الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد [حول آيات السورة]:
1 - [كلام ابن كثير والألوسي حول آية إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ]
بمناسبة قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرا عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة وهي ليلة القدر كما قال عز وجل إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (القدر: 1) وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (البقرة: 185) وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته، ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة؛ فإن نصّ القرآن أنها في رمضان، والحديث الذي رواه عبد الله ابن صالح عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى» فهو حديث مرسل ومثله لا يعارض به النصوص).
قال الألوسي: (ووصف الليلة بالبركة لما أن إنزال القرآن مستتبع للمنافع الدينية والدنيوية بأجمعها، أو لما فيها من تنزل الملائكة والرحمة، وإجابة الدعوة، وفضيلة العبادة أو لما فيها من ذلك، وتقدير الأرزاق، وفصل الأقضية كالآجال وغيرها.
(والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملة إلى السماء الدنيا من اللوح فالإنزال المنجم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا وروي هذا عن ابن جرير وغيره، وذكر أن المحل الذي أنزل فيه من تلك السماء البيت المعمور وهو مسامت للكعبة بحيث لو نزل لنزل عليها). أقول: بدأ الإنزال المنجم في رمضان كذلك.
2 - [تحقيق ابن كثير لتفسير آيتي الدخان والبطشة الكبرى]
ذكرنا أن هناك اتجاهين للمفسرين في أمر الدخان والبطشة الكبرى المذكورين في سورة الدخان. ورأينا أن ابن مسعود يرى أن الدخان قد مر. وأن البطشة الكبرى هي ما كان يوم بدر، وأن ابن عباس يرى أن الدخان لم يأت، وهو من علامات الساعة. وأن البطشة الكبرى هي يوم القيامة. ورأي ابن عباس هو الذي رجحه ابن كثير: فلنر تحقيق ابن كثير. قال عند قوله تعالى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ.
(قال سليمان بن مهران الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صبيح عن مسروق قال: دخلنا المسجد- يعني مسجد الكوفة- عند أبواب كندة فإذا رجل يقصّ على
أصحابه يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ تدرون ماذا الدخان؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام، قال: فأتينا ابن مسعود رضي الله عنه فذكرنا ذلك له وكان مضطجعا. ففزع فقعد وقال: إن الله عز وجل قال لنبيكم صلى الله عليه وسلم قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: الله أعلم، سأحدثكم عن ذلك: إن قريشا لما أبطأت عن الإسلام، واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان. وفي رواية فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد قال الله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ فأتى رسول الله صلّى
الله عليه وسلم فقيل له: يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت، فاستسقى صلى الله عليه وسلم لهم فسقوا، فنزلت إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ قال ابن مسعود رضي الله عنه: فيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله عز وجل يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ قال: يعني يوم بدر، قال ابن مسعود رضي الله عنه:
فقد مضى خمسة: الدخان والروم والقمر والبطشة واللزام، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ورواه الإمام أحمد في مسنده، وهو عند الترمذي والنسائي في تفسيرهما، وعند ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق متعددة عن الأعمش به، وقد وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسير الآية بهذا- وأن الدخان مضى- جماعة من السلف كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي وهو اختيار ابن جرير. وروى ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن الأعرج في قوله عز وجل يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ قال: كان يوم فتح مكة، وهذا القول غريب جدا بل منكر. وقال آخرون: لم يمض الدخان بعد، بل هو من أمارات الساعة كما تقدم من حديث أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة، ونحن نتذاكر الساعة فقال صلى الله عليه وسلم:«لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى ابن مريم، والدجال، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس- أو تحشر الناس- تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا» تفرد بإخراجه مسلم في صحيحه وفي الصحيحين أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد: «إني خبأت لك خبأ» قال: هو الدخ؟ فقال صلى الله عليه وسلم له: «اخسأ فلن تعدو قدرك» قال: وخبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ وهذا فيه إشعار بأنه من المنتظر المرتقب، وابن صياد كاشف على طريقة الكهّان بلسان الجان، وهم يقرظون العبارة، ولهذا قال: هو الدخ يعني الدخان، فعندها عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مادته، وأنها شيطانية، فقال صلى الله عليه وسلم «اخسأ فلن تعدو قدرك» ثم روى ابن جرير: عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أول الآيات الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تقيل معهم إذا قالوا، والدخان» قال حذيفة رضي الله عنه: يا رسول الله وما الدخان؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية:
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ «يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوما وليلة، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره» وقال ابن جرير لو صح هذا الحدث لكان فاصلا، وإنما لم أشهد له بالصحة، لأن محمد بن خلف العسقلاني حدثني أنه سأل روّادا- أحد رواة الحديث- عن هذا الحديث هل سمعه من سفيان؟ فقال له: لا، قال: فقلت: أقرأته عليه؟ قال: لا. قال: فقلت له، أقرئ عليه وأنت حاضر؟ فقال: لا، فقلت: من أين جئت به؟ فقال: جاءني به قوم فعرضوه علي وقالوا لي اسمعه منا فقرءوه عليّ ثم ذهبوا فحدثوا به عني أو كما قال، وقد أجاد ابن جرير في هذا الحديث هاهنا فإنه موضوع بهذا السند وروى ابن جرير عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم أنذركم ثلاثا:
الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه، والثانية الدابة، والثالثة الدجال» رواه الطبراني بإسناد جيد وروى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يهيج الناس بالدخان، فأما المؤمن فيأخذه كالزكمة، وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه» .
وروى بن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه قال: لم تمض آية الدخان بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، وتنفخ الكافر حتى ينفذ» وروى ابن جرير من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: يخرج الدخان فيأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ويدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ أي: المشوي على الرضف، وروى ابن جرير عن عبد الله ابن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عباس رضي الله عنهما ذات يوم فقال:
ما نمت الليلة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت. وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه، وإسناده صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما، التي أوردوها بما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة مع أنه ظاهر القرآن، قال الله تبارك وتعالى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ أي: بيّن واضح يراه كل أحد، وعلى ما فسره به ابن مسعود رضي الله عنه إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد وهكذا قوله تعالى يَغْشَى النَّاسَ أي: يتغشاهم ويعميهم، ولو كان أمرا خياليا يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه يَغْشَى النَّاسَ وقوله تعالى هذا عَذابٌ أَلِيمٌ أي: يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا كقوله عز وجل يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا* هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (الطور: 13، 14) أو يقول بعضهم لبعض ذلك، وقوله سبحانه وتعالى:
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أي: يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم كقوله جلت عظمته: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (الأنعام: 27) وكذا قوله جل وعلا: وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (إبراهيم: 44) وهكذا قال جل وعلا هاهنا:
أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ* ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ يقول: كيف لهم بالتذكر وقد أرسلنا إليهم رسولا بيّن الرسالة والنذارة ومع هذا تولّوا عنه وما وافقوه بل كذبوه، وقالوا معلّم مجنون، وهذا كقوله جلت عظمته يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (الفجر: 23) الآية كقوله عز وجل وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ
وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ* وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ
(سبأ: 51، 52) إلى آخر السورة).
وقال ابن كثير في قوله تعالى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ:
(فسر ذلك ابن مسعود رضي الله عنه بيوم بدر، وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود رضي الله عنه على تفسيره الدخان بما تقدم، وروى أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما من رواية العوفي عنه وعن أبي بن كعب رضي الله عنه وهو محتمل، والظاهر أن ذلك