الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في السياق:
وهكذا أقامت هذه الآيات الحجة على ضرورة عبادة الله وشكره، بأن ذكّرت بنعم الله في خلقه الليل والنهار والأشياء كلها، وبأن ذكّرت بوحدانيته وربوبيته وألوهيته، كما أنكرت على من يصرف عن العبادة، وبيّنت أنّ سبب الصرف عن العبادة هو جحود آيات الله. فالجحود هو الصارف عن العبادة، وعن الشكر، وصلة ذلك بقوله تعالى وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ واضحة، وصلة ذلك بالجدال في آيات الله واضحة.
ب-
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً قال النسفي: أي مستقرا وقال ابن كثير: (أي جعلها لكم مستقرا بساطا مهادا تعيشون عليها وتتصرّفون فيها، وتمشون في مناكبها، وأرساها بالجبال لئلا تميد بكم). أقول: وقد أخطأ من ظنّ أن القرار لا يجتمع مع الدوران، فأتت تشعر بالاستقرار وأنت راكب في السيارة والقطار والطائرة، ولا يعني ذلك نفي الحركة، فالله عز وجل يمنّ علينا باستقرارنا على الأرض بحيث لا تميد بنا ولا تضطرب، وهذا يتحقق في حالة سكون الأرض، أو حركتها المنتظمة وَالسَّماءَ بِناءً محكما غير مضطرب، أي: فخلقكم في أحسن الأشكال، ومنحكم أكمل الصور.
قال صاحب الظلال: فأما الإنسان ذاته فمن حسن صورته هذه الهيئة المتفردة بين سائر الأحياء، وهذا الاكتمال من ناحية الأجهزة لأداء وظائفه جميعها في يسر ودقّة؛ وهذا التوافق بين تكوينه والظروف الكونية العامة التي تسمح له بالوجود والحركة في هذا الوسط الكوني كما هو كائن. وذلك كله فوق خاصيته الكبرى التي جعلت منه خليفة في الأرض، مجهزا بأداة الخلافة الأولى: العقل والاتصال الروحي بما وراء الأشكال والأعراض.
ولو رحنا نبحث دقة التكوين وتناسق أجزائه ووظائفه- بوصفها داخلة في قوله تعالى: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ- لوقفنا أمام كل عضو صغير، بل أمام كل خلية مفردة، في هذا الكيان الدقيق العجيب.
ونضرب مثلا لهذه الدقة العجيبة فك الإنسان ووضع الأسنان فيه من الناحية الآلية البحتة. إن هذا الفك من الدقة بحيث إن بروز واحد على عشرة من المليمتر في اللثة أو في اللسان، يزحم اللثة واللسان، وبروز مثل هذا الحجم في ضرس أو سن يجعله يصطك بما يقابله ويحتك! ووجود ورقة كورقة السيجارة بين الفكين العلوي والسفلي يجعلها تتأثر بضغط الفكين عليها فتظهر فيها علامات الضغط لأنهما من الدقة بحيث يلتقيان تماما ليمضغ الفك ويطحن ما هو في سمك ورقة السيجارة.
ثم .. إن هذا الإنسان بتكوينه هذا مجهز ليعيش في هذا الكون .. عينه هذه مقيسة على الذبذبات الضوئية التي تقتضي وظيفته في الأرض أن يراها. وأذنه تلك مقيسة على الذبذبات الصوتية التي تقتضي وظيفته في الأرض أن يسمعها. وكل حاسة فيه أو جارحة مصممة وفق الوسط المهيأ لحياته، ومجهزة كذلك بالقدرة على التكيف المحدود عند تغير بعض الظروف.
إنه مخلوق لهذا الوسط، ليعيش فيه، ويتأثر به، ويؤثر فيه. وهناك ارتباط وثيق بين تصميم هذا الوسط وتكوين هذا الإنسان. وتصوير الإنسان على هذه الصورة ذو علاقة بوسطه. أي: بالأرض والسماء. ومن ثم يذكر القرآن صورته في نفس الآية التي يذكر فيها الأرض والسماء .. ألا إنه الإعجاز القرآنى .. ).
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي: من المآكل والمشارب في الدنيا قال ابن كثير: فذكر أنّه خلق الدار والسكان، والأرزاق فهو الخالق الرازق ذلِكُمُ أي: الذي فعل هذا كله اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ أي: فتعالى وتقدّس وتنزّه رب العالمين كلهم
هُوَ الْحَيُّ وليس كمن تعبدون من الأموات من أصنام وطبيعة لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فهو المنفرد بالألوهية فَادْعُوهُ أي: فاعبدوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي: الطاعة من الشرك والرياء، مع التوحيد الخالص قائلين الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي: جامعين بين العبادة والشكر
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام والأوثان والأنداد لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي أي: القرآن وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ أي: وأمرت أن أستسلم وأستقيم وأنقاد لرب العالمين.