الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السياق الذي يرى فيه الإنسان بشكل قطعي من خلال السورة إحاطة علم الله، ورعاية الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، ويرى فيه علم الله المحيط بالزمان والمكان وكل شئ، ويرى فيه صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: يقول تعالى:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى قال النسفي: بالتوحيد وَدِينِ الْحَقِّ قال النسفي: أي الإسلام وقال ابن كثير: أي بالعلم النافع والعمل الصالح. فإن الشريعة تشتمل على شيئين: علم وعمل، فالعلم الشرعي صحيح، والعمل الشرعي مقبول، فإخباراتها حق وإنشاءاتها عدل لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ قال ابن كثير: أي على أهل جميع الأديان في سائر أهل الأرض من عرب وعجم، وصليبيين ومشركين وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً على أن ما وعد به كائن، وقد كان ذلك، وسيكون كما سنرى في الفوائد.
كلمة في السياق:
1 -
جاءت هذه البشارة بعد مقدمات كثيرة في السورة تناسب هذه البشارة، وذلك درس عظيم من دروس هذه السورة، فإن الأمل بنصر الله وانتصار الإسلام يدفع المسلم إلى أقصى حدود العمل، ويفجّر طاقاته في بذل الجهد، على خلاف ما لو لم يكن هناك أمل. وهذا موضوع غاب عن كثير من العلماء والربانيين، فأصبح كلامهم كله يأسا يعتقدونه، ويربون المسلمين عليه، فأي جهل هذا، وأي هلاك! قال عليه الصلاة والسلام:«من قال هلك المسلمون فهو أهلكهم» .
2 -
رأينا صلة الآية السابقة بما قبلها مباشرة، وأما صلتها بمقدمة مقطعها فواضحة:
فقد بدأ المقطع بقوله سبحانه إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً .. وتأتي هذه الآية لتصف مضمون الرسالة، وتبشر بانتصار هذا الدين.
3 -
وأما صلتها بالمقطع الأول فواضحة كذلك، فالسورة بدأت بقوله تعالى إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ومن حادثة الحديبية التي هي نموذج على النصر تنتقل السورة من معنى إلى معنى يؤكّد التوفيق المتلاحق لأهل هذا الدين حتى تستقر السورة على البشارة العظيمة بالانتصار العام الشامل لهذا الدين، وبعد هذا كله تأتي آية هي خاتمة السورة، تتحدث عن خصائص هذه الأمة، وعن خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ هذا هو وصفه أنه رسول الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أي:
أصحابه أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ قال ابن كثير: (وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدا عنيفا على الكفار، رحيما برا بالأخيار، غضوبا عبوسا في وجه الكافر، ضحوكا بشوشا في وجه أخيه المؤمن)، وقال النسفي:(وبلغ من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم، ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم، وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا صافحه وعانقه).
تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً أي: راكعين ساجدين يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً قال ابن كثير: وصفهم بكثرة العمل، وكثرة الصلاة، وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص فيها لله عز وجل، والاحتساب عند الله جزيل الثواب وهو الجنة المشتملة على فضل الله عز وجل، وهو سعة الرزق عليهم، ورضاه تعالى عنهم، وهو أكبر من الاحتساب سِيماهُمْ أي: علامتهم فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ قال ابن عباس: يعني السمت الحسن، وقال مجاهد وغيره: يعني الخشوع والتواضع، وقال السدي: الصلاة تحسّن وجوههم ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ أي: ذلك المذكور هو صفتهم في التوراة وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ أي: فراخه فَآزَرَهُ أي: فقوّاه وشدّه فَاسْتَغْلَظَ أي: شبّ وطال، فانتقل من الرّقة إلى الغلظ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ أي: فاستقام على قصبه، والسوق جمع ساق يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ أي يتعجبون من قوته قال ابن كثير:(أي فكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم آزروه وأيدوه ونصروه، فهم معه كالشطء مع الزرع) وقال النسفي: وهذا مثل ضربه الله تعالى لبدء الإسلام، وترقيه في الزيادة إلى أن قوي واستحكم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وحده ثم قوّاه الله تعالى بمن آمن معه، كما يقوى الطاقة الأولى من الزرع ما يحتفّ بها مما يتولد منها حتى يعجب الزّراع لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ قال ابن كثير:
(ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه- في رواية عنه- بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك، والأحاديث في فضل الصحابة رضي الله عنهم والنهي عن التعرض بمساويهم كثيرة، ويكفيهم ثناء الله عليهم ورضاه عنهم) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً لذنوبهم وَأَجْراً عَظِيماً أي: ثوابا جزيلا ورزقا كريما قال ابن كثير:
(ووعد الله حق وصدق لا يخلف ولا يبدّل، وكل من اقتفى أثر الصحابة رضي الله