الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تخفيف الهمزة المتحركة]
قال ابن مالك: (فصل: إذا كان في الكلمة همزة غير متّصلة بأخرى من كلمتها، جاز أن تخفّف متحرّكة، متحرّكا ما قبلها بإبدالها مفتوحة بواو بعد ضمّة، وبياء بعد كسرة، وأن تخفّف مفتوحة بعد فتحة ومكسورة أو مضمومة بعد فتحة، أو كسرة أو ضمّة بجعلها كمجانس حركتها خلافا للأخفش في إبدال المضمومة بعد كسرة ياء والمكسورة بعد ضمّة واوا).
ــ
محققة، وهكذا قياس ما لم يذكر (1). انتهى. والمثال المطابق للفظ الكتاب هو أن تقول في أترجة إذا بنيته من الهمزة: أوأوأة والأصل: (أأ أأ أة)(2) فاجتمعت خمس همزات، فقلبت الثانية واوا؛ لسكونها وانضمام ما قبلها فحجزت بين الأولى والثالثة، وقلبت [6/ 151] الرابعة واوا؛ لسكونها وانضمام ما قبلها فحجزت بين الثالثة والخامسة، قال: خففت الهمزة الثالثة قلت: أووءة ألقيت حركتها على الساكن قبلها وحذفتها (3)، يعني ابن عصفور بهذا التخفيف:
التخفيف الجائز، ثم قال ابن عصفور: فإن قيل: فهلا أبدلت الهمزتين واوين، وأدغمت الواوين اللتين قبلهما فيهما كما تقول في مقروءة: مقروّة فكنت تقول منها: أوّوّة؟ فالجواب: أن الواو في مقروءة إنما زيدت للمدّ، وليست منقلبة عن حرف أصلي ولا غير أصلي. فلا يمكن تحريكها؛ لئلا يخرج من المدّ الذي جيء بها من أجله، والواوان في: أوءوءة لم تزادا للمدّ بل هما بدل من حرفين أصليين، وهما الهمزتان، فاحتملتا الحركة لذلك (4). انتهى. ولم يكن هذا من الأمور الغامضة فيحتاج أن ينبّه عليه، بل هو من الواضحات إن شاء الله تعالى.
قال ناظر الجيش: لما انقضى الكلام على الهمزتين المجتمعتين في كلمة بالنسبة إلى التخفيف، شرع في الكلام على الهمزة المفردة والملاقية لأخرى، لكن في كلمتين، وقد تقدمت الإشارة إلى أن المذكور في هذا الفصل من تخفيف الهمزة إنما هو -
(1) انظر: التذييل (6/ 150 أ).
(2)
في المنصف (3/ 106)«أأأة بوزن: عععة» ، وفي الممتع (2/ 770) «أؤأؤآة).
(3)
الممتع (2/ 770)، وانظر: المنصف (1/ 106، 109)، والمساعد (4/ 112).
(4)
الممتع (1/ 770، 771).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مذكور على سبيل الاستطراد والتبعية لغيره، وقد فهم من كلام المصنف إذا كان في الكلمة همزة غير متصلة بأخرى من كلمتها جاز أن يخفف. إنّ الكلام الآن إنما هو في التخفيف الجائز، وأنه إنما يكون جائزا إذا كانت الهمزة مفردة أو مجتمعة مع أخرى لكن كل منهما من كلمة، واعلم أنّ التخفيف المذكور في الفصل المتقدم - أعني التخفيف الواجب - منحصر في الإبدال أعني إبدال الهمزة حرفا من حروف العلّة - أعني الياء، والواو، والألف - وأما التخفيف المذكور في هذا الفصل وهو التخفيف الجائز فإنه يكون بأحد ثلاثة أشياء وهي: الإبدال، والحذف، وجعل الهمزة بين بين أي تلينّ بأن تجعل بينها وبين حرف حركتها. إذا تقرر هذا؛ فاعلم أن الهمزة المشار إليها في هذا الفصل إما متحركة متحرك ما قبلها، وإما ساكنة بعد حركة، وإما متحركة بعد ساكن، فهذه ثلاثة أقسام ولكلّ حكم، وعلم من هذا التقسيم أن الهمزة المفردة التي يقصد تخفيفها شرطها أن لا تكون مبتدأ بها.
أما القسم الأوّل: وهو ما الهمزة فيه متحركة متحرك ما قبلها فللهمزة فيه تسع صور؛ لأن الهمزة لا بد أن تكون متحركة بإحدى الحركات الثلاث وما قبلها كذلك والمرتفع من ضرب ثلاث في ثلاث تسع، فالهمزة إما مفتوحة
وقبلها الثلاث نحو:
سأل، ومائة، ومؤجّل، وإما مكسورة وقبلها الثلاث نحو: سئم، ومستهزئين، وسئل، وإما مضمومة وقبلها الثلاث نحو: رؤوف، ومستهزئون، ورؤوس، ففي صورتين من هذه التسع يكون الإبدال، وفي سبع الصور الباقية يكون التسهيل؛ وذلك بأن تجعل الهمزة بين بين كما سيأتي أما الصورتان اللتان فيهما الإبدال فهما أن تكون الهمزة مفتوحة بعد ضمة نحو: مؤجّل، وجؤن جمع جونة (1)، أو مفتوحة بعد كسرة نحو: مائة، ومئر جمع مئرة (2)، وكذا: أريد أن أقرئك، فالواقعة بعد ضمّة تبدل واوا. والواقعة بعد كسرة تبدل ياء، وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله: جاز أن تخفف متحركة متحركا ما قبلها بإبدالها مفتوحة بواو بعد ضمة، وبياء بعد كسرة. وأما الصور السبع التي فيها التسهيل: فهي أن تكون الهمزة مفتوحة بعد فتحة، أو مكسورة بعد الثلاث - أعني: الفتحة، والكسرة، -
(1) الجونة: جونة العطار وربما همز، والجمع: جون. اللسان «جون» .
(2)
المئرة بالهمزة: الذّحل والعداوة وجمعها: مئر. اللسان «مأر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والضمة - أو مضمومة بعد الثلاث نحو: سأل، وسئم، ومستهزئين، وسئل ورؤوف، ومستهزئون ورؤوس. وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله: وإن تخفف مفتوحة بعد فتحة ومكسورة أو مضمومة بعد فتحة أو كسرة أو ضمة بجعلها كمجانس حركتها ومراده: أن يجعل الهمزة بينها وبين الحرف الذي منه حركتها. وهذا هو المراد بقوله: يجعل بين بين. وكان قياس تسهيل الهمزة المذكورة - أعني المفردة المتحركة المتحرك ما قبلها - أن تكون بين بين في الأحوال كلها، فإنهم اعتذروا عن عدم جعلها بين بين في نحو: مؤجل، ومائة بأن قالوا: لو جعلت بين بين في نحو هذين لكانت تجعل بين الهمزة والألف، ولا يجوز ذلك؛ لأنها إذ ذاك تقرب من الألف، فكما أن الألف لا يكون ما قبلها مضموما، ولا مكسورا فكذلك ما يقرب منها، فلما تعذر تسهيلها على هذا الوجه أبدل منها واوا إذا انضم ما قبلها، وياء إذا انكسر كما يفعل بالألف إذا انضم ما قبلها أو انكسر، ثم أشار المصنف بقوله:
خلافا للأخفش إلى أن الأخفش خالف في صورتين من السبع وهما ما اشتملا على ضم وكسر معا، فخفّف بالإبدال، فأبدل المضمومة بعد كسرة ياء، والمكسورة بعد ضمة واوا (1)، وذلك نحو: يستهزئون، وسئل، فالأخفش إذا خفف يقول:
يستهزيون وسول، وحاصل فعله: أنّه أجرى المضمومة بعد الكسرة، والمكسورة بعد الضمة مجرى المفتوحة بعد الضمة والكسرة. فكما أبدلت المفتوحة بعد الضمة واوا وبعد الكسرة ياء (هكذا أبدل هو المضمومة من بعد الكسرة ياء)(2) والمكسورة بعد الضمة واوا وحجّته في ذلك أنك إذا سهّلت المضمومة قربتها من الواو الساكنة، فكما أن الواو الساكنة لا تقع بعد كسرة، كذلك ما يقرب منها، وإذا سهّلت المكسورة كان ذلك تقريبا لها من الياء الساكنة، فكما أن الياء الساكنة لا تقع بعد ضمة كذلك ما يقرب منها، وإنما تكون الواو الساكنة بعد الكسرة ياء نحو: ميزان، والياء الساكنة بعد الضمة واوا نحو: موقن، وقد رد مذهب الأخفش بأنه لم يسمع الإبدال في مثل يستهزئون وسئل (3)، قالوا: والقياس جعلها بين بين كسائر أخواتها -
(1) انظر: التذييل (6/ 150 ب)، والمساعد (4/ 114)، والأشموني (4/ 300)، وتوضيح المقاصد (6/ 27 - 28)، وابن يعيش (9/ 112)، وشرح الشافية (3/ 46).
(2)
ما بين القوسين سقط من (جـ).
(3)
انظر: التذييل (6/ 150 ب)، والمساعد (4/ 114) وكتب في هامش النسخة (ب): -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو مذهب سيبويه (1)، ولولا ما ورد به السماع في جون (2)، ومير من الإبدال لما أبدلت، بل كانت في ذلك تحمل على نظائرها مما هو متحرّك ما قبله في جعلها بين بين. وقد علم من هذا أن الأخفش يوافق الجمهور في تسهيل الهمزة بينها وبين حرف حركتها في الصور الخمس الباقية، وهي: المفتوحة بعد كسرة، والمكسورة بعد فتحة أو كسرة، والمضمومة بعد فتحة أو ضمة نحو: سأل، وسئم، ومستهزئين، ورؤوف، ورؤوس. واعلم أن في الهمزة المضمومة بعد [6/ 152] كسرة، والمكسورة بعد ضمة (مذهبا)(3) آخر لم يذكره المصنف، وهو أن يجعل الهمزة بينها وبين حرف حركة، فيكون تخفيف: مستهزئون بين الهمزة والياء، وتخفيف: سئل بين الهمزة والواو، وكأن هذا المذهب فرع عن مذهب الأخفش.
على أن ابن الحاجب إنما ذكره، ولم يذكر (4) مذهب الأخفش، وهو الإبدال واوا أو ياء، عكس ما فعله المصنف. وقد نقل الشيخ هذا المذهب ونسبه إلى أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح (5)، ثم قال: وقد أولع به جماعة من القراء. وآثروه على مذهب سيبويه، يعني وهو التسهيل بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها، وعلى مذهب الأخفش وهو الإبدال واوا أو ياء، ثم إنه استضعف ذلك بما توقف عليه من كلامه (6)، ولما ذكر ابن الحاجب
الصور التسع في الهمزة المتحركة المتحرك ما قبلها وذكر أمثلتها؛ قال: فنحو: مؤجّل واو، ونحو: مائة ياء، ونحو: مستهزئون، وسئل بين بين المشهور، وقيل: البعيد، والباقي بين بين المشهور (7)، وأراد بالمشهور: أنه يكون بينها وبين حرف حركتها، وبالبعيد أن -
- «أتعجب من قوله: لم يسمع مع أنه جاء منه عن همزة وقف في نحو: مستهزئون وسئل فلا تغفل» .
ينظر في ذلك: الإتحاف (ص 129 - 130).
(1)
انظر: الكتاب (3/ 544 - 555)، والتذييل (6/ 151 أ)، وابن يعيش (9/ 112)، وشرح الشافية (3/ 47).
(2)
الجونة: من أسماء الأضداد، يطلق على الأبيض والأسود. اللسان «جون» .
(3)
كذا في (ب)، وفي (جـ)«مذهب» .
(4)
شرح الشافية للرضي (3/ 44).
(5)
هو شريح بن محمد بن شريح بن أحمد بن شريح الرعيني الإشبيلي أبو الحسن القاضي المقرئ، أخذ القراءات عن أبيه، صنف بديع القرآن. راجع: بغية الوعاة (2/ 2)، وطبقات القراء لابن الجزري (2/ 153).
(6)
التذييل (6/ 150 ب).
(7)
شرح الشافية (3/ 44).