الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يذمّك فتمدحه، أو يقتل ولدك فتفتدي ولده من يد عدوّه فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاقّ مثل الوليّ الحميم مصافاة لك
وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا أي: وما يلقّى هذه الخصلة التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان إلا أهل الصبر قال ابن كثير: أي: وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنّه يشق على النّفوس وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أي: ذو نصيب وافر من السّعادة في الدنيا والآخرة. قال النسفي: أي: إلا رجل خيّر وفق لحظ عظيم من الخير. وقال ابن كثير: (قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه وليّ حميم).
وبعد أن بيّن الله طريقة معالجة عدوّ الإنس، يبيّن طريقة معالجة عدوّ الجن:
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ أي: نخس أي: وسوسة تنخس القلب نخسا فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من شره ولا تطعه إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاستعاذتك الْعَلِيمُ بنزغ الشيطان. قال ابن كثير في الآية: (أي: إن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه فأما شيطان الجن، فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله والتجأت إليه كفّه عنك وردّ كيده، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يقول:«أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه» وقد قدمنا أن هذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في سورة الأعراف عند قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ* وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وفي سورة المؤمنون عند قوله ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ* وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ. أقول: ومجئ الأمر بالاستعاذة بعد الآية التي أمرت بالدفع بالتي هي أحسن يعطينا معنى آخر سجّله النّسفي قال: (والمعنى: وإن صرفك الشيطان عمّا وصّيت به من الدفع بالتي هي أحسن فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من شره، وامض على حلمك ولا تطعه
…
).
كلمة في السياق: [حول موضوعات المجموعات وترابطها وعلاقة المجموعة السادسة بالسياق القريب والعام]
1 -
أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم في أول السّورة أن يقول: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ. ثمّ جاءت مجموعات ناقشت موضوع التوحيد، وموقف الكافرين منه، وأنذرتهم وحذرتهم، ثم جاءت المجموعة الأخيرة لتبين ما للاستقامة على أمر الله، ولتبين أن أحسن الأقوال الدعوة إلى الله، ولتبين أن الداعية إلى الله عليه أن يتخلّق بخلقين: الدفع بالتي هي أحسن، والاستعاذة بالله.
2 -
جاءت هذه المجموعة بعد المجموعة التي تحدّثت عن تقييض الله قرناء للكافرين، لتبيّن أن الذين يستجيبون لأمر الله، فيستقيمون يقيّض الله لهم ملائكة يتولّونهم في الدنيا والآخرة، وشتان بين الحالين.
3 -
من سنّة القرآن أن يتحدّث عن الكافرين وما أعدّ لهم، ثم يعقبه بالكلام عن المؤمنين وما أعد لهم، أو العكس وإذ كانت المجموعات السابقة على المجموعة الأخيرة تتحدّث عمّا أعدّه الله للكافرين من عذاب، فقد جاءت المجموعة الأخيرة لتتحدث عما أعد الله للمؤمنين، فصلة المجموعة في السياق القريب والسياق العام للسّورة واضحة، ولنر الصلة بين هذه المجموعة ومحور السورة.
4 -
رأينا أن محور السورة هو قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .. ورأينا أنّ مجموعات في السّورة قد ناقشت الكافرين الذين يرفضون العبادة والتوحيد، وأنذرتهم وحذّرتهم، وتأتي هذه المجموعة لتبين ماذا أعد الله عز وجل لمن يعبده ويتقيه، وتحضّه على الدعوة إلى الله،
وتوجّهه في ما ينبغي فعله أمام الأعداء الظاهرين والخفيين، وهي في الوقت نفسه تعرض علينا بعض ما يدخل في العبادة والتقوى. إن العبادة تقتضي اعترافا لله بالربوبية، واستقامة على أمره، وتقتضي دعوة إليه وعملا صالحا، وإعلانا عن الانتساب إلى الصف الإسلامي، وصبرا على أعداء الله وأذاهم وتقتضي استعاذة دائمة بالله من الشيطان.
5 -
يلاحظ أنّ السورة بدأت بقوله تعالى: حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيراً وَنَذِيراً
…
وجاءت السورة بعد ذلك وفيها تبيان لخصائص القرآن هذه، فالسورة تدلّنا على مظاهر تجليات اسمي الله:(الرحمن، الرحيم) الذي يتلطف فينزل وحيا، والذي يتلطف فيناقش ويبين ويوضح، والذي يأمر عباده بسلوك الطريق المرحوم أهلها، ويأمرهم بالرحمة، كما أنّ