الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بذنوبهم مع هذه القوّة العظيمة، والبأس الشديد وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ أي: وما دفع عنهم عذاب الله أحد، ولا ردّه عنهم رادّ، ولا وقاهم منه واق.
ثم ذكر علة أخذه إياهم، وأنّها ذنوبهم التي ارتكبوها واجترموها فقال تعالى: ذلِكَ أي:
الأخذ بِأَنَّهُمْ أي: بسبب أنهم كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أي: بالدلائل الواضحات، والبراهين القاطعات فَكَفَرُوا أي: مع هذا البيان والبرهان كفروا وجحدوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ أي: أهلكهم ودمّرهم إِنَّهُ قَوِيٌّ أي: ذو قوة عظيمة وبطش شديد شَدِيدُ الْعِقابِ أي: عقابه أليم شديد موجع إذا عاقب.
كلمة في السياق: [ما مر من السورة وعلاقته بمحورها]
بدأ الكلام عن الكافرين في هذه السورة بقوله تعالى: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ* كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ* وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ.
ثم جاء كلام آخر عنهم في الآيات (10، 11، 12) وهو: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ* قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ* ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.
وفي الآية (18) ورد قوله تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ.
وبعد ذلك تأتي آيتان لا تشعراننا بقبولهم الإنذار. ثم يأتي قوله تعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا
…
مما يشير إلى أنهم رفضوا الإنذار والله عز وجل يحذرهم أن يفعل بهم كما فعل بالمكذبين من قبل.
ونلاحظ أنّ هناك صلة بين الآيات التي تتحدّث عنهم: ما يُجادِلُ
…
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ
…
فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ فالسورة إذن تصبّ في الكلام عن الكافرين في سيرها الرئيسي، وتذكّرهم
بالمعنى الواعظ مرّة بعد مرّة. مرّة بصيغة التقرير، ومرّة بصيغة الطلب، وتذكرهم بالعذاب الدنيوي، والعذاب الأخروي.
فالسير العام للسورة يفصّل قوله تعالى من سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
والسورة تبين لنا نوعية هؤلاء الكافرين الذين لا ينفعهم الإنذار، وهم الذين يجادلون في آيات الله، تكذيبا وعنادا مع وضوحها. ونلاحظ أن السورة مع تبيانها عدم استفادة الكافرين من الإنذار فإن الله عز وجل يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإنذار، لأن الكافرين الذين حكم الله عليهم بالموت على الكفر لا يعلمهم إلا الله، ومن أعلمه الله بشأنهم، وإذ كان الأمر غيبا فإن على الرسول الإنذار، ثم إنه مع كفر الكافرين لا بد من إقامة الحجة عليهم، هذا مع ملاحظة أن الكافرين الذين ختم الله على قلوبهم هم الذين اجتمعت بهم صفات معينة استكملوا بها صفات لم يعد ينفع معها إنذار. وقد رأينا في سورة الأنبياء هذه الصفات. وسنرى في هذه السورة كذلك هذه الصفات، ولاحتمال أن هناك كافرا لم يصل إلى هذا الحد فإن على الرسول صلى الله عليه وسلم الإنذار لعلّ أحدا يهتدي.
ونلاحظ أنه بعد ما قال الله عز وجل أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ يقصّ علينا الله عز وجل قصة من قصص السابقين كيف كانوا أشدّ قوة وآثارا، وكيف كذّبوا رسل الله، وكيف كانت عاقبتهم، وكيف كان عقابهم شديدا، هذه القصة هي قصة فرعون، وذكر قصة فرعون في
هذا السياق له دلالته، إذ الفراعنة كانوا أشدّ قوة وآثارا في الأرض، كما هو مشهور. وسنرى أنّ القصة تخدم سياق السورة بأكثر من وجه.
***