الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الإبدال
(1)]
قال ابن مالك: (فصل: يجمع حروف البدل الشّائع في غير إدغام قولك: لجدّ صرف شكس آمن طيّ ثوب عزّته، والضّروريّ في التّصريف هجاء: طويت دائما، وعلامة صحّة البدليّة الرّجوع في بعض التّصاريف إلى المبدل منه لزوما أو غلبة، فإن لم يثبت ذلك في ذي استعمالين فهو من أصلين).
قال ناظر الجيش: قد تقدم أن علم التصريف علم يتعلق ببنية الكلمة وما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك، فكان علم التصريف نوعان: نوع يتعلق ببنية الكلمة وما لحروفها من أصالة وزيادة، ونوع يتعلق بالصحة والإعلال، وقد انقضى كلام المصنف على النوع الأول، ومن هاهنا ابتدأ الشروع في النوع الثاني، ولا يخفى أن هذا - أعني الإعلال - هو المقصود الأعظم من علم التصريف، ومن هنا قيل: التصريف تحويل الكلمة من بنية إلى غيرها؛ لغرض لفظي أو معنوي، وقد تقدم لنا أن هذا الباب قصره المصنف على ذكر التحويل الراجع إلى الغرض اللفظي فقط، ولا شك أن هذا هو الإعلال، والإعلال إبدال، وحذف وقلب، أعني تقديم حرف وتأخير حرف، لكن جلّ الأمر إنما هو الإبدال، وأما الحذف والقلب فالأمر فيهما سهل، وقد أوردهما المصنف في فصلين بعد أن أنهى الكلام على الإبدال (2)، ثم اعلم أن أكثر المصنفين يجعلون الإعلال، والإبدال بابا، ويخصون الإعلال بتغير حروف العلة وهي: الياء، والواو، والألف، ثم إنهم في باب الإبدال يذكرون إبدال بعض أحرف العلة من بعض - أيضا - فيعيدون ذكر ما ذكروه في (باب)(3) الإعلال، ثم إنهم لا يقتصرون في ذكر الإبدال على ذكر البدل القياسي، بل يدرجون معه ذكر البدل الشاذ، وأما المصنف -
(1) انظر: الكتاب (4/ 237، 331)، والمقتضب (1/ 199 - 203)، والتكملة (ص 243)، وشرح الشافية (3/ 197 - 233)، والجاربردي (2/ 220 - 230)، والممتع (1/ 319، 415)، والمقرب (2/ 159 - 182)، وشرح الكافية لابن مالك (4/ 2077 - 2101).
(2)
انظر: التسهيل (ص 312، 315).
(3)
كذا في (ب)، وفي (جـ)«بعض» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنّه جعل البابين واحدا وعبّر عنه بالإبدال، ولكنّه قصر الباب على البدل الضروري في التصريف، وهو اللازم الذي لا بدّ منه، على أنه تعرّض لغير الضروري بعد ذلك في فصل مفرد (1)، ويظهر أن الذي فعله المصنف أولى وأقرب إلى الضبط، وأجمع لخاطر الناظر في هذا الفن، فرحمه الله تعالى، وجزاه عن صنيعه أفضل الجزاء بمنه وكرمه، وإذا تقرر هذا فاعلم أن المصنف ذكر أوّلا الحروف التي تبدل من غيرها بدلا شائعا جامعا لها في الكلم التي
تضمنها متن الكتاب، وهي اثنان وعشرون (2) حرفا: اللّام، والجيم، والدّال، والصّاد، والرّاء، والفاء، والشّين، والكاف، والسّين، والهمزة، والألف، والميم، والنون، والطّاء، والياء، والثّاء، والواو، والباء، والعين، والزّاي، والتّاء، والهاء. وبسكوته عن باقي حروف المعجم علم أن غير المذكورات لا تبدل عن غيره، وهي: الحاء، والخاء، والذّال، والضّاد، والظّاء، والغين، والقاف. واحترز بقوله: الشائع من إبدال الذّال من الدّال، قرأ الأعمش (3) (فشرّذ بهم مّن خلفهم) (4) بذال معجمة (5) قال ابن جني: لم يمرّ بنا في اللغة تركيب: (ش ر ذ)، وأوجه ما يصرف إليه ذلك أن تكون الذال بدلا من الدال كما قالوا: لحم خرادل وخراذل، والمعنى الجامع لهما أنهما مجهوران ومتقاربان (6)، وخرّج الزمخشري قراءة الأعمش على أنه من باب ما قلبت فيه لام -
(1) التسهيل (317).
(2)
هذا ما ذهب إليه ابن مالك، ونقل ابن يعيش عن الرّماني أنها أربعة عشر حرفا. ابن يعيش (10/ 8)، وذكر سيبويه (2/ 313)، والمبرد في المقتضب (1/ 199)، وأبو علي في التكملة (ص 243)، وابن جني في التصريف الملوكي (ص 17)، وابن عصفور في المقرب (2/ 159): أنها أحد عشر، ونقل السيوطي في المزهر (1/ 474) عن أبي علي القالي في أماليه: أنها اثنا عشر، أو أنها ثلاثة عشر، كما ذكر الزمخشري في المفصل (ص 201)، وقيل غير ذلك.
(3)
هو سليمان بن مهران الأعمش، ولد سنة (60 هـ)، وتوفي سنة (148 هـ). غاية النهاية (1/ 315).
(4)
من قوله تعالى في سورة الأنفال: 57: فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ.
(5)
عزاها الزمخشري في الكشاف (2/ 180)، وابن خالويه في شواذ القرآن (ص 50) إلى ابن مسعود وعزاها البنّاء في الإتحاف (ص 238) إلى المطوعي، وعزاها ابن جني في المحتسب، ونقله الأشموني (4/ 282) إلى الأعمش، كما عزاها أبو حيان في التذييل، ونقله عنه الشارح. وانظر:
التبيان (2/ 629).
(6)
المحتسب (1/ 280).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكلمة فجعلت مكان العين، والعين مكان اللام من قولهم: شذر مذر أي: فرّق بهم من خلفهم (1)، ولما كان البدل لأجل الإدغام لا يختص بهذه الحروف؛ بل يكون في حروف المعجم كلها إلا الألف أخرجه بقوله: في غير إدغام ثم أشار إلى الضروري في التصريف من هذه الحروف يعني الذي يكون فيه البدل لازما لا محيد عنه، لعلّة موجبة تبين في علم التصريف، ثمانية أحرف: الطّاء، والواو، والياء، والتّاء، والدّال، والألف، والهمزة، والميم، وهي التي
تضمنها هجاء (طويت دائما) ولم يذكر المصنف الهاء في هذا الكتاب مع هذه الأحرف، مع أنه ذكرها في بقية كتبه معها (2)، فجعل الأحرف التي تبدل تسعة، ويظهر أن الاقتصار على ثمانية الأحرف أولى؛ فإن الهاء إنما تبدل سماعا من الهمزة في هرقت، وهرحت (3)، وهيّاك (4) ولهنّك (5)، وهن فعلت في طيئ (6)، وهذا الذي في: إذا الذي وشذوذا من الألف في: أنه، وحيّهله ومه مستفهما (7)، والبدل المتكلم فيه الآن؛ إنما هو الذي يطّرد ويكون مقيسا، وأما بدل الهاء من التاء في الوقف على مثل: رحمة، وإن كان مطردا فلا يعد من البدل المقصود في الإعلال؛ لأنه إنما صار لعارض وهو الوقف، لا لأمر يرجع إلى الكلمة في ذاتها، وإذا كان بدل الهاء من غيرها إما مسموعا، أو شاذّا أو لعارض فلا ينبغي أن يذكر مع الحروف التي تبدل من غيرها -
(1) الكشاف (2/ 180)، والتذييل (6/ 139 أ)، والمساعد (4/ 86).
(2)
قال في الألفية (ص 75):
أحرف الإبدال هدأت موطيا
…
فأبدل الهمزة من واو ويا
وقال في متن الكافية:
هادأت مطوي كلام جمعا
…
حروف إبدال فشا متّبعا
شرح الكافية لابن مالك (4/ 2077).
(3)
أصلها أرقت وأرحت. الممتع (1/ 171، 399)، والرضي (3/ 222).
(4)
أصلها إياك. الممتع (1/ 397).
(5)
وهذه كلمة تكلم بها العرب في حال اليمين، وليس كل العرب تتكلم بها، نقول: لهنّك لرجل صدق، فهي إن ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف. الكتاب (1/ 474).
(6)
وطيئ تبدل همزة إن الشرطية هاء فتقول: هن فعلت فعلت تريد إن. الممتع (1/ 297)، وانظر:
الرضي (3/ 223).
(7)
ينظر شرح الشافية للرضي (3/ 224)، وابن جماعة (2/ 227).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قياسا مطّردا لأمور ذاتية.
وأما قول المصنف: وعلامة صحة البدليّة إلى آخره، فأشار به إلى أمر وهو أنه إذا وجدنا كلمة يختلف بعض حروفها في الاستعمال، فيكون لها استعمالان بحرفين مختلفين، ومدلولها في الحالين لا يتغير، فقد يكون أحد الحرفين بدلا من الآخر؛ فيحكم إذ ذاك بأن إحدى الكلمتين أصل والأخرى فرع، وقد لا يكون ثم بدل أصلا فيحكم حينئذ بأن الكلمتين من أصلين، فقال: إن علامة صحة البدليّة الرجوع في بعض التصاريف إلى المبدل لزوما، أو غلبة، فمثال الرجوع لزوما قولهم: جدث وجدف، الفاء بدل من الثاء، لأنهم لما جمعوه قالوا:
أجداث على جهة اللزوم (1)، ومثال الرجوع غلبة: وحد وأحد، وأفلت وأفلط، فالهمزة بدل من الواو، والطاء بدل من التاء، فإن الغالب في الاستعمال أفلت بالتاء ووحد بالواو هكذا مثله الشيخ (2)، وفيه نظر؛ فإنّ أفلت بالتاء ليس بعض تصاريف الكلمة؛ بل هو نفس الكلمة، وكذا وحد - أيضا - على أن الغالب إنما هو استعمال أحد، ولو قال الشيخ: إنما قيل: الطاء بدل من التاء؛ لأنهم قالوا: في المصدر: إفلات ولم يقولوا: إفلاط، وإنما قيل: إن الهمزة بدل من الواو؛ لأنهم قالوا: وحد وتوحد، ووحدة، فكان أقرب، هذا إن ثبت أنهم لم يقولوا في المصدر: إفلاط بالطاء.
ثم قال المصنف: فإن لم يثبت ذلك أي: الرجوع إلى المبدل في بعض التصاريف لزوما أو غلبة في ذي استعمالين أي: في لفظ ذي استعمالين فهو من أصلين أي:
يحكم بأن ذلك اللفظ من أصلين، ومثال ذلك: وكّد، وأكّد، وورّخ، وأرّخ؛ لأنهم قالوا: أكّد ووكّد ويؤكّد وتؤكّد وأكّد ووكّد، وأرّخ وورّخ ويؤرّخ ويورّخ وورّخ وأرّخ. فلم يغلب أحد الاستعمالين الآخر؛ فحكم بأن الواو أصل [6/ 141]، والهمزة أصل (3).
(1) ينظر: التذييل (6/ 139 أ)، والمساعد (4/ 87)، والممتع (1/ 414).
(2)
التذييل (6/ 139 أ).
(3)
ينظر: التذييل (6/ 139 أ)، والمساعد (4/ 87 - 88).