شاعر جاهلي كان معاصرا للنعمان بن المنذر، والمنادى في قوله: يا قاتل الله محذوف، والتقدير: يا قوم، أو أن الياء للتنبيه، والجملة دعاء عليهم بالهلاك لعدم عفتهم وعدم كياستهم، وروي: يا قبّح الله، والسّعلاة بالكسر: هي أنثى الغول، وقيل: ساحرة الجن.
وانظره في: معجم الشعراء (ص 169)، وشرح شواهد الشافية (ص 469، 470)، والرضي (3/ 221)، وابن يعيش (10/ 36، 41)، والخصائص (2/ 53)، ونوادر أبي زيد (ص 104)، والتذييل (6/ 203 أ)، والممتع (1/ 389) واللسان «أنس» و «مرس» .
(3)
الممتع (1/ 389، 390).
(4)
سقطت من النسختين والمعنى يقتضيها فأثبتها.
(5)
الممتع (1/ 390) والمقرب (2/ 175).
(6)
من الكامل قائله أبو وجزة السعدي وهو صدر بيت عجزه:
والمطعمون زمان أين المطعم
وقد أنشده ابن منظور في اللسان «ح ي ن» عن ابن سيده وعن الجوهري ونسبه في المرتين لأبي وجزة، وقد لفق كل واحد من هؤلاء الأئمة البيت من بيتين وصواب الإنشاد هكذا:
العاطفون تحين ما من عاطف
…
والمسبغون يدا إذا ما أنعموا
-