الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة [حول الفوائد التي تحققت من صلح الحديبية]
جعل الله عز وجل صلح الحديبية فتحا ظاهرا، ورتّب عليه غفران الذنب السابق واللاحق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإتمام النعمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والهداية إلى الصراط المستقيم والنصر، كل ذلك رتّبه على هذا الصلح فلماذا كان هذا؟ لقد أقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلح تعظيما لحرمة بيت الله، فكافأه الله عز وجل بأن جعل هذا الصلح سببا لمغفرة ذنبه السابق واللاحق، وسببا لإتمام نعمته عليه بإظهار دينه وإعلائه فكان الصلح سببا لانتشار الإسلام إذ حميت الدعوة إليه بلا عوائق، وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الرسل إلى الملوك، وتفرّغ لإنهاء سلطان اليهود في الجزيرة العربية، وقويت قاعدة الإسلام، كما كان سببا لانتصارات مقبلة على اليهود وعلى قريش نفسها، فلم يكن فتح مكة إلا أثرا عن صلح الحديبية كما هو معروف تاريخيا، وهكذا كافأ الله رسوله صلى الله عليه وسلم هذه المكافآت كلها ببركة تعظيمه لبيت الله، مع أن بيت الله كان تحت سلطان الكافرين. قال ابن كثير: ولما كان (أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم أطوع خلق الله تعالى وأشدهم تعظيما لأوامره ونواهيه، قال حين بركت به الناقة: «حبسها حابس الفيل»، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم شيئا يعظّمون به حرمات الله إلا أجبتهم إليها» فلما أطاع الله في ذلك وأجاب إلى الصلح قال الله تعالى له إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً* وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً قال ابن كثير: أي بسبب خضوعك لأمر الله عز وجل يرفعك الله وينصرك على أعدائك، كما جاء في الحديث الصحيح: «وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله عز وجل إلا رفعه الله تعالى» وعن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (ما عاقبت أحدا عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تبارك وتعالى فيه) كان لهذا الصلح هذه الآثار المباركة، مع أن كل الصحابة لم يكونوا متحمّسين له، ولم يكونوا مرتاحين حين عقده، بدليل أن أحدا منهم لم يحلق عند ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحلل حتى أبو بكر، وفي ذلك درس كبير لهذه الأمة في أن رعاية الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فوق كل رعاية، وأن العمل الذي يقصد فيه وجه الله وطاعته
يجعل الله فيه من الآثار المباركة ما لا تخطر على بال، مهما ظن الناس أن في هذا العمل انكسارا أو انحسارا أو تراجعا أو ذلا، كما نظر عمر إلى المعاهدة على أنها إعطاء الدنية في دين الله عز وجل، وفي تسمية الله المعاهدة فتحا درس كبير للمسلمين في أن الفتح ليس فقط في العمل العسكري، بل قد يكون في العمل السياسي، حتى الذي ظاهره تراجع أو ذلة. ولنعد إلى التفسير.
*** هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ أي: الطمأنينة فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قال ابن كثير: (وهم الصحابة رضي الله عنهم يوم الحديبية الذين استجابوا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلما اطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت، زادهم إيمانا مع إيمانهم .. ) ومن ثم قال تعالى لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ أي: ليزدادوا يقينا إلى يقينهم وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ منه الجند الحسي ومنه الجند الغيبي، ومنه الجند المعنوي، ومن جنوده السكينة التي ينزلها الله على من يشاء من عباده وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً يسخّر ما يشاء فيما شاء حَكِيماً في أفعاله وأقواله وشرعه، وفي هذه الآية منّة جديدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أنزل السكينة على المؤمنين في أكثر من موقف، وفي أشدّ اللحظات حراجة، ومن ذلك عند ما أحسوا بهزة نفسية نتيجة المعاهدة، ومع ذلك أطاعوا ونفّذوا،
ثم بيّن الله عز وجل حكمته في الفتح، وفي إنزال السكينة وهي كما سجّلتها الآيتان اللاحقتان: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أي: ماكثين فيها أبدا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ أي: خطاياهم وذنوبهم فلا يعاقبهم عليها، بل يعفو ويصفح، ويغفر ويستر، ويرحم ويشكر وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً وأي فوز أعظم من الفوز بدخول الجنة والزحزحة من النار
وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ قال ابن كثير: (أي يتهمون الله تعالى في حكمه، ويظنون بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية) وقال النسفي (والمراد ظنهم أن الله تعالى لا ينصر الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ولا يرجعهم إلى مكة ظافرين فاتحيها عنوة وقهرا) ولهذا قال تعالى عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ أي: ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم