الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم ما اجتمع فيه ثلاث أو أربع واوات]
قال ابن مالك: (فصل: اجتنبوا ضمّة غير عارضة في واو قبل واو؛ لأنّ الضّمة كالواو، فاجتناب ثلاث واوات أحقّ، فإن عرض اجتماعها قلبت الثّالثة أو الثّانية ياء وقد يعرض اجتماع أربع فتعلّ الثّالثة والرّابعة نحو: قوّيّ مثل
جحمرش من قوّة وقد تعلّ معهما الثانية نحو: اقويّا مثل: اغدودن منها، وذا أولى من قوّو واقووّا وفاقا لأبي الحسن، وحيّو أو حيّا في مثال جحمرش من حييت أولى من حيّاي).
ــ
كلمة وهما الياءان الأوليان وجب إدغام الأولى بعد نقل حركتها إلى ما قبلها في الثانية فيؤول إلى: رمييّ فيفعل فيه ما يفعل بعطيّ من الحذف فيؤول إلى رميّ، ووجه إبدال المتوسطة واوا مع سلامة الثالثة كراهة اجتماع الأمثال، وعلى هذا يقول: رميو، ويصير من المنقوص، ووجه إبدالها ألفا مع سلامة الثالثة - أيضا - أنها ياء تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وعلى هذا يقال: رمياي (1).
قال ناظر الجيش: لما كان الفصل المفروغ منه متضمنا لذكر حكم ما اجتمع فيه من الكلمة أربع ياءات وثلاث - أيضا - ضمن هذا الفصل حكم ما اجتمع فيه من الواوات ثلاث، وكذا ما اجتمع فيه منها أربع - أيضا - ثم إنه استفتح الفصل بشيء يقصد به التمهيد لما يذكره ويتضمن الاستدلال على إثبات مراده وهو أنهم اجتنبوا ضمة في واو واقعة قبل واو أخرى ولذلك عدلوا عن: مقوول، إلى: مقول، وإنما اجتنبوا ذلك؛ لأن الضمة كالواو، فلو لم يجتنبوا ذلك لكانوا كأنهم أتوا بثلاث واوات في كلمة، ولا شك في أن ذلك يثقل، قال: فإذا كانوا قد اجتنبوا أن يأتوا بضمة في واو تليها واو أخرى فاجتناب ثلاث واوات أحق؛ لأنهم إذا اجتمعوا مع الواوين ما يقرب من الواو فإن يجتنبوا الواو نفسها معهما أحق وأولى وهو استدلال لطيف، وإنما قال: غير عارضة؛ ليحترز من الضمة العارضة، فإن ذلك جائز فيها؛ لأنهم لم يستثقلوها لعروضها، ومثال ذلك أن تأتي بمضارع هوى مسندا إلى ضمير الجماعة المذكرين فتقول، يهوون، والأصل يهويون فالضمة التي على -
(1) انظر: التذييل (6/ 165 أ) والمساعد (4/ 149).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الواو عارضة؛ لأن أصلها الكسر، فلما مهّد هذا الأصل ذكر ما يفعل إذا اتفق اجتماعها، فقال: إن الثالثة أو الثانية تقلب ياء، وقد مثّل لذلك بأن تبني من القول فعلا على وزن: افعوعل، فتقول: اقووّل، ثم تقلب الثالثة أو الثانية ياء، وأيّا ما قلبت منهما لزم من ذلك قلب الأخرى ياء، وإدغام الياء في الياء، فتصير:
اقويّل؛ لأن الياء والواو إذا اجتمعا وسبق (إحداها)(1) بالسكون وجب قلب الواو ياء والإدغام على ما عرف في موضعه. واعلم أن ابن عصفور ذكر هذا المثال فقال:
وتقول في مثل افعوعل من القول: اقووّل، هذا مذهب سيبويه (2)، وأما أبو الحسن فيقول: اقويّل؛ لأنه يستثقل
اجتماع ثلاث واوات وإلى ذلك ذهب أبو بكر (3)، واحتج بأنهم إذا كانوا يستثقلون الواوين والضمة في مثل: مصوغ، فلا يكملون البناء إلا فيما شذّ، فالأحرى فيما اجتمع فيه ثلاث واوات، وهذا الذي احتجّ به لا يلزم؛ لأن مصوغا وأمثاله إنما استثقل فيه الواوان والضمة لجريانه على الفعل المعتل وإلا فإنهم يتمّون في مثل: قووّل في فصيح الكلام؛ لأنه غير جار على معتلّ، فإن قيل: فإنكم تقولون في مثل عرقوة من الغزو: غزوية، وقد تقدم استثقالا للواوين والضمة مع أنه ليس بجار. فالجواب: أن الطرف يستثقل فيه ما لا يستثقل في الوسط؛ لأنه محل التغيير، ألا ترى أنهم يقلبون في مثل: عصيّ، ولا يلزم ذلك في مثل: صوّم. فإن قيل: فإن وجدتم ثلاث واوات محتملة في كلام العرب.
فالجواب: أنه لا يعلم من كلامهم ما اجتمع فيه ثلاث واوات حشوا البتة [6/ 172] لا مصححا ولا معتلّا، فيحمل هذا عليه، والتصحيح هو الأصل فالتزم هذا مع أن ما يقرب منه موجود في كلامهم وهو مثل: قوول، ألا ترى أن فيه واوين وضمة والضمة مثل الواو ولم يغير شيء من ذلك، وأما ما ذهب إليه ابن جني من أن لقائل أن يفرق بين: غزوية واقووّل، بأن يقول: قد يستثقل في الاسم ما يصح في الفعل واستدلاله بصحة يغزو (4) وأمثاله وإعلال أدل وأمثاله - ففي نهاية الفساد؛ لأن -
(1) في النسختين: إحديهما.
(2)
الكتاب (2/ 376) والمنصف (2/ 244) والمقتضب (1/ 312، 323).
(3)
ابن السراج واستظهره ابن جني انظر: الممتع (2/ 747) والمنصف (2/ 244) والمقتضب (1/ 323).
(4)
المنصف (2/ 290 - 291).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفعل أثقل من الاسم بلا خلاف، وأكثر إعلالا، فكيف يصح فيه ما يعتل في الاسم الذي هو أخف، وأما صحة: يغزو وإعلال أدل، فلأمر عرض قد بيّن في موضعه، فالصحيح عندي ما ذهب إليه سيبويه، فإن بنيته للمفعول قلت: أقووول على القولين جميعا، فلا تدغم، ولا يستثقل اجتماع الواوات؛ لأن الواو المتوسطة مدة محكوم لها بحكم الألف، فكأنه ليس في الكلمة إلا واوان بينهما ألف، وقد حكي عن الأخفش أنه قلب الأخيرة ياء فقال: اقوويل، والأوّل أشهر عنه، وهو الصحيح (1)، انتهى كلام ابن عصفور، وهو موافق لما ذكره المصنف، غير أنه ذكر أن مذهب سيبويه في المثال المذكور التصحيح، والمصنف ساكت عن ذكر مذهب سيبويه، فعدم تعرضه لذلك: إما لأنه لا يرى
أن مذهب سيبويه هو الذي ذكره، وإما لأنه خالفه عن علم به، وإما لأنه لم يحط علما بمذهبه، ولكن تبيّن أن أبا الحسن وابن السراج وابن جني على القول الذي قاله المصنف، والعلة التي أشار إليها هي بعينها التي احتج بها ابن السراج، وهي أنهم يقولون: مصوغ ولا يكملون البناء فيقولون: مصووغ إلا ما شذ؛ وذلك لاجتماع واوين وضمة، فكيف باجتماع ثلاث واوات، وأما قول ابن عصفور: إن ذلك إنما كان في نحو: مصوغ لجريانه على الفعل المعتل واستدلاله بنحو: قوول، فإنه يتم؛ لأنه غير جار على معتل (2)، فلم أفهم كون: قوول غير جار على معتل؛ لأن الذي يفهم من قولهم هذا جار على الفعل أن ينتظم هو والفعل في اشتقاقهما من المصدر، وأن يكون دالّا على ذات ومعنى، ولا شك أن قوولا كذلك، غاية ما فيه أن الجاري الحقيقة هو قائل، وقوول محوّل عنه للمبالغة إلا أن يقال: إن قوولا لا يلاقي المعتل إنما يلاقي: قول الدال على الكثرة في القول، وقول ليس فعلا معلّا، إنما هو فعل صحيح، وهذا فيه بعد؛ لأنه لو كان الأمر كذلك وهو أن قوولا إنما يلاقي قول فكان كلاهما مشتقّا من المصدر الذي هو قياس: قول وهو: التقويل، ويلزم من ذلك أن لا تكون الصيغة المذكورة محوّلة عن فاعل، وهم قد نصوا على أنها وأخواتها محوّلة، واعلم أن الأخفش إنما أجاز: اقوويل في أحد قوليه؛ لأنه فرع عن: اقووّل، وقد أعلّه وهو مبني للفاعل فقال فيه: اقويّل، فلما بني للمفعول استصحب الحالة التي كانت له -
(1) الممتع (2/ 747 - 750).
(2)
الممتع (2/ 748).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قبل، ثم لما ذكر المصنف حكم ما اجتمع فيه ثلاث واوات شرع في ذكر حكم ما اجتمع فيه أربع واوات، وأشار إلى ذلك بقوله: وقد يعرض اجتماع أربع، وذكر في الكتاب مثالين: أحدهما يعلّ فيه اثنان، والآخر يعلّ فيه ثلاثة، فأما الأوّل فأشار إليه بقوله: فتعلّ الثالثة والرابعة نحو: قوّيّ مثل جحمرش من قوة، وذلك أن أصله قوووو، فتدغم الواو الأولى لسكونها في الثانية، وتبدل الواو الثالثة ياء لاستثقال اجتماع الواوات، وتقلب الرابعة بالكسر ما قبلها فيقال: قويّ؛ لأنه صار منقوصا (1)، وأما الثاني فأشار إليه بقوله: وقد تعلّ معها الثانية أي: مع الثالثة والرابعة نحو: اقويّا مثل: اغدودن منها أي: من قوة وذلك أن الأصل: اقووو فأعلت الآخرة بقلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأعلت ما قبلها لاجتماع ثلاث واوات وأعلّت الثانية؛ لأن الثالثة لمّا قلبت ياء التقت ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار: اقويّا (2)، وأما قوله: وذا أولى من قوّو واقووّا فإن
المراد منه بقوله: وذا، الإشارة إلى ما تقدم ذكره من المثالين يعني أن ما ذكره من: قوّيّ مثال جحمرش من: قوّة أولى من: قوّو ومن: اقويّا، مثال: اغدودن منها أولى من اقووّا، والمراد أن إعلال الواو الثالثة بقلبها ياء أولى من تصحيحها في البناءين أعني بناء جحمرش من قوة، وبناء اغدودن منها، وإنما كان أولى لاستثقال اجتماع ثلاث واوات، وقوله: وفاقا لأبي الحسن، يعني أن أبا الحسن هو الذي يعل الثالثة، وغيره يصحح، وأما إعلال الرابعة فمتفق عليه (3) قاله الشيخ، وقال أيضا: قد تقدم أن مذهب أبي الحسن وأبي بكر في: افعوعل من القول الإعلال، فيحتمل أن يكون قوله: وذا أولى، راجعا إلى المسألتين وهما عروض اجتماع ثلاث واوات، وعروض اجتماع أربع واوات (4)، انتهى. وأقول: لو لم يقل المصنف: من قوّو واقووّا، بعد قوله: وذا أولى، لأمكن رجوعه إلى المسألتين، لكن قوله: ذلك يمنع الرجوع إليهما.
وأما قوله: وحيّو أو حيّا في مثال جحمرش من حييت أولى من حيّاي، فإنه أراد به أن يبين حكم الكلمة إذا اجتمع فيها أربع ياءات كما بين حكمها إذا اجتمع فيها أربع -
(1) التذييل (6/ 166 أ) والمساعد (4/ 150).
(2)
انظر: التذييل (6/ 166 أ) والمساعد (4/ 150).
(3)
التذييل (6/ 166 ب).
(4)
المرجع السابق.