الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موسى هو هذا نفسه. ونسّاخ بني إسرائيل الكذبة حرّفوا القصة وجعلوا هامان وزير هذا بدل فرعون، أو أن هناك تشابها في الاسم والعمل بين وزير فرعون ووزير أحشويروش؟ أو أنهم أطلقوا على وزير أحشويروش اسم ذاك تشبيها له به؟ أعلم بحقيقة الأمر.
3 - [عن صيغة الاستعاذة]
بمناسبة قول موسى: إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ قال ابن كثير: ولهذا جاء في الحديث (عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال «اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم وندرأ بك في نحورهم»).
كلمة في السياق: [قصة موسى توضح الأخلاق الفاسدة التي ينبع عنها كل شر]
إنّ قصة موسى عليه السلام في سياق هذه السورة تعرض لنا قصة كفرة يجادلون في آيات الله، ولا ينفع معهم الإنذار، ويكذّبون الرسل، فيعاقبون في الدنيا والآخرة، والآيات التي مرت معنا أرتنا من طبيعة هؤلاء الكافرين اتهامهم موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسحر والكذب، ومحاولتهم إيذاء قوم موسى، ومحاولتهم قتل موسى، واتهامهم موسى بالإفساد في الأرض، وتغيير النظام، واتصافهم بالكبر والكفر باليوم الآخر، وفي هذا دروس كثيرة في فقه الدعوة، سواء للنذير، أو لأهل الإيمان، أو في معرفة مواقف الكافرين من المؤمنين، ومن أهم ما ينبغي أن نعرفه مما له علاقة بسياق السورة العام: أن الكبر والكفر باليوم الآخر هما أفظع وأسوأ الأخلاق، وعنهما يتبع كل شر، وبوجودهما لا ينفع الإنذار. وبعد أن أرانا الله عز وجل في المجموعة السابقة موقف الكافرين من نذارة موسى، ورغبتهم في قتله. يعرض علينا بعد ذلك كيف قام رجل من آل فرعون يدافع عن موسى ويعظ قومه وكيف كان موقفهم منه:
تفسير المجموعة الثالثة من الفقرة الأولى
وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ قال ابن كثير: المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبطيا من آل فرعون يَكْتُمُ إِيمانَهُ أي آمن بموسى سرّا أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ أي: أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرّمة، وما لكم علة في ارتكابها إلا كلمة الحق، وهي قوله: ربي الله، وهو ربكم أيضا لا ربه وحده وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ يعني أنه ليس له بينة واحدة فقط، بل له بيّنات
من الله، وقد جاءكم بها وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ وبال كَذِبُهُ لا يتخطّاه إلى غيره وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ أي من العذاب، ولم يقل: كل الذي يعدكم مع أنّه وعد من نبي صادق القول؛ مداراة لهم، فجاء بما هو أقرب إلى تسليمهم قال ابن كثير في تفسير قول مؤمن آل فرعون هذا:(يعني إذا لم يظهر لكم صحة ما جاءكم به فمن العقل والرأي التام والحزم أن تتركوه ونفسه فلا تؤذوه، فإن يك كاذبا فإن الله سبحانه وتعالى سيجازيه على كذبه بالعقوبة في الدنيا والآخرة، وإن يك صادقا وقد آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكم، فإنه يتوعّدكم إن خالفتموه بعذاب في الدنيا والآخرة، فمن الجائز عندكم أن يكون صادقا، فينبغي على هذا أن لا تتعرضوا له، بل اتركوه وقومه يدعوهم ويتبعونه). إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ أي: مجاوز للحد كَذَّابٌ في ادّعائه، وهذا أيضا من باب المجاملة.
والمعنى أنه إن كان مسرفا كذّابا خذله الله وأهلكه فتخلصون منه، أو لو كان مسرفا كذّابا لما هداه الله بالنبوة، ولما عضده بالبينات. وقال النسفي: وقيل: أوهم أنّه عنى بالمسرف موسى وهو يعني به فرعون. وقال ابن كثير: (أي لو كان هذا الذي يزعم أن الله تعالى أرسله إليكم كاذبا كما تزعمون لكان أمره بيّنا يظهر لكل أحد في أقواله وأفعاله، فكانت تكون في غاية الاختلاف والاضطراب، وهذا نرى أمره سديدا ومنهجه مستقيما، ولو كان من المسرفين الكذابين لما هداه الله وأرشده إلى ما ترون من انتظام أمره وفعله).
يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ أي: عالين فِي الْأَرْضِ أي: بأرض مصر، أو الأرض كلها بانتشار نفوذهم، وانتشار سمعتهم. قال ابن كثير:(أي: قد أنعم الله عليكم بهذا الملك والظهور في الأرض، بالكلمة النافذة والجاه العريض، فراعوا هذه النعمة بشكر الله تعالى، وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم، واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا أي: لا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر ولا ترد عنا شيئا من بأس الله إن أرادنا بسوء). يعني أن لكم ملك مصر، وقد علوتم الناس وقهرتموهم، فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم، ولا تتعرّضوا لبأس الله أي عذابه، فإنه لا طاقة لكم به إن جاءكم، ولا يمنعكم منه أحد قالَ فِرْعَوْنُ لقومه رادا على هذا الرجل الصالح ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى أي ما أشير عليكم برأي إلا بما أرى من قتله، يعني: لا أستصوب إلا قتله، وهذا الذي تقولونه غير صواب وَما أَهْدِيكُمْ بهذا الرأي إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ أي طريق الصواب والصلاح، أو ما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب ولا ادّخر منه شيئا، ولا أسرّ
عنكم خلاف ما أظهر، يعني: أن لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول، فلعنه الله ما أكثر ضلاله، إذ يرى أن في قتل موسى رشادا
وَقالَ الَّذِي آمَنَ متابعا دفاعه عن موسى عليه السلام ومحاورا يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ أي: مثل أيام الذين كذّبوا رسل الله في قديم الدهر. كقوم نوح وعاد وثمود، والذين من بعدهم من الأمم المكذبة، كيف حلّ بهم بأس الله، وما ردّه عنهم رادّ، ولا صدّه عنهم صادّ، ومن ثم قال:
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ أي مثل جزاء دأب هؤلاء، ودأب هؤلاء دءوبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي وديمومتهم عليه لا يفترون فيه وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ أي وما يريد الله أن يظلم عباده فيعذّبهم بغير ذنب، أو يزيد على قدر ما يستحقون من العذاب يعني: أنّ تدميرهم كان عدلا، لأنّهم استحقوه بأعمالهم،
ثمّ تابع تذكيره ووعظه وتحذيره دفاعا عن موسى عليه السلام، محذّرا إيّاهم من عذاب الآخرة بعد أن خوّفهم عذاب الدنيا وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ أي يوم القيامة، وسمّي بذلك لأن أصحاب النار ينادون أصحاب الجنة، وأصحاب الجنة ينادون أصحاب النار، كما ذكر في سورة الأعراف، وقيل غير ذلك كما سنذكره في الفوائد
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ أي منصرفين عن موقف الحساب إلى النار ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ أي لا مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ أي من مرشد
وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ بن يعقوب مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ أي بالمعجزات، أي جاء أهل مصر قبل موسى عليه السلام فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ أي فشككتم فيها ولم تزالوا شاكّين حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا وذلك لكفرهم وتكذيبهم حكموا هذا الحكم من عند أنفسهم من غير برهان، أي: أقمتم على كفركم، وظننتم أنّه لا يجدّد الله عليكم إقامة الحجة كَذلِكَ أي: مثل هذا الإضلال يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ أي: مسرف في عصيانه، مرتاب: أي: شاك في دينه. قال ابن كثير:
أي: كحالكم هذا يكون حال من يضله الله لإسرافه في أفعاله، وارتياب قلبه.
ثمّ بيّن من هؤلاء المسرفون المرتابون؟، وما هي صفاتهم فقال: الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ دفعا لها وإبطالا بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ أي: بغير حجة جاءتهم من الله. قال ابن كثير: أي: الذين يدفعون الحق بالباطل، ويجادلون الحجج بغير دليل وحجة معهم من الله تعالى. فإن الله عز وجل يمقت على ذلك أشد المقت. ولهذا قال تعالى: كَبُرَ مَقْتاً أي: عظم بغضا جدال الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم عِنْدَ اللَّهِ