الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون أم بمعنى بل وهمزة الاستفهام فيكون المعنى: بل ثبت عندكم واستقر أني أنا خير من موسى الضعيف العييّ. قال ابن كثير: وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون- لعنه الله- بذلك أنه خير من موسى عليه الصلاة والسلام، وقد كذب في قوله كذبا بيّنا واضحا، وسننقل في الفوائد ما قاله ابن كثير في إبطال كلام فرعون في حق موسى
فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ الأسورة: هي ما يجعل في الأيدي من الحلي أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ يكتنفونه خدمة له ويشهدون بتصديقه قال ابن كثير: (نظر إلى الشكل الظاهر ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر إليه لو كان يفهم) وقال النسفي: (أراد بإلقاء الأسورة عليه إلقاء مقاليد الملك إليه لأنهم كانوا إذا أرادوا تسويد الرجل سوّروه بسوار وطوّقوه بطوق ذهب).
أقول: هذا الذي قاله النسفي يحتمل، ويحتمل أنه أراد إنزال الأسورة عليه من باب المعجزات، وإعطاء الله عز وجل له الغنى والجاه العريض؛ بدليل اقتراحه إنزال الملائكة يمشون معه مقترنا بعضهم ببعض ليكونوا أعضاده وحاشيته وأنصاره وأعوانه
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ قال ابن كثير: أي: استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له وقال النسفي: أي: استفزهم بالقول واستنزلهم وعمل فيهم كلامه فأطاعوه إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ أي: خارجين عن دين الله
فَلَمَّا آسَفُونا أي: أغضبونا وأسخطونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ قال النسفي: ومعناه أنهم أفرطوا في المعاصي فاستوجبوا أن نعجّل لهم عذابنا وانتقامنا وألّا نحلم عنهم
فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً أي: سالفين لمثل من عمل بعملهم وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ أي: عبرة لمن بعدهم. قال النسفي: (أي: وحديثا عجيب الشأن سائرا مسير المثل يضرب بهم الأمثال، ويقال مثلكم مثل قوم فرعون لِلْآخِرِينَ لمن يجئ بعدهم، ومعناه: فجعلناهم قدوة للآخرين من الكفار يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم ونزوله بهم لإتيانهم بمثل أفعالهم ومثلا يحدثون به).
كلمة في السياق: [حول تبيان المراد الرئيسي من الآيات وصلة بداية المقطع ببداية السورة والمحور]
1 -
دلت الآيات أن مضمون دعوة رسل الله السابقين هو التوحيد، وأرتنا الآيات أنه مع كل الآيات كفر فرعون وقومه. وأنهم بذلك استحقوا العذاب، وبهذا أدّت الآيات أكثر من خدمة للسياق والمحور، فكانت نموذجا على مضمون رسالات الله،
وهذا هو المراد الرئيسي في سياقها بدليل سبقها بقوله تعالى: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ. وكانت نموذجا على ما ورد في أول السورة: وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ* وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ* فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ لاحظ الصلة بين هذه الآيات وما ورد هاهنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ، فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ثم لاحظ صلة بداية المقطع الثاني ببداية المقطع الأول: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ .. ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ.
وهكذا تجد كيف تتجسّد في السورة الخصائص التي ذكرت عن القرآن في كونه مبينا، وكونه عليا، وكونه حكيما، وكونه مذكرا.
وأما صلة القصة بمحور السورة فمن أكثر من جهة: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا مع أن مضمونه هو مضمون رسالات الله، ومع ملاحظة ما أصاب المكذبين بهذه الرسالات فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ
…
2 -
وبعد قصة موسى عليه السلام وفرعون يأتي قوله تعالى: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ.
لاحظ صلة ذلك ببداية المقطع وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ.
ولاحظ صلة ذلك ببداية السورة أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ وصلة ذلك في المحور وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا .. فلنر الآيات:
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا من قبل الكافرين في كونه عبد من دون الله، وذلك دليل في زعم الكافرين أنه في النار بناء على ما ورد في سورة الأنبياء أنهم وما يعبدون من دون الله حصب جهنم، فهذا عيسى يعبد من دون الله. فاستدلوا بذلك على أن القرآن ليس مستقيم العبارة وأنه .. وأنه .. وأنه .. وبنوا عليه: ما دام عيسى على رأي القرآن في النار- وليس ذلك معقولا- فآلهتهم ليست في النار، وبالتالي فالقرآن ليس صحيح المضمون. وسنرى في الفوائد عند ذكر سبب نزول هذه الآية، من الذي ضرب هذا المثل من الكافرين، وما قصة ذلك. والذي نذكره هنا هو أن المشركين بنوا على هذا
الموضوع الكثير، ورتبوا عليه ضرورة الثبات على كفرهم وصدودهم عن الحق، ومن ثم قال تعالى: إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ أي: من هذا المثل يَصِدُّونَ أي: يرتفع لهم جلبة وضجيج فرحا وضحكا. أو يصدون عن الحق ويعرضون عنه.
وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ قال النسفي: يعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى؛ فإذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا هينا، وأعاد ابن كثير الضمير (هو) على محمد صلى الله عليه وسلم بمعنى أآلهتنا خير أم محمد تثبيتا لأنفسهم على الشرك، وإثارة لبعضهم بعضا على البقاء وعلى ما هم عليه ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا أي: ما ضربوا لك هذا المثل إلا لأجل الجدل والغلبة في القول، لا لطلب الميز بين الحق والباطل، قال ابن كثير: أي: مراء وهم يعلمون أنه ليس بوارد على الآية؛ لأنها لما لا يعقل، وهي قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ثم هي خطاب لقريش، وهم إنما كانوا يعبدون الأصنام والأنداد ولم يكونوا يعبدون المسيح حتى يوردوه، فتعيّن أن مقالتهم إنما كانت جدلا منهم ليسوا يعتقدون صحتها بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ أي: لداد شداد الخصومة دأبهم اللجاج
إِنْ هُوَ أي: ما عيسى إِلَّا عَبْدٌ كسائر العبيد أَنْعَمْنا عَلَيْهِ بالنبوة وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ أي: وصيّرناه عيرة عجيبة كالمثل السائر لبني إسرائيل قال ابن كثير: أي دلالة وحجة وبرهانا على قدرتنا على ما نشاء.
ثم قال تعالى: وَلَوْ نَشاءُ لقدرتنا على عجائب الأمور لَجَعَلْنا مِنْكُمْ أي: لبدّلنا منكم يا رجال مَلائِكَةً يخلفونكم ومن ثم قال: فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ أي: كما يخلفكم أولادكم قال النسفي: أي: كما ولّدنا عيسى من أنثى من غير فحل لتعرفوا تميّزنا بالمقدرة الباهرة فلتعلموا أن الملائكة أجسام لا تتولد إلا من أجسام، والقديم متعال عن ذلك. وهذا الذي ذكرناه في تفسير الآية. هو أحد اتجاهين ذكرهما النسفي، وعلى هذا القول فالآية تدلّل على قدرة الله، وعلى انفراده بالوحدانية، وأن الملائكة وعيسى ليسوا إلا عبيدا لله. وعلى هذا فالآية تخدم السياق الخاص للمقطع الثاني، وتخدم ما ورد في المقطع الأول من كون الملائكة عبيدا لله. وأما القول الثاني في تفسير الآية فهو: ولو نشاء لجعلنا بدلكم ملائكة في الأرض يخلف بعضهم بعضا، وفي هذا تهديد لأهل الأرض بإهلاكهم وفيه تحذير لقريش من تماديها في مثل هذا الكفر، وجرأتهم عليه. وبهذا ينتهي المقطع.