الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الإبدال من ثالث الأمثال]
قال ابن مالك: (فصل: أبدلت الياء سماعا من ثالث الأمثال كتظنّيت، وثانيها كائتميت وأوّلها كأيما، ومن هاء كدهديت ومن نون كأناسي، ومن عين ضفادع، وباء أرانب، وسين سادس وثاء ثالث).
ــ
يكون: أنوقا فحذفت الواو وعوضت منها الياء؛ فعلى هذا وزنه: أيفل (1).
الثاني: أنه فيه قلب وبدل، فأصله: أنوق، ثم قدمت العين على الفاء، فقالوا:
أونق، ثم أبدلوا من الواو ياء فقالوا: أينق، ووزنه على هذا: أعفل (2).
الثالث: أنه فيه قلب ثم إبدال ثم قلب، فأصله: أنوق ثم قلب بأن قدمت اللام على العين فقالوا: أينق، ثم عمل به ما عمل بأدلو من إبدال الواو ياء والضمة كسرة، فصار: الأنقي، ثم قدمت الياء التي كانت عينا وتأخرت عن اللام على فاء الكلمة، فقالوا: أينق.
قال ناظر الجيش: اعلم أنه قد تقدم في أول فصول البدل أن حروف البدل في غير إدغام اثنان وعشرون حرفا يجمعها قولك: لجدّ صرف شكس آمن طيّ ثوب عزّته، وأن الضروري منه في التصريف ثمانية أحرف يجمعها هجاء، طويت دائما، وتقدم أن الهمزة إنما تبدل من أحرف العلة الثلاثة خاصة ولم تبدل من غيرها، وأن أحرف -
(1) هذا أحد قولي سيبويه فقد قال: «وأما الذين قالوا: أهرقت فإنما جعلوها عوضا من حذفهم العين وإسكانهم إياها كما جعلوا ياء أينق وألف يمان عوضا» . الكتاب (2/ 334)، وقال ابن جني في الخصائص (2/ 289):«وأما ما حذفت عينه وزيد هناك حرف عوضا منها؛ فأينق في أحد قولي سيبويه، وذلك أن أصلها أنوق، فأحد قوليه فيها: أن الواو التي هي عين حذفت وعوضت فيها ياء فصارت أينق، ومثالها في هذا القول على اللفظ: أيفل. والآخر: أن العين قدمت على الفاء فأبدلت ياء، ومثالها على هذا: أعفل» .
(2)
وبهذا قال سيبويه - أيضا - قال: ومثل ذلك: أينق إنما هو أنوق في الأصل، فأبدلوا الياء مكان الواو وقلبوا». الكتاب (2/ 130)، وقال ابن جني في الخصائص (2/ 75): «وذهب سيبويه في قولهم: أينق مذهبين: أحدهما: أن تكون عين أنوق قلبت إلى ما قبل الفاء فصارت في التقدير: أونق ثم أبدلت الواو ياء؛ لأنها كما أعلت بالقلب كذلك أعلت - أيضا - بالإبدال على ما مضى، والآخر: أن تكون العين حذفت ثم عوضت الياء منها قبل الفاء فمثالها على هذا القول: أيفل، وعلى القول الأول:
أعفل»، وانظر: الخصائص (1/ 265)، وجاء في المقتضب (1/ 28):«ومن المقلوب قولهم: أينق في جمع ناقة، وكان أصل هذه: أنوق، والعلة فيه كالعلة فيما وصفنا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العلة كل منها يبدل من الهمزة ويبدل كل منها من الآخر، ولزم من هذا أن التكافؤ واقع بينها في الإبدال وأنه واقع بينها وبين الهمزة، وأن التاء إنما تبدل من الياء والواو وإذا وقعتا فائين في الافتعال وفروعه، وأن الطاء إنما تبدل من تاء الافتعال وفروعه إذا وقعت التاء بعد أحرف الإطباق، وأن التاء إنما تبدل من تاء الافتعال وفروعه إذا وقعت التاء بعد الدال أو الزاي أو الذال. وأن الميم إنما تبدل من: النون الساكنة الواقعة قبل ياء، وقد انقضى الكلام على هذا كله، ولم يبق منه سوى إبدال الميم من النون الساكنة الواقعة قبل ياء وقد ذكره الآن، أعني في هذا الفصل وقد كان ذكره مع ما تقدم أولى وأنسب؛ ليكون الكلام قد كمل في الإبدال الضروري في التصريف، يعني الإبدال اللازم، ثم لما انقضى الكلام على الإبدال الضروري وهو اللازم - شرع الآن في الإبدال الذي ليس بلازم، والكلام في ذلك انتظم ثلاثة أمور وهي: إبدال بعض أحرف العلة من حرف صحيح، وإبدال بعض الحروف الثمانية التي تقدمت من مثنى لم يتقدم له ذكر إبداله منه بإبدال ما بقي من الاثنين وعشرين حرفا من [6/ 207] غيرهما، والباقي منها أربعة عشر حرفا وهي: اللام، والجيم، والصاد، والضاد، والراء، والفاء، والشين، والكاف، والسين، والنون، والياء، والعين، والزاي، والتاء، والهاء، وقد تقدم لنا أيضا أن المصنفين يفرّقون في الذكر بين الإعلال والإبدال ويعقدون لكل منهما بابا، ولكنهم في باب الإبدال يتعرضون لذكر الإبدال الذي هو إعلال أيضا، فيتكرر في كلامهم ذكر الإبدال الذي هو إعلال. والمصنف استغنى عن ذكر الإعلال بالإبدال. وحاصل الأمر: أنه نظم الكلام كله في الإبدال، وجعل الكلام في الإبدال اللازم قسما برأسه، والكلام في الإبدال الجائز قسما برأسه. إذا تقرر هذا؛
فاعلم أن المصنف استفتح الفصل بذكر إبدال بعض أحرف العلة من حرف صحيح. فذكر أن الياء تبدل من أحرف وهي الهاء، والنون، والعين، والتاء، والسين، والباء. ومن أحد الأمثال وهو آخرها أو المثلين إما الثاني وإما الأول، لكن أحد المثلين أو الأمثال لا ينحصر في حرف، وإذا لم ينحصر في حرف فقد يكون نونا أو ميما أو ياء أو راء أو لاما أو صادا أو ضادا أو دالا، لكن المصنف تعرض إلى ذكر النون والميم والياء فبقي من هذه الثمانية خمسة وهي: الراء واللام والصاد والضاد والدال، وقد نصّ على: الهاء -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والنون والعين والباء والسين والتاء، وتضمّن تمثيله لأحد المثلين بأيما وأتميت الميم فصارت سبعة تضم إلى الخمسة فيكون مجموع الحروف التي تبدل منها الياء اثني عشر حرفا وهي: النون، والميم، والهاء، والعين، والباء، والسين، والتاء، والراء، واللام، والصاد، والضاد، والدال، وقد بقي مما ذكره غير ثلاثة أحرف تبدل الياء منها أيضا وهي: الكاف، والجيم، والتاء؛ فيكون الذي تبدل الياء منه على هذا خمسة عشر حرفا، فأما إبدالها من النون ففي مواضع، وهي: تظنيت وتسنى وأناسي وظرابي ودينار وإيسان. أما تظنيت (1): فالأصل فيها: تظننت، وهو تفعلت من الظن والموجب لذلك الفرار من اجتماع الأمثال، وأما: تسنّى، فالأصل فيه: تسنن، أي تغير ومن ذلك قوله تعالى: لَمْ يَتَسَنَّهْ (2) بحذف الألف المبدلة من الياء للجزم، والأصل يتسنن، فحصل الإبدال والموجب له الفرار من اجتماع الأمثال أيضا، وقد استدل على أن الأصل تسنن، لا تسنى بقوله تعالى:
مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (3) أي متغير؛ فمسنون دلّ على أن الكلام فيه من قبيل المضعف، لا من قبيل المعتل، وأما أناسي: جمع إنسان، وظرابي: جمع ظربان؛ فالأصل: أناسين وظرابين؛ فأبدلت الياء من النون فيهما. قال ابن عصفور: فعاملوا النون معاملة همزة التأنيث لشبهها بها، فكما يبدلونها من همزة التأنيث ياء فيقولون في صحراء: صحاري كذلك فعلوا بنون إنسان وظربان في الجمع (4). وأما دينار:
فالأصل فيه دنّار؛ فأبدلت الياء من النون الأولى لثقل التضعيف، ويدل على أن الأصل دنّار قولهم في التصغير: دنينير، وفي الجمع: دنانير (5). وأما إيسان فإن الياء فيه بدل من النون الأولى من إنسان. قال الشاعر: -
(1) قال سيبويه: «هذا باب ما شذ فأبدل مكان اللام الياء لكراهية التضعيف، وليس بمطرد، وذلك قولك: تسريت، وتظنيت، وتقصيت من القصة وأمليت» ، وانظر الممتع (1/ 372).
(2)
سورة البقرة: 259، وقال أبو حيان في التذييل (6/ 199 ب): وأما قوله تعالى: لَمْ يَتَسَنَّهْ فقال أبو عمرو بن العلال: معناه لم يتغير من قوله تعالى: حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر: 26] فسأله أبو عبيدة فقال: وكيف ويتسن من ذوات الياء؟ فقال: هو مثل تظنيت يريد أن الياء بدل من
النون؛ لأنه عنده تفعل من الظن ومن السن وهذه قراءة عامة أهل الكوفة. انظر البحر المحيط (2/ 285، 292).
(3)
سورة الحجر: 26.
(4)
الممتع (1/ 372).
(5)
المرجع السابق (1/ 371).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
4348 -
فياليتني بعد ما طاف أهلها
…
هلكت ولم أسمع بها صوت إيسان (1)
وقالوا في الجمع: إياسي بالياء أيضا. بقي هاهنا التنبيه على شيء: وهو أن من البدل المذكور ما هو على جهة اللزوم، وهو البدل في تسنى وأناسي وظرابي ودينار صرح باللزوم فيه أبو الحسن ابن عصفور في الممتع (2)، فإن قلت: الكلام الآن إنما هو في البدل الجائز لا في البدل اللازم؛ لأنه قد تقدمت الإشارة إلى أن المصنف لما أنهى الكلام في البدل اللازم شرع في البدل غير اللازم. قلت: المراد بالبدل اللازم البدل الضروري الذي لا بد منه، وهو المطرد المقيس. وغير اللازم ما ليس بضروري، ولا شك أن البدل المذكور هنا غير مطرد وقد نصّ ابن جني على (3) أنه لا يقاس عليه لقلته. وإذا كان كذلك فلا يضر أن يكون بعض البدل الذي ليس بمقيس لازما بمعنى أنه شذ لخروجه عن القياس، ولزم مع شذوذه. فاللزوم الذي حصل في البدل الجائز غير اللزوم الذي حصل في البدل الواجب. وقد انتقد الشيخ على ابن عصفور دعوى لزوم البدل في: أناسي قال: لأن العرب قالوا فيه:
أناسين (4) على الأصل وهو القياس، كما قالوا في سرحان: سراحين. قال الشاعر:
4349 -
أهلا بأهل وبيتا مثل بيتكم
…
وبالأناسين أبدال الأناسين (5)
وأما: إيسان بإبدال الياء من النون الأولى، ففي غاية الشذوذ، وأنشدوا:
فياليتني من بعد ما طاف أهلها
…
هلكت ولم أسمع بها صوت إيسان (6)
حتى إنهم قالوا في الجمع: إياسي أيضا. وأما إبدالها من الميم ففي مواضع أيضا وهي: ائتميت ويأتمي وتكمّوا وأيما وديماس (7). وأما ائتميت فأصله ائتممت؛ لأنه -
(1) من الطويل لعامر بن جؤين، وانظره في اللسان أنس، والشاهد في البيت: قوله: إيسان، حيث أبدل الياء من النون على غير اللزوم، وانظره في المقرب (2/ 170)، والممتع (1/ 372)، والمحتسب (2/ 203)، وسر الصناعة (2/ 284) وضرائر الشعر (ص 228).
(2)
الممتع (1/ 371).
(3)
سر الصناعة (2/ 284).
(4)
انظر: الرضي (3/ 211).
(5)
التذييل (6/ 200 ب) والبيت من البسيط لعلقمة، والشاهد فيه: جمع إنسان على أناسين.
وانظره في العيني (4/ 533)، وحاشيته شرح الشافية (1/ 275).
(6)
تقدم قريبا.
(7)
انظر: المقرب (2/ 170).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من الإتمام، وأما يأتمي فأصله يأتم، قال الشاعر:
4350 -
تزور امرءا أمّا الإله فيتقي
…
وأمّا بفعل الصّالحين فيأتمي (1)
أي: يأتم، وأما تكمّوا، فإنه تفعلوا من كممت الشيء إذا سترته فأصله تكمموا فأبدلوا من الميم الآخرة ياء فقالوا: تكميوا، استثقلت الضمة في الياء فحذفت فبقيت الياء ساكنة فحذفت لالتقائها مع واو الضمير الساكنة فصار تكموا، وأما أيما فالأصل فيه: أما، قال ابن أبي ربيعة:
4351 -
رأت رجلا أيما إذا الشّمس عارضت
…
فيضحى، وأيما بالعشيّ فيخصر (2)
وأما ديماس؛ فالأصل فيه: دماس؛ بدليل قولهم في الجمع: دماميس، والمقتضي للإبدال في هذه الكلمات الخمس الفرار من التضعيف، وأما إبدالها من الهاء ففي دهديت، وصهصيت، أما دهديت؛ فأصله: دهدهت، يقال: دهدهت الحجر أي: دحرجته، قالوا: والدليل على أن الأصل دهدهت قولهم: دهدوهة.
وأما صهصيت؛ فأصله: صهصهت بالرجل (3) إذا قلت له: صه صه، وأما إبدالها من العين ففي ضفادي وتلعيت، أما ضفادي فلقول الشاعر - أنشده سيبويه -:
4352 -
ومنهل ليس له حوازق
…
ولضفادي جمّه نقانق (4)
أي: ولضفادع، فكره الشاعر أن يسكن العين في موضع الحركة؛ فأبدل منها ما يكون ساكنا في حال الجر وهو الياء، وأما تلعيت: فهو من اللعاعة، والأصل فيه: تلععت (5) فأبدلت العين الآخرة ياء فرارا من اجتماع الأمثال، وأما إبدالها من الباء ففي: الثعالي والأراني جمع: ثعلب وأرنب وفي ديباج (6)، وأما الثعالي -
(1) من الطويل لكثير عزة، والشاهد: في قوله: يأتمي وأصله يأتم، فأبدلت الياء من الميم، وانظره في المقرب (2/ 171)، والممتع (1 /
374)، وضرائر الشعر (ص 228)، وابن يعيش (10/ 24)، والتذييل (6/ 200 أ)، واللسان «أمم» وديوانه (ص 300).
(2)
من الطويل لعمر بن أبي ربيعة، وانظره في الممتع (1/ 375)، وديوانه (ص 64)، وسمط اللآلئ (2/ 373)، والتذييل (6/ 202 أ).
(3)
انظر المقرب (2/ 172).
(4)
رجز منسوب لخلف الأحمر أو لأمية بن أبي الصلت، وانظره في الكتاب (1/ 344)، والضرائر (ص 226)، والهمع (2/ 157)، وابن يعيش (10/ 24، 28)، والمقرب (2/ 171)، والممتع (1/ 376)، وشرح شواهد الشافية (ص 441) واللسان «حزق» .
(5)
المقرب (2/ 171).
(6)
الممتع (1/ 369).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأراني فقد أنشد سيبويه رحمه الله:
4353 -
لها أشارير من لحم تتمّره
…
من الثّعالي ووخز من أرانيها (1)
أراد الثعالب وأرانب، فلم يمكنه أن يسكن الباء فأبدل منها الياء. وأما ديباج فأصله: دبّاج بدليل قولهم: في الجمع [6/ 208] دبابيج، فإنهم ردوا الباء لما فرقت ألف الجمع بين المثلين (2)، وأما إبدالها من السين ففي: سادي وخامي. الأصل سادس وخامس. قال الشاعر:
4354 -
إذا ما عدّ أربعة فسال
…
فزوجك خامس وحموك سادي (3)
وقال آخر:
4355 -
مضت ثلاث سنين منذ حلّ بها
…
وعام جلّت وهذا التّابع الخامي (4)
أي: الخامس.
وقالوا: في قوله تعالى: دَسَّاها (5) الأصل: دسسها (6)، فأبدل من السين الثالثة ياء فرارا من اجتماع الأمثال، ثم انقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأما إبدالها من الثاء ففي الثالي أي الثالث. قال الشاعر:
4356 -
يفديك يا زرع أبي وخالي
…
قد مرّ يومان، وهذا الثالي
وأنت بالهجران لا تبالي (7)
-
(1) من البسيط لأبي كاهل اليشكري، وانظره في: الكتاب (1/ 344)، والعيني (4/ 582)، والهمع (2/ 183)، والدرر (1/ 157)، والمحكم (7/ 438)، والمساعد (4/ 219)، والمقرب (2/ 169) والضرائر (ص 226)، والمقتضب (1/ 247).
(2)
الممتع (1/ 369، 370).
(3)
الوافر للنابغة الجعدي، وانظره في المخصص (17/ 112)، والرضي (3/ 213) وشواهده (ص 446)، وضرائر الشعر (ص 226)، وابن يعيش (10/ 24)، والممتع (1/ 368)، والهمع (2/ 153).
(4)
من البسيط للحادرة الذبياني، والشاهد فيه: قوله: الخامي وأصله: الخامس، فأبدلت الياء من السين، وانظره في شواهد الشافية (ص 447)، والتذييل (6/ 201 ب)، واللسان «خمس» (ضما)، والمقرب (1/ 315)، وضرائر الشعر (ص 227)، والممتع (1/ 369)، والمساعد (4/ 221).
(5)
سورة الشمس: 10.
(6)
اللسان «دسس» .
(7)
رجز أنشده أبو الفتح في سر الصناعة (2/ 287)، وانظره في شرح شواهد الشافية (ص 448)، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي: وهذا الثالث. وأما إبدالها من الراء ففي: قيراط، وشيراز وتسريت، أما قيراط وشيراز فالأصل فيهما إقراط وشرّاز فأبدلوا الياء من الراء الأولى فرارا من التضعيف، والدليل على أن الأصل فيهما ذلك قولهم: قراريط وشراريز، وأما:
تسرّيت فأصله: تسرّرت، لأنه تفعّلت من السّرّية، والسرية فعلية من السرور؛ لأن صاحبها يسرّ بها، أو من السر؛ لأن صاحبها يسرّ أمرها عن حرمه وربة منزله (1).
قال ابن عصفور: ومن جعل سرّيّة فعّيلة من سراة الشيء وهو أعلاه كانت اللام من تسريت واوا أبدلت ياء لوقوعها خامسة؛ لأن السراة من الواو بدليل قولهم في جمعه: سروات. قال: والذي ينبغي أن يحمل عليه سرية أنه فعليّة من السّر أو من السرور (2)، انتهى. واعلم أن الإبدال المذكور في هاتين الكلمتين أعني نحو: قيراط وتسريت إبدال لازم، والأمر فيه كما تقدم في دينار، وأما إبدالها من اللام ففي:
أمليت الكتاب (3)، الأصل: أمللت الكتاب، فأبدلت اللام الثانية ياء فرارا من التضعيف، وقد جاء القرآن العزيز باللغتين. قال تعالى: فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (4) وقال عز وجل: (وليملل الذى عليه الحق)(5) وإنما جعلت اللام هي الأصل لأن: أمللت أكثر من أمليت (6)، وأما إبدالها من الصاد ففي قصيت أظفاري، الأصل: قصصت أظفاري، فأبدلوا من الصاد الثانية ياء فرارا من اجتماع الأمثال (7). وأما إبدالها من الضاد فكما في قول العجاج:
4357 -
تقضّى البازي إذا البازي كسر (8)
-
- وضرائر الشعر (ص 227)، والمساعد (4/ 221)، والهمع (2/ 157)، وابن يعيش (10/ 24، 28)، والممتع (1/ 378)، والمقرب (1/ 315)، واللسان «ثلث» .
(1)
منقول من الممتع (1/ 370).
(2)
المرجع السابق.
(3)
انظر: الممتع (1/ 373)، والرضي (3/ 210).
(4)
سورة الفرقان: 5.
(5)
سورة البقرة: 282.
(6)
انظر: الممتع (1/ 373).
(7)
المرجع السابق (1/ 374).
(8)
رجز أنشده العجاج في مدح عمر بن معمر وقبله:
إذا الكرام ابتدروا الباغ بدر
والمراد بالباغ هنا: الشرف والكرم، وبدر: أسرع، والشاهد فيه قوله: تقضى البازي إذ أصله: تقضض البازي، فاجتمع فيه ثلاث ضادات فأبدلوا من إحداها ياء، كما قالوا في تظنى: من الظن، يقال: انقض الطائر: هوى في طيرانه، وانظره في أمالي القالي (2/ 171)، والخصائص (2/ 90)، والمحتسب -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصل: تقضض؛ لأنه تفعّل من الانقضاض. وأما إبدالها من الدال فكما في قوله تعالى: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً (1) والتصدية:
التصفيق والصوت، والأصل: تصددة؛ لأن الفعل منه: صددت أصد. ومنه قوله تعالى: إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (2) أي: يضحكون ويعجبون، فحولت إحدى الدّالين ياء فرارا من اجتماع المثلين، قالوا: وليس قوله من قال: إن الياء غير مبدلة من دال، جعله من الصّدى الذي هو الصوت بشيء؛ لأن الصدى لم يستعمل منه فعل، وأما إبدالها من الكاف ففي مكاكي، أصله: مكاكيك؛ لأن مفرده، مكّوك، فأبدلوا الياء من الكاف من أجل ثقل التضعيف، وأما إبدالها من الجيم ففي: الدياجي، أصله: الدياجيج؛ لأنه جمع: ديجوج، فأبدلت الجيم الآخرة ياء، وحذفت الياء قبلها تخفيفا. وأما إبدالها من التاء ففي: ايتصلت، قال الشاعر:
4358 -
قامت بها تنشد كلّ منشد
…
فايتصلت بمثل ضوء الفرقد (3)
يريد: فاتّصلت، فأبدل من التاء الأولى ياء كراهة التشديد. وأما إبدال الياء من الهمزة والألف والواو فهو من الإبدال المطرد المقيس كما عرفته فيما تقدم. وإذا ضممت هذه الثلاثة إلى ما تقدم ذكره من الحروف صار مجموع ما يبدل منه الياء ثمانية عشر حرفا. وإذ قد انتهى الكلام على الحروف التي أبدلت الياء منها، فيشير إلى أمور؛ منها: أن الياء قد تبدل من غير الحروف الخمسة عشر التي ذكرت كما أن ذلك الحرف قد يبدل منها وهو الموضع الذي تكافأ الحرفان فيه الإبدال، وسيذكر ذلك في الفصل الآتي (4). ومنها: أن قول المصنف: ثالث الأمثال قد شمل النون والراء والصاد والميم والعين والكاف والسين والدال. وقد مرت أمثلة ذلك، فهي عبارة حسنة جامعة. ومنها: أن قوله: وثانيها كأتميت، وأولها كأيما فيه تجوز ما. -
- (1/ 157)، والمخصص (11/ 120، 13/ 289)، وابن يعيش (10/ 75)، والمقرب (2/ 170)، والهمع (2/ 157)، والأشموني (4/ 336)، وديوانه (ص 17)، والممتع (1/ 374).
(1)
سورة الأنفال: 35.
(2)
سورة الزخرف: 57.
(3)
رجز لم أعرف قائله والشاهد: قوله: فايتصلت، والأصل: فاتصلت فأبدل من التاء الأولى ياء كراهية التشديد، والشاهد في: ابن يعيش (10/ 24، 26)، والمقرب (2/ 172)، والأشموني (4/ 337) واللسان «وصل» والممتع (1/ 378).
(4)
التسهيل (ص 317).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولو قال: وثانيهما وأولهما لكان أولى. ومنها: أن الشيخ لما ذكر أناسي قال: ولو ذهب إلى أن الياء في أناسي ليست بدلا، وأن أناسي جمع إنسي، وأناسين جمع إنسان؛ لكان قد ذهب إلى قول حسن، واستراح من دعوى البدل؛ إذ العرب تقول: إنسي في معنى إنسان. وأنشد البيت المشهور:
4359 -
فلست لإنسيّ ولكن لملأك
…
تنزّل من جوّ السّماء يصوب (1)
قال: فكما قالوا: بختي وبخاتي، وقمري وقماري، كذلك قالوا: إنسي وأناسي، قال: وقد يحذفون الياء من أناسي فيعوضون منها التاء. قالوا: أناسية كما قالوا: زنادقة (2)، وما قاله الشيخ من أن أناسي يكون جمعا لإنسي غير مرض؛ لأن الياء في إنسي ياء نسب، وما فيه ياء النسب لا يجمع على فعالي، وهذا هو الذي أحوجهم إلى أن يجعلوا
أناسي جمع إنسان وأن الأصل فيه: أناسين. وقد ذكر المصنف في باب جمع التكسير، وفعالي الثلاثي ساكن العين تزاد في آخره ياء مشددة، لا لتجديد نسبه. ومنها: أن الياء أبدلت من الهمزة دون اطراد في قرأت وتوضأت، فقالوا: قريت وتوضيت. وقال ابن عصفور بعد ذكر هذه المسألة: وقالوا في واجئ (3): واج، فأبدلوا الهمزة ياء، وأجراها مجرى الياء الأصلية؛ لأنه جعلها وصلا لحركة الجيم، ولو كانت الهمزة منوية عنده لم يجز ذلك، كما لا يجوز في الهمزة، ونحو من ذلك قول ابن هرمة:
4360 -
إنّ السّباع لتهدى في مرابضها
…
والنّاس ليس بهاد شرّهم أبدا (4)
-
(1) من الطويل لعلقمة يقول لممدوحه، وهو الحارث بن جبلة: لقد باينت الإنس في أخلاقك وأشبهت الملائكة في طهارتك وفضلك، فكأنك منسوب إلى ملك من الملائكة، ومعنى يصوب: ينزل، والشاهد فيه: قوله: إنسي حيث تقول العرب: إنسان وإنسي، وفيه شاهد آخر: وهو همزة ملأك وهو واحد الملائكة والاستدلال به على أن ملكا مخفف الهمزة محذوفها من ملأك. وانظره في الكتاب (2/ 379)، وشرح شواهد الشافية (ص 287)، وإصلاح المنطق (ص 82)، والمنصف (2/ 102)، وسر الصناعة (2/ 271)، والمحكم (7/ 68، 69).
(2)
التذييل (6/ 200 ب).
(3)
الواجئ: الضارب في أي موضع كان. اللسان «وجأ» .
(4)
من البسيط، والشاهد فيه: إبدال الهمزة ياء من: هاد للضرورة، ويروى: عن فرائسها مكان:
مرابضها، وانظره في: الممتع (1/ 382)، والخصائص (3/ 152)، واللسان «هدأ» ، وضرائر الشعر (ص 229)، وسر الصناعة (2/ 277).