الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كلام الألوسي وصاحب الظلال في سورة الزخرف:]
قال الألوسي في سورة الزخرف: (مكية كما روي عن ابن عباس، وحكى ابن عطية إجماع أهل العلم على ذلك ولم ينقل استثناء، وقال مقاتل: إلا قوله تعالى:
وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا فإنها نزلت ببيت المقدس، كذا في مجمع البيان، وفي الإتقان: نزلت بالسماء، وقيل: بالمدينة. وعدد آيها ثمانون في الشامي وتسع وثمانون في غيره، ووجه مناسبة مفتتحها لمختتم ما قبلها ظاهر).
وقال صاحب الظلال: (تعرض هذه السورة جانبا مما كانت الدعوة الإسلامية تلاقيه من مصاعب وعقبات، ومن جدال واعتراضات. وتعرض معها كيف كان القرآن الكريم يعالجها في النفوس، وكيف تقرر- في ثنايا علاجها- حقائقه وقيمه في مكان الخرافات والوثنيات والقيم الجاهلية الزائفة، التي كانت قائمة في النفوس إذ ذاك، ولا
يزال جانب منها قائما في النفوس في كل زمان ومكان).
كلمة في سورة الزخرف ومحورها:
قلنا عن سورة يوسف إن محورها هو قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ.
وقد رأينا أن سورة يوسف بدأت بقوله تعالى: الر* تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ .... لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ
…
وختمت بقوله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ* ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
ومن البداية والنهاية في سورة يوسف تشعر أن التفصيل انصب على معان بوجودها ينتفي الريب عن هذا القرآن، ويظهر عجز البشر عن الإتيان بسورة من مثل هذا القرآن، ومن ثم فالتفصيل للمحور كان لمعنى من معانيه، أو لإثبات معنى مرتبط به- وهو تبيان خصائص ما نزّل الله على عبده- بحيث ينتفي الريب، ويثبت الإعجاز بشكل محس لذي العقل واللب.
لاحظ الصلة بين قوله وتعالى في محور سورة يوسف من سورة البقرة: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا وبين ما ذكره الله عز وجل في سورة يوسف: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .. تجد أن التفصيل مركّز على معنى مستكن في المحور.
لاحظ الآن الصلة بين قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا ..
وبين بداية سورة الزخرف حم* وَالْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ فإنّك تلاحظ منذ الابتداء أن السورة تتحدث عن خصائص هذا القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بما ينفي الريب والشك، كما تجد تشابها كاملا بين بداية سورة الزخرف وبداية سورة يوسف بما يؤكد وحدة المحور.
تتألف سورة الزخرف من مقدمة هي ثلاث آيات:
حم* وَالْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
…
ثم تأتي ثلاثة مقاطع كل مقطع مبدوء بقوله تعالى وَإِنَّهُ .. ، الأول: وَإِنَّهُ أي القرآن فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ والثاني: وَإِنَّهُ أي القرآن لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ .. الثالث وَإِنَّهُ أي القرآن- على رأي الحسن البصري وسعيد بن جبير- لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ
…
إنك تجد من بدايات المقاطع هذه أنّ الكلام منصب على خصائص هذا القرآن، وتجد فيها دعوة إلى الإيمان به، والتسليم له، والعمل به، فضلا عن نفي الريب عنه، فالسورة تخدم ما خدمته سورة يوسف.
إن موضوع المحور لا يستدعي تفصيلا كبيرا. وإنما يستدعي تأكيدا لمضمونه، وتدليلا على كمال هذا القرآن وإعجازه، وتبيانا لخصائصه وظواهره. وهذا الذي نجده في سورتي يوسف والزخرف.
وإذا كانت سورة الزخرف في سياقها العام تؤدي هذه الخدمة فإن لها سياقها الخاص الذي يؤدي خدمة أخرى. فكل آية وكل مجموعة تؤدي دورها على طريق الهداية.