الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في سورة الزمر ومحورها:
تبدأ السورة بمقدمة هي آية واحدة وهي قوله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (الآية: 1). ثم يأتي قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (الآية: 2).
ثم تسير السورة حتى نهاية الآية 40 ثم يأتي قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (الآية: 41). ثم تسير السورة إلى نهايتها.
فكأن السورة تتألف من مقدمة ومقطعين كل مقطع مبدوء بقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا ....... *.
والصلة بين بدايتي المقطعين ومقدمة السورة واضحة؛ إذ يشترك الجميع في وجود معنى التنزيل. وفي المقطع الأول تجد قوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ .. (الآية: 23). وتجد وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (الآيتين: 27، 28).
وفي المقطع الثاني تجد قوله تعالى: وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (الآية: 71).
وهذا يشير إلى أن الكلام عن القرآن وكونه منزلا من عند الله عز وجل موضوع رئيسي في السورة، ونلاحظ أن هناك آيات في السورة مبدوءة بلفظ الجلالة:
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ
…
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ....
اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ.
مما يشير إلى أن الكلام عن الله عز وجل منزل هذا القرآن موضوع رئيسي من مواضيع السورة.
ونلاحظ أن موضوع العبادة يتكرّر في السورة كثيرا:
فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ.
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ....
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي ....
قُلْ يا عِبادِيَ ....
قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ ....
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ ....
مما يشير إلى أنّ هناك صلة بين معرفة الله وعبادته وإنزاله القرآن.
فلنتذكر الآن بعض معان في سورة يونس:
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ* أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ
مُبِينٌ* إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ.
لاحظ وجود اسم الله (الحكيم) في الآية الأولى من السورتين، ولاحظ الأمر (فاعبد) في أوائل سورة الزمر، والأمر (فاعبدوه) في أوائل سورة يونس، ثم لاحظ خاتمة سورة يونس. قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ. وصلة ذلك بقوله تعالى في سورة الزمر:
إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (الآية: 41).
من خلال ذلك ندرك أن هناك صلة بين السورتين، وأنّ سورة الزمر تبني على سورة يونس، وتفصّل في محورها، ومن المعلوم أن سورة يونس فصّلت في الآية الأولى
من سورة البقرة، أي: في قوله تعالى: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ.
وقد كنا رأينا من قبل أن سورة الصافات فصّلت في الآيات الأربع الأولى التي وصفت المتقين من سورة البقرة، ونلاحظ أن سورة الصافات ختمت بقوله تعالى:
وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
كما نلاحظ أن سورة الزمر ختمت بقوله تعالى وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
وهذه الخاتمة كذلك تجعلنا نستأنس أن سورة الزمر تفصّل في ما فصلت فيه سورة الصافات، أي في الآيات الأولى من سورة البقرة.
إن تفصيل سورة الزمر ينصبّ على المحور الذي فصلته سورة يونس، وهو قوله تعالى الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ إلا أن التفصيل الموجود في سورة الزمر يكمّل التفصيل الموجود في سورة يونس، فإذا كان الكلام في سورة يونس انصب على نفي الريب عن هذا القرآن بنفي كل ما يؤدي إليه، وتقرير أن هذا القرآن هدى، فإن سورة الزمر ينصب الكلام فيها على أن هذا القرآن منزّل من عند الله، وعلى تعريفنا على الله منزّل هذا القرآن، وعلى ما يترتب على كون هذا القرآن من عند الله: من عبادة لله، وصياغة للسلوك والأفكار على ضوء ذلك، إلى غير ذلك من المواضيع التي سنراها
ونلاحظ في السورة بشكل واضح كثرة الآيات المبدوءة باستفهام:
أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً
…
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ ....