الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهادة أعلم بني إسرائيل على نزول مثله فآمن به، مع استكباركم عنه، وعن الإيمان به ألستم أضل الناس وأظلمهم؟!).
أقول: دلّل هذا الجواب على أن القرآن ليس مفترى؛ بمطابقة معانيه لمعاني الكتب المنزلة من قبل، يشهد على ذلك علماء بني إسرائيل المنصفون، ولكن هذه الحجة جاءت
في سياق وعظي آمرناه، فاجتمع في الآية الأخيرة الحجّة والأمر والنّهي والإنكار والتبيان والوعظ بآن واحد، لأنها مع كونها حجة جديدة وردا جديدا، فهي خاتمة للآيات التي ردت على اتهام رسول الله صلى الله عليه وسلم بافترائه هذا القرآن.
كلمة في السياق:
بعد أن أقام الله عز وجل الحجة على الكافرين في أن هذا القرآن من عنده، يعرض لنا موقفا آخر من مواقفهم تجاه القرآن، وهو موقف غاية في الكبر، إذ يستدلون على أن هذا القرآن ليس فيه خير بسبق المستضعفين إليه، وإيمانهم به، ثم يستدرجهم الكبر إلى اتهام جديد لهذا القرآن. ومن خلال هذا العرض نرى كيف أن السورة تلاحق كل ما يصرف عن العبادة لله التي توصّل إلى الاهتداء بكتاب الله، فلنر شبهة الكافرين الجديدة:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أي: عن الذين آمنوا فاللام هنا بمعنى عن لَوْ كانَ أي: القرآن خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ أي: ما سبقنا هؤلاء المستضعفون إليه. قال ابن كثير: يعنون بلالا وعمارا وصهيبا وخبابا. رضي الله عنهم، وأشباههم وأضرابهم من المستضعفين والعبيد والإماء، وما ذاك إلا لأنهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة، وله بهم عناية، وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا، وأخطئوا خطأ بيّنا، كما قال تبارك وتعالى وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا (الأنعام: 53) أي: يتعجبون كيف اهتدى هؤلاء دوننا، ولهذا قالوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وأمّا أهل السنّة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم:(هو بدعة لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها) ثم قال تعالى عن هؤلاء المستكبرين وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ أي: بالقرآن فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ أي كذب متقادم أي كذب قديم، أي مأثور عن الناس الأقدمين. فاجتمع لهم بذلك انتقاص القرآن وأهله،
وهذا دأب رافضي هدى الله في كل زمان ومكان، أنهم ينتقصون أهل الإيمان، وينتقصون مضمون القرآن. مرضا في العقل، وعمى في القلب.
قال صاحب الظلال: (ولقد سارع إلى الإسلام وسبق إليه نفر من الفقراء والموالي في أول الأمر. فكان هذا مغمزا في نظر الكبراء المستكبرين. وراحوا يقولون: لو كان هذا الدين خيرا ما كان هؤلاء أعرف منا به، ولا أسبق منا إليه. فنحن في مكانتنا وسعة إدراكنا وحسن تقديرنا، أعرف بالخير من هؤلاء.
والأمر ليس كذلك. فما كان يمنعهم عنه أنهم يشكون فيه أو يجهلون الحق الذي يقوم عليه. والخير الذي يحتويه. إنما كان هو الكبر عن الإذعان لمحمد صلى الله عليه وسلم كما كانوا يقولون- وفقدان المراكز الاجتماعية، والمنافع الاقتصادية، كما كان هو الاعتزاز الأجوف بالآباء والأجداد، وما كان عليه الآباء والأجداد. فأما الذين سارعوا إلى الإسلام وسبقوا إليه فلم تكن في نفوسهم تلك الحواجز التي منعت الكبراء والأشراف.
إنه الهوى يتعاظم أهل الكبر أن يذعنوا للحق، وأن يستمعوا لصوت الفطرة، وأن يسلموا بالحجة. وهو الذي يملي عليهم العناد والإعراض، واختلاق المعاذير، والادعاء بالباطل على الحق وأهله. فهم لا يسلمون أبدا أنهم مخطئون؛ وهم يجعلون من ذواتهم محورا للحياة كلهم يدورون حوله ويريدون أن يديروا حوله الحياة: إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ: هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ.
وقد ردّ الله عز وجل عليهم مبينا أن الكتاب القديم الذي أنزله- وهو التوراة- لم يكن كذبا، بل هو إمام ورحمة وهذا القرآن مصدق له، ومن ثم فهو إمام ورحمة، وبشير ونذير، وليس كما زعموه، والملاحظ أنهم هاهنا لم يوجهوا تهمة الكذب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وجهوا الاتهام لمضمون القرآن، فانصب الردّ على ذلك، قال تعالى: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى أي: التوراة إِماماً وَرَحْمَةً أي: قدوة يؤتم به في دين الله وشرائعه، كما يؤتم بالإمام، ورحمة لمن آمن به وعمل بما فيه وَهذا أي: والقرآن كِتابٌ مُصَدِّقٌ أي: لما بين يديه من الكتب لِساناً عَرَبِيًّا أي:
باللسان العربي، وأما مضمونه فموجود في الكتب السابقة. قال ابن كثير: (أي:
فصيحا بيّنا واضحا) لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي: لينذر هذا القرآن العربي الكافرين وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ أي: وليبشر المؤمنين المطيعين. فكتاب اجتمع له التصديق للكتب السابقة، والإعجاز والتبشير والإنذار، ليس من الإفك القديم، بل من الحق