الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما يدخله التصريف]
قال ابن مالك: (ومتعلّقه من الكلم: الأسماء المتمكّنة والأفعال المتصرّفة ولها الأصالة فيه).
ــ
والقلب، ثم قال الشيخ: هذا يعني قوله: وما لحروفها
…
إلى آخره كأنه شرح لقوله: علم يتعلق ببنية الكلمة؛ إذ العلم الذي يتعلق بالبنية هو النظر فيها من حرف أصلي أو زائد، وصحيح أو عليل (1). انتهى. ولقائل أن يقول: عطفه على ما قبله يأبى أن يكون كالشرح له، ولو أراد ذلك لقال: علم يتعلق ببنية الكلمة مما لحروفها من أصالة
…
إلى آخره، ولا شك أن حمل هذا الكلام على إفادة معنى زائد أولى من جعله تفسيرا لما تقدمه؛ وذلك بأن يقال: إنه لا يتوصل إلى معرفة الأصلي من الزائد في الأبنية، إلا بعد معرفة الحروف الزوائد ومعرفة أدلة الزيادة، ومعرفة
الأماكن التي هي محل لاطراد زيادتها فيها، وكذا لا يتوصل إلى معرفة التصحيح والإعلال، إلا بعد معرفة ما يوجبها، وكذا لا يتوصل إلى معرفة النقل، والحذف، والإدغام، والقلب إلا بعد معرفة ما يوجبها أو يجوزها أو يمنعها، وذلك متوقف على معرفة القواعد المؤدية إلى ذلك؛ فإذن معرفة الحروف الزوائد، ومعرفة أدلة زيادتها، ومعرفة الأماكن التي تطرد زيادتها فيها ومعرفة ما يوجب التصحيح، والإعلال، ومعرفة ما يوجب الحذف والنقل والإدغام والقلب أو يجوّزها أو يمنعها، كل ذلك من علم التصريف، بل هو معظمه وغالبه، فكأن المصنف قصد بقوله: وما لحروفها من أصالة
…
إلى آخره، الإشارة إلى ذلك جميعه، ومما يوضح ذلك أن قوله:
وما لحروفها معطوف على بنية الكلمة، فيكون التقدير: علم يتعلق ببنية الكلمة وبما لحروفها من أصالة وكذا وكذا، ولا يتوصل إلى ذلك إلا بمعرفة ما أشير إليه، وعلى هذا فيكون المصنف قد أوقع المسبب موقع السبب فتبين أن قوله: وما لحروفها
…
إلى آخره ليس كالشرح لما قبله؛ بل هو مفيد فائدة مقصودة، لا بد من التعرض لها.
قال ناظر الجيش: أفاد هذا الكلام أنه لا حظّ للحروف في التصريف، وكذا الأسماء غير المتمكنة، والأفعال الجامدة (2) نحو: ليس، وعسى، ونعم. وقد قال -
(1) التذييل (6/ 56 ب).
(2)
وما دخله التصريف من هذه الأنواع فهو شاذ لا يقاس عليه، بل يوقف على المسموع منه، وانظر -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابن عصفور: ولا يدخل التصريف في أربعة أشياء وهي: الأسماء الأعجمية التي عجمتها شخصية، كإسماعيل ونحوه؛ لأنها نقلت من لغة قوم ليس حكمها كحكم هذه اللغة، والأصوات، كغاق ونحوه؛ لأنها حكاية أصوات، وليس لها أصل معلوم، والحروف وما شبه بها من الأسماء المتوغلة في البناء نحو: من وما؛ لأنها لافتقارها بمنزلة جزء من الكلمة التي تدخل عليها فكما أن جزء الكلمة الذي هو حرف الهجاء لا يدخله تصريف فكذلك ما هو بمنزلته (1). انتهى. أما الأصوات والحروف وما شبّه بها من الأسماء، فقد [6/ 104] تعرّض لها المصنف؛ لأنه أخرج الحروف بقوله: الأسماء وأخرج الأخيرين بقوله: المتمكنة، وأما الأسماء الأعجمية فقد اعترض بها الشيخ عليه، قال: لأنها متمكنة غير مبنية (2)، ويدفع هذا الاعتراض أن الكلام في التصريف إنما هو بالنسبة إلى اللغة العربية لا بالنسبة إلى غيرها من اللغات فلا حاجة إلى إخراج الأعجمية؛ لأنها غير مرادة، قال ابن عصفور: ومما يدل على أن الحرف لا يدخله تصريف وجود: ما ولا ونحوهما من الحروف يعني بالألف؛ لأنها لا يصح أن تكون منقلبة كألف: عصا
ورحى؛ إذ لو كانتا ياء أو واوا لظهر تا لسكونهما كما ظهرتا في نحو: كي وأي ولو، ولا يجوز أن يقال: إن حرف العلة تحرك فقلب ألفا لانفتاح ما قبله؛ لأن الحروف مبنية وهي لا تبنى إلا على السكون، ولا تبنى على حركة إلا إذا كانت حرفا واحدا، كواو العطف، وأيضا لا يمكن الحكم على ألف ما وأمثالها بالزيادة؛ لأن ذلك إنما يعرف بالاشتقاق أو بدليل من الأدلة التي ستذكر، ولا يوجد شيء من ذلك في الحروف (3).
انتهى. وقد علم مما ذكر أن تصغير المبهمات على غير قياس، وأهمله المصنف هنا؛ لقلته ولأنه نبه عليه في باب التصغير (4)، قال ابن عصفور: وقد جاء بعض المبنية مشتقّا نحو: قط؛ لأنها من قططت، أي: قطعت؛ لأن قولك: ما فعلته قطّ، معناه: فيما انقطع من عمري (5)، ورد ابن هشام الخضراوي أن الحروف وما أشبهها -
- تفصيل ذلك في: المقرب (2/ 145)، والأشموني (4/ 237).
(1)
الممتع (1/ 35).
(2)
التذييل (6/ 56 ب).
(3)
الممتع (1/ 36) بتصرف.
(4)
التسهيل (ص 288).
(5)
الممتع (1/ 35).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من الأسماء لا يدخلها تصريف - بأن سيبويه ذكر أنك إذا سميت بعلى قلت في التثنية: علوان؛ لأنه من علوت (1)، وجاء الحذف في سوف وإن، والقلب، والإبدال في على ولعن، وأجيب عن ذلك بأن سيبويه إنما حكم بذلك بعد انتقال:
على إلى الاسمية (2) وجعلها اسما متمكنا، وحكم على الألف بأنها عن واو لما فيها من معنى العلو، وبأن الحذف والإبدال شاذ، ويمكن أن يدّعى أن لا حذف ولا إبدال في الحروف، وأن هذه الكلمات الواردة ليس فيها حذف ولا إبدال، وإنما هي لغات في ذلك الحرف، وأما قوله: ولها الأصالة فيه فقد علل ذلك الشيخ بأن قال:
إنما كان لها الأصالة فيه؛ لظهور ذلك فيها، ألا ترى أن ضرب وضارب وضرب وتضارب واضطرب، كيف تبين بغير فكر؟ ورجوع هذه الألفاظ إلى معنى الضرب وكذلك الصفات الجارية عليها، واسما الزمان والمكان والمصادر والآلات؛ لظهور التصرف فيها (3). انتهى. ولم أتحقق هذا التعليل الذي ذكره، وقد يقال: إنه إنما كانت الأصالة للأفعال في التصريف؛ لأنه عبارة عن تغيير الكلم وتقليبها وتحويلها من حالة إلى حالة، وهذا لا يتأتى في
الأسماء الجامدة؛ إنما يأتي في الأفعال وفي الأسماء الجارية عليها، ولأمر آخر؛ وهو أنهم بالاستقراء وجدوا الاسم يصح بصحة الفعل كاستحواذ؛ لقولهم: استحوذ، ويعل بإعلاله كاستقامة؛ لقولهم: استقام فدلهم تبعية الاسم للفعل في الإعلال على فرعية الاسم وأصلية الفعل فيه؛ ولكن على هذا إنما يتجه أن يحكم بأصالة الأفعال في التصريف بالنسبة إلى أحد قسميه، وهو الأمر الراجع إلى الغرض اللفظي، وأما ما يرجع إلى الغرض المعنوي، كالتغيير بسبب التثنية، والجمع، والتصغير، والنسب ونحو ذلك، فلا شك أنه من خصائص الأسماء.
(1) الكتاب (3/ 387)، وانظر: التذييل (6/ 57 أ)، وقال ابن عقيل في المساعد (4/ 7):
«وكون التصريف لا يدخل الحرف وشبه من الأسماء المتوغلة في البناء، نص عليه ابن جني وغيره، ومنازعة الخضراوي ابن عصفور في ذلك ليس لها حجة» ، وانظر: ابن جماعة (1/ 14، 15).
(2)
قال في الكتاب (3/ 387): «ولو جعلت «على» اسما ثم ثنيت لقلت: علوان؛ لأنها من علوت».
(3)
التذييل (6/ 57 أ).