الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يحذرون منه، بل هو عندهم هزر لا يعبئون به، بينما هو كائن لا محالة، وواقع لا ريب فيه، أقول: وهذه هي العلّة الكبرى فإنّ كلّ سوء في المواقف والأقوال أثر عن الكفر باليوم الآخر، أو الشك فيه، أو الغفلة عنه، ثم قال تعالى، مقرّرا أنه على كل شئ قدير، وبكل شئ محيط، فإقامة الساعة يسيرة عليه سهلة لديه: أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ أي: المخلوقات كلها تحت قهره وفي قبضته، وتحت طيّ علمه، وهو المتصرّف فيها كلها بحكمه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. قال النسفي: أي: عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها، وظواهرها وبواطنها، فلا تخفى عليه خافية، فيجازيهم على كفرهم ومريتهم في لقاء ربهم. أقول: في ختم السورة بهذا النص، تهديد لهؤلاء الكافرين على مواقفهم وأقوالهم، وشكّهم ورفضهم. وبهذا انتهت السورة.
كلمة في السياق: [حول صلة المجموعة العاشرة بالمحور]
وهكذا أقام الله عز وجل الحجة على الكافرين من خلال مضمون الدعوة، ومن خلال ما يترتّب على مواقفهم من تناقضات واستحالات، ومن خلال إثبات أن هذا القرآن من عند الله. ثم إن السورة حذّرت وأنذرت، وبشّرت وبيّنت وعلّلت بما يخدم هذه المعاني، وفي الوقت نفسه ربّت الذين يسمعون لهذا القرآن والمؤمنين به على كثير من المعاني العملية، كما عرّفت على بعض آثار العبادة من استقامة واستعاذة، وصبر وطاعة، ولذلك كله ارتباطه بمحور السورة، وفي الكلمة الأخيرة عن السورة مزيد
بيان فلننقل بعض فوائد عن السورة.
الفوائد:
1 - [كلام ابن كثير عن الحادثة التي تلا فيها النبي صلى الله عليه وسلم بداية السورة على عتبة بن ربيعة]
بمناسبة الكلام عن بداية سورة (فصّلت) يذكر بعض المفسّرين الحادثة التي تلا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه البداية على عتبة بن ربيعة وهذه هي. قال ابن كثير:
روى الإمام العالم عبد بن حميد في مسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
اجتمعت قريش يوما فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي قد فرّق جماعتنا وشتت أمرنا، وعاب ديننا فليكلمه، ولننظر ماذا يردّ عليه، فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: أنت يا أبا الوليد، فأتاه عتبة، فقال: يا محمد أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد
عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، وإنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك، فرّقت جماعتنا، وشتّت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا، وأن في قريش كاهنا، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى، أيها الرجل: إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا وأخذا، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوّجك عشرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فرغت؟» قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حتى بلغ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فقال عتبة: حسبك حسبك ما عندك غير هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا» فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمون به إلا كلمته، قالوا: فهل أجابك؟ قال: نعم لا والذي نصبها بنية ما فهمت شيئا مما قاله غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، قالوا: ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: لا والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة. وكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده، وقد ساقه البغوي في تفسيره بسنده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه فذكر الحديث إلى قوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فأمسك عتبة على فيه، وناشده بالرحم ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش، واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: يا معشر قريش، والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد، وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، فانطلقوا بنا إليه، فانطلقوا إليه فقال أبو جهل: يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبأت إلى محمد وأعجبك طعامه، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب عتبة وأقسم أن لا يكلم محمدا، أبدا، وقال: والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا، ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء، والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وقرأ السورة إلى قوله تعالى فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فأمسكت فيه وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخشيت أن ينزل بكم العذاب. وهذا السياق أشبه من سياق البزار وأبي يعلى والله تعالى أعلم، وقد أورد هذه القصة الإمام محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة على خلاف هذا النمط فقال: حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة- وكان سيدا- قال يوما وهو