الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حذف عين فيعلولة]
قال ابن مالك: (ومن اللّازم حذف عين فيعلولة كبيّنونة. وليس أصله فعلولة، ففتحت فاؤه لتسلم الياء خلافا للكوفيّين، ويحفظ هذا الحذف في عين فيعلان وفيعل وفيعلة، وفاعل وربّما حذف ألف فاعل مضاعفا، والرّدّ إلى أصلين أولى من ادّعاء شذوذ حذف أو إبدال).
ــ
عنها، ولا شك أن هذا مختص بالضرورة كما ذكر، ثم إن المصنف أردف كلامه في إيجاز التعريف على: خذ وكل ومر بأن قال: ومن هذا القبيل حذف همزة أفعل التفضيل في قولهم: هو خير من هذا أو شر من ذاك. والأصل: أخير وأشر (1)، وربما استعملا كذلك. وقال أيضا بعض العرب في التعجب: ما خير هذا!
قال ناظر الجيش: يقتضي إيراد المصنف هذه المسألة أعني مسألة فيعلولة عقيب مسألة خذ وكل ومر - أن يكون الحذف من فيعلولة على غير قياس، وإن كان لازما، وربما يعطي ظاهر كلام ابن عصفور خلاف ذلك. ثم اعلم أن عين فيعلولة قد تكون ياء وقد تكون واوا، وعلى [6/ 199] التقديرين يلزم اجتماع يائين؛ لأنها إن كانت ياء أدغمت الياء الأولى فيها، وإن كانت واوا وجب قلبها ياء فيجيء الإدغام، وعند ذلك يحصل الثقل فتحذف الياء التي هي عين سواء أكانت أصلا بنفسها أم منقلبة عن واو، وهذا الحذف لازم في هذا الوزن. قال ابن عصفور: وإنما لزم الحذف فيما كان على هذا الوزن؛ لأن الكلمة بلغت الغاية في العدد إلا حرفا واحدا؛ لأنها على ستة أحرف. قال: ولما كان الحذف في فيعل نحو: سيد جائزا كان في هذا الذي ازداد ثقلا بالطول واجبا. ومن أمثلة ذلك بينونة وطيرورة، وكينونة وقيدودة. وقد استدل على أن أصل هذه الكلمات فيعلولة لا فعلولة بدليلين:
أحدهما: أن كينونة وقيدودة في ذوات الواو، فلولا أن الأصل فيعلولة لقيل:
كونونة وقودودة؛ إذ لا موجب لقلب الواو ياء. الثاني: أنه ليس في كلام العرب فعلولة. قال ابن عصفور: فإن قيل: فإنهما مصدران وليس في المصادر ما هو على وزن فيعلولة. فالجواب: أن فيعلولة قد تثبت في غير المصادر نحو: خيسفوجة، ولم -
(1) انظر: الرضي على الكافية (2/ 212).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يثبت فعلولة في موضع من المواضع، فحمله على ما يثبت في بعض المواضع أحسن إن أمكن وإلا فقد يجيء
المعتل على بناء لا يكون للصحيح وممّا يدل على أن الأصل في هذا الوزن فيعلولة مجيء كيّنونة على الأصل. أنشد المبرد (1):
4335 -
قد فارقت قرينها القرينه
…
وشحطت عن دارها الظّعينه
يا ليت أنّا ضمّنا سفينه
…
حتّى يعود الوصل كيّنونه (2)
انتهى.
وهذا قول البصريين وهو مذهب سيبويه (3) ثم أشار المصنف إلى القول الآخر في هذا الوزن بقوله: وليس أصله فعلولة، ففتحت فاؤه لتسلم الياء خلافا للكوفيين فنسب هذا القول إلى الكوفيين. لكن ابن عصفور لم يعزه إلا إلى الفراء خاصة، فقال بعد ذكر كينونة، وقيدودة: وزعم الفراء (4) أنها في الأصل: كونونة وقودودة بضم الفاء، وكذلك في صيرورة وطيرورة، مصدري: صار وطار، ثم قلبت الضمة فتحة في صيرورة وطيرورة لتصح الياء، ثم حملت ذوات الواو على ذوات الياء ففتحوا الفاء وقلبوا الواو ياء؛ لأن مجيء المصادر على فعلولة أكثر ما يكون في ذوات الياء، نحو: صيرورة وسيرورة وطيرورة وبينونة (5). قال ابن عصفور: وهذا -
(1) انظر: المقتضب (1/ 125) ذكر كينونة، ولم ينشد الرجز بتمامه.
(2)
رجز نسب للنهشلي، وانظره في المنصف (2/ 15)، والإنصاف (2/ 797)، والممتع (2/ 505)، واللسان «كون» .
(3)
قال سيبويه (2/ 372): «وكان الخليل يقول: سيّد فيعل، وإن لم يكن فيعلا في غير المعتل؛ لأنهم يخصون المعتل بالبناء لا يخصون به غيره من غير المعتل، ألا تراهم قالوا: كينونة، والقيدود؛ لأنه الطويل في غير السماء، وإنما هو من قاد يقود. ألا ترى أنك تقول: جمل منقاد وأقود؛ فأصلها فيعلولة» وانظر الإنصاف (2/ 797).
(4)
قال ابن عصفور في الممتع (2/ 503): «وزعم - الفراء أنهما - أي كينونة وقيدودة - في الأصل: كونونة وقودودة بضم الفاء، وكذلك صيرورة وطار طيرورة، ثم قلبت الضمة فتحة في قيدودة وطيرورة لتصحح الياء ثم حملت ذوات الواو على ذوات الياء ففتحوا الفاء وقلبوا الواو ياء؛ لأن مجيء المصدر على: فعلولة أكثر ما يكون في ذوات الياء نحو: صيرورة وسيرورة
…
»، وانظر المنصف (2/ 12)، والرضي (3/ 154).
(5)
الممتع (2/ 504).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذي ذهب إليه فاسد من جهات: منها: أن ادعاءه قلب الضمة فتحة لتصحّ الياء مخالف لكلام العرب. بل الذي اطرد في كلامهم أنه إذا جاءت الياء ساكنة بعد ضمة قلبت واوا نحو قولهم: موقن وعوطط، وهما من اليقين والتعيّط.
ومنها: أن الضمة إذا قلبت لتصح الياء فإنما تقلب كسرة كما فعلوا في بيض، لا فتحة. ومنها: أن حمله ذوات الواو على ذوات الياء ليس بقياس مطرد. ومنها: أن ما ادعاه من أن فعلولة من ذوات الياء قد كثر غير مسلّم. بل هذا الوزن في المصادر قليل في ذوات الياء (1).
ثم أشار المصنف إلى أن هذا الحذف - أعني حذف العين إذا جاورها حرف علّة - يحفظ في أربع كلمات، وهي فيعلان وفيعل وفيعلة وفاعل، أما فيعلان فنحو: ريحان أصله: ريوحان؛ لأن أصله: روح (2)، فقلبت الواو ياء على القاعدة المعروفة. وقد حصل الإدغام فصار ريحان، ثم حذفت عين الكلمة، ووزن الكلمة بعد الحذف: فيلان (3)، وإنما جعل المصنف هذا من باب المحفوظ؛ لأنه لا يطرد فيه الحذف، ولهذا لم يحذف من: تيّحان (4) وهو الكثير الكلام العجول، ولا من هيّبان (5) وهو الجبان، وأما فيعل وفيعلة فنحو: سيّد وسيّدة وليّن وليّنة. الأصل سيود وسيودة، فحصل الإبدال والإدغام، ثم خفّفت الكلمة بحذف العين، وقد جعل المصنف الحذف في ذلك محفوظا، يعني أنه لا ينقاس. ويقتضي كلام ابن عصفور أن الحذف مقيس، وقد أطال الكلام في هذه المسألة، فأنا أذكر كلامه قال رحمه الله تعالى: فيعل نحو: سيّد وميّت. إن كان من ذوات الياء أدغمت الياء في الياء من غير تغيير، وإن كان من ذوات الواو قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء فمن ذوات الياء: لين، ومن ذوات الواو: سيّد وميّت وإن شئت حذفت الياء المتحركة تخفيفا، فقلت: سيد وميت ولين؛ لاستثقال يائين وكسرة، والفارسي لا يجيز التخفيف في ذوات الياء قياسا فلا يقول في بيّن: بين، قياسا على لين، ويقيس ذلك في ذوات الواو وحجته أن ذوات الواو قد كانت الواو فيها قد قلبت ياء فخففت بحذف إحدى اليائين منها؛ لأن التغيير يأنس بالتغيير، ألا ترى أنهم -
(1) المرجع السابق (2/ 503 - 505).
(2)
اللسان «روح» ، والمصباح (ص 243).
(3)
انظر: المساعد (4/ 193).
(4)
الكتاب (2/ 373)(بولاق).
(5)
المرجع السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يقولون في النسب إلى فعيل: فعيلي فلا يحذفون الياء، ويقولون في النسب إلى فعيلة: فعلي، فيحذفون الياء لحذفهم التاء، وزعم البغداديون (1) أن سيّدا وميّتا وأمثالهما في الأصل على وزن فيعل بفتح العين، والأصل: سيد وميت ثم غير على غير قياس، كما قالوا في النسب إلى بصرة: بصري بكسر الباء والذي حملهم على ذلك أنه لم
يوجد فيعل في الصحيح مكسور العين، بل يكون مفتوحها نحو:
صيرف وصيقل. وهذا الذي ذهبوا إليه فاسد؛ لأنه لا ينبغي أن يحمل على الشذوذ ما أمكن، وأيضا فإنّه لو كان كتغيير بصري لم يطرد اطراده في مثل سيّد وميّت وليّن وهيّن وهذا دليل على بطلان ما ذهبوا إليه، فأما مجيئه على فيعل مع أن الصحيح لم يجئ على ذلك؛ فليس بموجب لادعاء أنه في الأصل مفتوح العين؛ لأن المعتل قد ينفرد في كلامهم ببناء لا يوجد في الصحيح (2)، وذلك نحو: قرية، قالوا في جمعها: قرى ولا يجمع فعل من الصحيح على فعل أصلا، وكذلك نحو:
قاض وغاز، قالوا في جمعهما: قضاة وغزاة، فجمعوها على: فعلة بضم الفاء ولا يجمع الصحيح اللام إلا بفتح الفاء نحو: ظالم وظلمة، وكافر وكفرة وذهب الفراء إلى أن الأصل في سيد: سويد على وزن فعيل ثم قلب، وكذلك ما كان نحوه، وحمله على ذلك عدم: فيعل بكسر العين في الصحيح. وهذا الذي ذهب إليه فاسد؛ لأن القلب ليس بقياس. وأيضا فإنه لم يجئ على الأصل في موضع، ولو كان الأمر كما ذكر لسمع سويد ومويت (3). انتهى كلام ابن عصفور غير ما حذفته منه فلم أذكره وأما فاعل فنحو: هار وشاك، أصلهما: هاير وشايك (4).
قال المصنف في إيجاز التعريف في فصل ثالث من الفصول التي ذكر الحذف فيها:
ومن الحذف ما لا يطرد ولا يلزم كحذف عين فاعل المعتل مثل قولهم في هاير وشايك: هار وشاك ويمكن أن يكون المحذوف [6/ 200] من هذين ونحوهما إنما هو الألف الزائدة كما حذفت في فاعل المضاعف. كقولهم في رابّ وبارّ وسارّ -
(1) انظر: المنصف (2/ 16)، وابن يعيش (10/ 70)، والمزهر (2/ 56)، ويس على التصريح (2/ 307)، والكتاب (2/ 372)، والصبان (4/ 313).
(2)
انظر: الكتاب (2/ 371)، والمنصف (2/ 16، 17).
(3)
الممتع (2/ 498 - 501).
(4)
انظر: التذييل (6/ 188 ب)، والمساعد (4/ 193).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفارّ: ربّ وبرّ وسرّ وفرّ. وقد استعمل في فاعل المعتل العين التحويل كثيرا، فقالوا:
هار وشاك، فجعلوا العين موضع اللام، واللام موضع العين ليكون الإعلال في الآخر؛ إذ هو به أولى، وقد يحملهم الاعتناء بظهور الإعراب على عكس هذا التحويل، كقولهم في تراق جمع ترقوة: ترائق (1). انتهى وهو كلام واضح،
ينبغي أن يعلم أن العين في هار وشاك واو، فلما حولا صارت الكلمة: هارو وشاكو. فلما وقعت الواو طرفا وقبلها كسرة انقلبت ياء كما في غازي وراعي، فصارت الكلمة: هاري وشاكي، فعمل فيهما ما يعمل في قاض. ووزن هار:
فالع، وكذا شاك لما عرفت من أن الزنة تقلب لقلب الموزون، وثبت أن في: هاير وشايك لغتين القلب والحذف ولكن الحذف أكثر. قال سيبويه: وأكثر العرب تقول: شاك ولاث (2)، يعني بحذف العين. قال الشيخ: ولو ذهب ذاهب في مثل: شاك ولاث وهار إذا أعرب إعراب غير المنقوص إلى أن الألف التي فيه ليست ألف فاعل، بل هي عين الكلمة وأنها منقلبة عن واو، وأصله: شوك وهور ثم قلبوا كما قلبوا في: رجل قال أي: قول، لكان وجها. ولكنّي لم أر أحدا ذهب إليه، وهو أسهل من ادعاء الحذف (3). انتهى. قلت: وكون الألف الموجودة في نحو:
هار إذا لم تعرب إعراب المنقوص هي عين الكلمة، هو الذي ذكره المصنف حين قال: ويمكن أن يكون المحذوف من هذين ونحوهما، يعني: هارا أو شاكا، إنما هو الألف الزائدة كما حذفت في فاعل المضاعف، كقولهم في رابّ وبارّ: ربّ وبرّ (4)، لكن المصنف ذكر أن أصل الوزن: فاعل، وأن الألف الزائدة حذفت، وهذا هو الظاهر وأما الشيخ فإنه ذكر أن أصل الوزن: فعل دون ألف، ولا يخفى أن دعوى -
(1) التذييل (6/ 188 ب).
(2)
جاء في الكتاب (2/ 379)(بولاق): «وأما الخليل فكان يزعم أن قولك: جاء وشاء، ونحوهما اللام فيهن مقلوبة. وقال: ألزموا ذلك هذا واطرد فيه، إذ كانوا يقلبون كراهية الهمزة الواحدة وذلك نحو قولهم للعجاج:
لاث بها الأشاء والعبريّ
وقال لطريف بن تميم العنبري:
فتعرّفوني أنّني أنا ذاكم
…
شاك سلاحي في الحوادث معلم
وأكثر العرب يقول: لاث وشاك سلاحه فهؤلاء حذفوا الهمزة، وهؤلاء كأنهم لم يقلبوا اللام في جئت، حين قالوا: فاعل».
(3)
،
(4)
التذييل (6/ 188 ب).