الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها، ولهذا قال تعالى: فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أي: من بعد إضلال الله إياه أَفَلا تَذَكَّرُونَ فتتعظون، فأصل الشر متابعة الهوى، والخير كله في مخالفته.
كلمة في السياق: [حول تفصيل السورة لأسباب عقوبة الله للكافرين]
رأينا قبل أن محور السورة هو الآيات السبع الأولى من سورة البقرة والتي فيها:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ وقد رأينا في الآية التي مرّت معنا أن سبب هذا الختم هو اتباع الهوى، وقد رأينا كذلك في السورة من قبل سبب الضلال، من إفك، وإثم، واستكبار، فالسورة إذن تفصّل في أسباب عقوبة الله للكافرين، إذ يختم على قلوبهم، وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم، وتحدّد للمؤمنين موقفهم منهم وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ .. وتبين عدم استواء هؤلاء وهؤلاء في الدنيا والآخرة، وتبيّن ما لهؤلاء وهؤلاء في الدنيا والآخرة. وبعد أن بيّن الله عز وجل سبب ضلال الكفار- وهو اتباع الهوى- يعرض علينا شبهة من شبههم التي يتكئون عليها في كفرهم باليوم الآخر، وذلك هو علّة أمراضهم.
وَقالُوا ما هِيَ أي: ما الحياة إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا التي نحن فيها نَمُوتُ وَنَحْيا أي: نموت نحن ونحيا ببقاء أولادنا، أو يموت بعض ويحيا بعض، أو نكون مواتا نطفا في الأصلاب، ونحيا بعد ذلك، أو يصيبنا الأمران: الموت والحياة، يريدون أنّه لا حياة إلا الحياة الدنيا وأن الموت بعدها، وليس وراء ذلك حياة. ويشبه هذا القول قول القائلين بالتناسخ، إذ يقولون: إن الإنسان يموت، ثم تجعل روحه في موات فيحيا به وهكذا دواليك وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس، وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بإذن الله، وكانوا يضيفون كلّ حادثة تحدث إلى الدهر والزمان، لذلك ترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ أي: ما يقولون ذلك عن علم ويقين، ولكن عن ظنّ وتخمين إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ أي: يتوهمون ويتخيلون
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ أي: إذا استدل عليهم وبيّن لهم الحق، وأن الله تعالى قادر على إعادة الأبدان
بعد فنائها وتفرقها ببيان القرآن الذي ما بعده بيان .. ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي: أحيوهم إن كان ما تقولونه حقا، وهذه لغة الكافرين في كل زمان، يرفضون الإيمان باليوم الآخر؛ لأنه لم يجئ ميت فيخبرنا، ونسوا أن كلام الرسول المعصوم، والقرآن المعجز أقوى وأثبت من كلام أي إنسان، حتى ولو عاد إلى الحياة من الموت، لأنه من يدرينا- حتى لو عاد إلى الحياة- أنه صادق، ولكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قامت كل الأدلة على صدقه، والقرآن قامت كل الأدلة على أنه من عند الله الذي لا أصدق منه، وقد أخبرانا عن الآخرة، ولكنه العمى، وقد ردّ الله عز وجل عليهم بقوله:
قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ .. ومن كان قادرا على ذلك كله كان قادرا على الإتيان بآبائكم ضرورة، فالذي قدر على البداءة قادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى، ولكن سنّته أن يجمعكم إلى يوم القيامة، وليست سنته أن يعيدكم في الدنيا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أي لا يعرفون قدرة الله على البعث، لإعراضهم عن التفكير في الدلائل، فلهذا ينكرون المعاد، ويستبعدون قيام الأجساد. وبعد أن دلّل الله عز وجل على اليوم الآخر بقدرته على البداءة، يذكر دليلا ثانيا على ذلك، وهو مالكيته للأشياء كلها، ومن كان كذلك فهو قادر على أن يفعل ما شاء
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: ومن كان كذلك فهو القادر على كل شئ، والحاكم في كل شئ، ومن ثم فلا بد من يوم آخر، ثم عقّب على هذا المعنى واعظا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أي: القيامة يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ وهم الكافرون بالله، الجاحدون بما أنزله على رسله من الآيات البينات، والدلائل الواضحات وبعد أن أقام الله عز وجل الحجة أنذر:
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً أي: جالسة على الركب من الهول والشدة والعظمة. قال ابن كثير:
(ويقال: إن هذا إذا جئ بجهنم فإنها تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا جثا لركبتيه كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا أي: إلى صحائف أعمالها فيقال لهم: الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. في الدنيا: قال ابن كثير: أي: تجازون بأعمالكم خيرها وشرها
هذا كِتابُنا أي: الذي كتبته الملائكة عليكم يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ أي: من غير زيادة ولا نقصان. أي: يشهد عليكم بما عملتم كاملا قال ابن كثير: أي: يستحضر جميع أعمالكم من غير زيادة ولا نقص. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي:
نستكتب الملائكة أعمالكم .. قال النسفي: وليس ذلك بنقل من كتاب بل معناه نثبت