الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوسّع على من يشاء، ويضيّق على من يشاء، وله الحكمة والعدل التام إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فهو يعطي بعلم ويمنع بعلم.
كلمة في السياق: [
حول بعض حكم إنزال القرآن]
نلاحظ أنّ الله عز وجل قد بيّن لنا في هذه الآيات بعض حكم إنزال القرآن: منها إنذار الخلق. وكذلك الحكم في كل خلاف يقع بين الناس. وعرّفنا الله عز وجل على ذاته بما يدلّل على ذلك، ويعلّل له. وقد ذكر لنا نموذجا على الاختلاف بين الخلق في قضية الكفر والإيمان، والشرك والتوحيد. وفي الآية اللاحقة يبيّن لنا أنّ ما شرعه في هذا الدين هو شرعه في رسالاته كلها.
شَرَعَ لَكُمْ أي: بيّن وأظهر لكم مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أي: شرع لكم من الدين، دين نوح ومحمد ومن بينهما من الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-. ثمّ فسّر الشرع الذي اشترك هؤلاء الأعلام من رسله فيه بقوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ أي: دين الإسلام وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ أي: ولا تختلفوا في الدين. قال ابن كثير: أي: أوصى الله تعالى- جميع الأنبياء- عليهم السلام بالائتلاف والجماعة، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف. قال النسفي: قال علي- رضي الله عنه: لا تتفرقوا، فالجماعة رحمة، والفرقة عذاب. أقول: هذا يدلّ على أنّ هذه السورة تتحدّث عن جماعة المسلمين.
كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ أي: عظم على المشركين وشقّ عليهم ما تدعوهم إليه، من إقامة الإسلام، والوحدة فيه وبه اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ قال النسفي: أي: يجتلب ويجمع إليه بالتوفيق والتسديد من يشاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ أي: من يقبل على طاعته. قال ابن كثير: أي: هو الذي يقدّر الهداية لمن يستحقها، ويكتب الضلالة على من آثرها على طريقة الرشد أقول: دلّت الآية على أن صفة الإنابة تجعل صاحبها مظنة الرشد والهداية.
كلمة في السياق:
لخّص الله- عز وجل في هذه الآية مضمون شريعته في كل العصور، وهي إقامة دينه، والاجتماع على ذلك. فدين الله شريعة وجماعة. وسنرى في هذه السورة
مواصفات الجماعة. وإن غياب هذا المعنى عن المسلمين من أخطر ما يواجههم، وما يقعون فيه. وقد بينت الآية أن المشركين يشقّ عليهم ويعظم أن يقبلوا هذا الدين، وأن يعملوا لإقامته، وأن يجتمعوا على ذلك، ومن تأمّل ما عليه أحزاب الضلالة رأى مصداق ذلك. ثم بعد أن بيّن موقف المشركين فقد بيّن حال أهل الكتاب الأوائل إذ تفرّقوا واختلفوا فحطّموا أحد مظهري دين الله، وهو الجماعة. وأن الأواخر منهم الذين ورثوا الكتاب شاكّون أصلا في هذا الكتاب، وبالتالي فلا إقامة لدين الحق، ولا اجتماع عليه.
وَما تَفَرَّقُوا قال النسفي: أي: أهل الكتاب بعد أنبيائهم إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ قال النسفي: إلا من بعد أن علموا أن الفرقة ضلال، وأمر متوعد عليه على ألسنة الأنبياء- عليهم السلام بَغْياً بَيْنَهُمْ أي: حسدا وطلبا للرئاسة، والاستطالة بغير حق. قال ابن كثير: أي: إنما كان مخالفتهم للحق بعد بلوغه إليهم، وقيام الحجة عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغي والعناد والمشاقّة وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى هو يوم القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي: فصل بينهم في الدنيا. قال النسفي: أي: لأهلكوا حين افترقوا، لعظم ما اقترفوا. وقال ابن كثير:
أي: لولا الكلمة السابقة من الله تعالى، بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد، لعجّل عليهم العقوبة في الدنيا سريعا. أقول: الذي يستحق العذاب هم الخارجون على الجماعة أي الخارجون عن الحق والباغون على أهله وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ أي: من بعد جيل الخلاف لَفِي شَكٍّ مِنْهُ قال النسفي: أي: من كتابهم لا يؤمنون به حقّ الإيمان مُرِيبٍ أي: موغل في الريبة. قال ابن كثير:
(يعني الجيل المتأخر بعد القرن الأول، المكذّب للحق لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ أي:
ليسوا على يقين من أمرهم وإيمانهم، وإنّما هم مقلّدون لآبائهم وأسلافهم بلا دليل ولا برهان، وهم في حيرة من أمرهم وشك مريب وشقاق بعيد).
ولشك أهل الكتاب وتفرقهم واختلافهم، وأمام استكبار المشركين عن إقامة الإسلام والاجتماع عليه، يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأوامر قال تعالى: فَلِذلِكَ قال النسفي: فلأجل ذلك التفرق، ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعبا. وقال ابن كثير: أي: فللذي أوحينا إليك من الدين الذي وصّينا به جميع المرسلين قبلك، أصحاب الشرائع الكبار المتبعة كأولي العزم وغيرهم فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أي: فادع إلى دين الله والاجتماع عليه، واستقم