الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن كثير: (قال الجمهور من العلماء طريق المغتاب للناس في توبته أن يقلع عن ذلك ويعزم على أن لا يعود، وهل يشترط الندم على ما فات؟ فيه نزاع، وأن يتحلل من الذي اغتابه وقال آخرون لا يشترط أن يتحلله؛ فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه، فطريقه إذا أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها، وأن يرد عنه الغيبة بحسبه وطاقته لتكون تلك بتلك، كما روى الإمام أحمد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله تعالى إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مؤمنا بشيء يريد سبه حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال» وكذا رواه أبو داود من حديث عبد الله بن المبارك به بنحوه. وروى أبو داود أيضا عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنهما يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله تعالى في مواطن يحب فيها نصرته، وما من امرئ ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من حرمته إلا نصره الله عز وجل في مواطن يحب فيها نصرته» تفرد به أبو داود).
15 - [كلام ابن كثير والنسفي والمؤلف حول آية .. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ
.. ]
بمناسبة قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ قال ابن كثير: وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى البخاري عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند الله أتقاهم» قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: «فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله ابن خليل الله» قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: «فعن معادن العرب تسألوني؟» قالوا: نعم قال: «فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا» وقد رواه البخاري في غير موضع من طرق عن عبدة بن سليمان، ورواه النسائي في التفسير من حديث عبيد الله وهو ابن عمر العمري به. (حديث آخر)، روى مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم
ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ورواه ابن ماجه (حديث آخر) روى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله» تفرد به أحمد رحمه الله (حديث آخر) وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني عن حبيب بن خراش العصري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
«المسلمون إخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى» (حديث آخر) روى أبو بكر البزار في مسنده عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان» . ثم قال: لا نعرفه عن حذيفة إلا من هذا الوجه (حديث آخر) روى ابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمحجن في يده، فما وجد لها مناخا في المسجد حتى نزل صلى الله عليه وسلم على أيدي الرجال فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم على راحلته فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال:«يا أيها الناس إن الله تعالى قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية، وتعظمها بآبائها، فالناس رجلان: رجل برّ تقي كريم على الله تعالى. ورجل فاجر شقي هين على الله تعالى، إن الله عز وجل يقول يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم» هكذا رواه عبد بن حميد (حديث آخر) روى الإمام أحمد، عن عقبة بن عامر رضي الله عنهما، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أنسابكم هذه ليست بمنسبة على أحد، كلكم بنو آدم طف الصاع لم تمنعوه، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين وتقوى، وكفى بالرجل أن يكون بذيا بخيلا فاحشا» وقد رواه ابن جرير عن ابن لهيعة به ولفظه: «الناس لآدم وحواء طف الصاع لم يملئوه. إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة، إن أكرمكم عند الله أتقاكم» . وليس هو في شئ من الكتب الستة من هذا الوجه (حديث آخر) روى الإمام أحمد عن درة بنت أبي لهب رضي الله عنها قالت: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال صلى الله عليه وسلم «خير الناس أقراهم وأتقاهم لله عز وجل، وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم» (حديث آخر) روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ من الدنيا ولا أعجبه أحد قط إلا ذو تقى. تفرد به أحمد).
وبمناسبة الآية المذكورة قال النسفي: (الشعب الطبقة الأولى من الطبقات الست التى عليها العرب: وهي الشعب، والقبيلة، والعمارة، والبطن، والفخذ، والفصيلة.
فالشعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطن تجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل. خزيمة الشعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة،
وقصي بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة، وسميت الشعوب؛ لأن القبائل تشعبت منها).
وبمناسبة هذه الآية أقول: لقد حددت الآية الحكمة من خلق الله عز وجل الناس شعوبا وقبائل بأنها التعارف، وهذا يقرر واقعا أن هناك شعوبا وقبائل، ويلغي أن يكون لشعب فضل عند الله بسبب كونه شعب كذا أو قبيلة كذا، وإنما الفضل عند الله ميزانه التقوى، فالناس يتفاوتون عند الله بقدر تفاوتهم في تقواهم، ولا تنفي الآية أن يكون لشعب ميزة أو خصائص، ولكن هذه الميزة والخصائص بسبب من استعداد هذا الشعب للتقوى، والتزامه بها، فالله عز وجل قال عن بني إسرائيل وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (الدخان: 32) أي: على عالمي زمانهم؛ وذلك بسبب استعدادهم الأعلى في زمانهم للتقوى، وبسبب من كونهم أكثر الناس التزاما بما أنزل عليهم في زمانهم، والله عز وجل اختار العرب- وقريش من العرب- لحمل رسالته الأخيرة الخاتمة بسبب استعدادهم الأعلى لذلك، فشرّفهم بالرسالة فقال تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ (الزخرف: 44) وبسبب علمه تعالى أنهم أكثر الناس التزاما بهذه الرسالة، وقدرة على حملها، ومن ثم حذّرهم في حال توليهم أنّه سيستبدل لحمل رسالته غيرهم وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (محمد:
38) وبهذه المناسبة نحب أن نسجل بعض المعاني التي لها علاقة بحكمة اختيار العرب لحمل الرسالة، وحكمة اختصاص قريش بين العرب بالخلافة.
إن الشعب العربي يملك طاقة نفسية هائلة، هذه الطاقة النفسية الهائلة إن أحسن تهذيبها وتوجيهها فعلت الكثير، وإلا كانت أداة دمار وتدمير، تحطم بعضها. فهي تشبه ماء السيل إن أحسن حبسه ووضعه وراء السدود أمكن الاستفادة منه، وإلا كان أداة دمار، هذه الطاقة النفسية الضخمة عند العرب التي لم يهذبها إلا الإسلام، وعند ما هذّبها فعلت ما فعلت. قد تكون هذه الطاقة النفسية الهائلة فيها سر اختيار الله للعرب لحمل رسالته، وقد تكون الحكمة في جانب آخر، فكل الشعوب عندها استعداد للتفاعل مع الإسلام، ولكن قد يكون العرب ساعة نزول القرآن عليهم هم أكثر الشعوب استعدادا للتفاعل الكامل الأعلى بكل جانب من جوانب الإسلام، فاختارهم الله لرسالته لعلمه بذلك اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (الأنعام: 124) وقريش هي أكثر العرب استعدادا لحمل هذا الدين والتفاعل معه؛ ومن ثم نلاحظ أن أرقى الخلق في الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا من قريش: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو عبيدة