الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن الله تعالى أكرمه؟ فقلت: بأبي أنت وأمي لا أدري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما هو فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي» قالت: فقلت: والله لا أزكي أحدا بعده أبدا، وأحزنني ذلك فنمت، فرأيت لعثمان رضي الله عنه عينا تجري فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ذاك عمله» فقد انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم، وفي لفظ له «ما أدري وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفعل به» وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ بدليل قولها: فأحزنني ذلك، وفي هذا وأمثاله دلالة على أنه لا يقطع لمعيّن بالجنة إلا الذي نصّ الشارع على تعيينهم، كالعشرة، وابن سلام، والعميصاء، وبلال، وسراقة، وعبد الله بن عمرو ابن حرام- والد جابر- والقراء السبعين الذين قتلوا ببئر معونة، وزيد بن حارثة، وجعفر،
وابن رواحة، وما أشبه هؤلاء رضي الله عنهم.).
2 - [كلام ابن كثير حول آية شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها
.. ]
بمناسبة قوله تعالى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ قال ابن كثير: (وهذا الشاهد اسم جنس يعم عبد الله بن سلام رضي الله عنه وغيره، فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وهذه كقوله تبارك وتعالى: وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (القصص: 53). وقال: إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً* وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (الإسراء: 107 - 108) قال مسروق والشعبي: ليس بعبد الله بن سلام؛ هذه الآية مكية، وإسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه كان بالمدينة. رواه عنهما ابن جرير وابن أبي حاتم واختاره ابن جرير. وروى مالك عن عامر بن سعد عن أبيه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام رضي الله عنه، قال: وفيه نزلت وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ رواه البخاري ومسلم والنسائي). وذهب كثيرون إلى هذا، وعلى هذا الاتجاه فالآية مدنية.
3 - [كلام ابن كثير وصاحب الظلال حول آية وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ
.. ]
بمناسبة قوله تعالى وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً قال ابن كثير: (لما ذكر الله تعالى في الآية الأولى التوحيد له وإخلاص العبادة والاستقامة إليه عطف بالوصية بالوالدين كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن، كقوله عز وجل: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً (الإسراء: 23) وقال جل جلاله أَنِ
اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان: 14) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
وقال عز وجل هاهنا وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً أمرنا بالإحسان إليهما، والحنو عليهما، وروى أبو داود الطيالسي عن سعد رضي الله عنه قال: قالت أم سعد لسعد: أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين؟ فلا آكل طعاما ولا أشرب شرابا حتى تكفر بالله تعالى، فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يفتحون فاها بالعصا ونزلت هذه الآية وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً ورواه مسلم وأهل السنن إلا ابن ماجه من حديث شعبة بإسناد نحوه وأطول منه).
وقال صاحب الظلال عند قوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً ..
(فهي وصية لجنس الإنسان كله، قائمة على أساس إنسانيته، بدون حاجة إلى أية صفة أخرى وراء كونه إنسانا. وهي وصية بالإحسان مطلقة من كل شرط ومن كل قيد، فصفة الوالدية تقتضي هذا الإحسان بدون حاجة إلى أي صفة أخرى كذلك. وهي وصية صادرة من خالق الإنسان، وربما كانت خاصة بهذا الجنس أيضا. فما يعرف في عالم الطير أو الحيوان أو الحشرات وما إليها أن صغارها مكلفة برعاية كبارها. والمشاهد الملحوظ هو فقط تكليف فطرة هذه الخلائق أن ترعى كبارها صغارها في بعض الأجناس. فهي وصية ربما كانت خاصة بجنس الإنسان. وتتكرر في القرآن الكريم وفي حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم الوصية بالإحسان إلى الوالدين. ولا ترد وصية الوالدين بالأولاد إلا نادرة، ولمناسبة حالات معينة. ذلك أن الفطرة وحدها تتكفل برعاية الوالدين للأولاد، رعاية تلقائية مندفعة بذاتها لا تحتاج إلى مثير. وبالتضحية النبيلة الكاملة العجيبة التي كثيرا ما تصل إلى حد الموت- فضلا على الألم- بدون تردد.
ودون انتظار عوض، ودون منّ ولا رغبة حتى في الشكران! أما الجيل الناشئ فقلما يتلفت إلى الخلف .. قلما يتلفت إلى الجيل المضحي الواهب الفاني. لأنه بدوره مندفع إلى الأمام، يطلب جيلا ناشئا منه يضحي له بدوره ويرعاه! وهكذا تمضي الحياة!.
والإسلام يجعل الأسرة هي اللبنة الأولى في بنائه، والمحضن الذي تدرج فيه الفراخ الخضر وتكبر؛ وتتلقى رصيدها من الحب والتعاون والتكافل والبناء. والطفل الذي يحرم من الأسرة ينشأ شاذا غير طبيعي في كثير من جوانب حياته- مهما توافرت له وسائل الراحة والتربية في غير محيط الأسرة- وأول ما يفقده في أي محضن آخر غير محضن الأسرة، هو شعور الحب. فقد ثبت أن الطفل بفطرته يحب أن يستأثر وحده بأمه فترة العامين الأولين من حياته. ولا يطيق أن يشاركه فيها أحد. وفي المحاضن
الصناعية لا يمكن أن يتوفر هذا. إذ تقوم الحاضنة بحضانة عدة أطفال، يتحاقدون فيما بينهم، على الأم الصناعية المشتركة، وتبذر في قلوبهم بذرة الحقد ولا تنمو بذرة الحب أبدا. كذلك يحتاج الطفل إلى سلطة واحدة ثابتة تشرف عليه فترة من حياته كي يتحقق له ثبات الشخصية. وهذا ما لا يتيسر إلا في محضن الأسرة الطبيعي. فأما في المحاضن الصناعية فلا تتوفر السلطة الشخصية الثابتة لتغير الحاضنات بالمناوبة على الأطفال. فتنشأ شخصياتهم مخلخلة، ويحرمون ثبات الشخصية .. والتجارب في المحاضن تكشف في كل يوم عن حكمة أصيلة في جعل الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع السليم، الذي يستهدف الإسلام إنشاءه على أساس الفطرة السليم.
ويصور القرآن هنا تلك التضحية النبيلة الكريمة الواهبة التي تتقدم بها الأمومة، والتي لا يجزيها أبدا إحسان من الأولاد مهما أحسنوا القيام بوصية الله في الوالدين:
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً، وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً، وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً .. وتركيب الألفاظ وجرسها يكاد يجسم العناء والجهد والضنى والكلال: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً .. لكأنها آهة مجهد مكروب ينوء بعبء ويتنفس بجهد، ويلهث بالأنفاس! إنها صورة الحمل وبخاصة في أواخر أيامه، وصورة الوضع وطلقه وآلامه! ويتقدم علم الأجنة فإذا به يكشف لنا في عملية الحمل عن جسامة التضحية ونبلها في صورة حسية مؤثرة ..
إن البويضة بمجرد تلقيحها بالخلية المنوية تسعى للالتصاق بجدار الرحم. وهي مزودة بخاصية أكالة. تمزق جدار الرحم الذي تلتصق به وتأكله؛ فيتوارد دم الأم إلى موضعها، حيث تسبح هذه البويضة الملقحة دائما في بركة من دم الأم الغني بكل ما في جسمها من خلاصات؛ وتمتصه لتحيا به وتنمو. وهي دائمة الأكلان لجدار الرحم.
دائمة الامتصاص لمادة الحياة. والأم المسكينة تأكل وتشرب وتهضم وتمتص، لتصب هذا كله دما نقيا غنيا لهذه البويضة الشرهة النهمة الأكول! وفي فترة تكوين عظام الجنين يشتد امتصاصه للجير من دم الأم فتفتقر إلى الجير. ذلك أنها تعطي محلول عظامها في الدم ليقوم به هيكل هذا الصغير! وهذا كله قليل من كثير! ثم الوضع، وهو عملية شاقة، ممزقة، ولكن آلامها الهائلة كلها لا تقف في وجه الفطرة ولا تنسي الأم حلاوة الثمرة. ثمرة التلبية للفطرة، ومنح الحياة نبتة جديدة تعيش، وتمتد .. بينما هي تذوي وتموت!.