الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حين يقف الخلق الضعاف القاصرون، أمام الخالق العزيز العليم).
7 - [عرض القراءات الواردة في قوله تعالى وَقِيلِهِ
…
]
في قوله تعالى: وَقِيلِهِ ثلاث قراءات: الرفع والنصب والجر، وقراءة الرفع شاذة وقراءة حفص الجر، وعلى قراءة الجر فهناك من أعربها على أنها معطوفة على كلمة الساعة من قوله تعالى وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ فيكون التقدير: وعنده علم قيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، وهناك اتجاه على أن الواو في. وَقِيلِهِ واو القسم فهي حرف جر، وقد ضعّفه الألوسي واعتمده صاحب الظلال قال صاحب الظلال في الآيتين الأخيرتين من السورة:
(وفي ختام السورة يعظم من أمر اتجاه الرسول صلى الله عليه وسلم لربه. يشكو إليه كفرهم وعدم إيمانهم. فيبرزه ويقسم به: وَقِيلِهِ. يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ.
وهو تعبير خاص ذو دلالة وإيحاء بمدى عمق هذا القول، ومدى الاستماع له.
والعناية به والرعاية من الله سبحانه والاحتفال.
ويجيب عليه- في رعاية- بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصفح والإعراض. وعدم الاحتفال والمبالاة. والشعور بالطمأنينة. ومواجهة الأمر بالسلام في القلب والسماحة والرضاء. وذلك مع التحذير الملفوف للمعرضين المعاندين، مما ينتظرهم يوم ينكشف المستور: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ، وَقُلْ سَلامٌ. فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ .. ).
كلمة أخيرة في سورة الزخرف:
عرضنا سورة الزخرف على أنها مقدمة ومقاطع ثلاث، المقدّمة هي: حم* وَالْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
والمقاطع الثلاثة كل منها مبدوء بقوله تعالى وَإِنَّهُ*: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ
…
، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ، وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ.
وقد لاحظنا أن كلا من المقاطع الثلاثة بدأ بمقدمة، ثم جاء المقطع بعد ذلك متصلا بهذه المقدمة. بدأ المقطع الأول بقوله تعالى: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ* أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ* وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ* وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ* فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ
الْأَوَّلِينَ.
ثم بدأ المقطع الأول يناقش عقائدهم ويقيم الحجة عليها لأنها علة المواقف، وناقش فيه أسباب موقفهم من القرآن. وبين أن علة هذه العقائد هي استمراريتهم على تقليد
الآباء. وناقش مبدأ التقليد الفاسد، وضرب مثلا بإبراهيم عليه السلام في رفضه التقليد السيّئ. ثم ناقش اعتراضهم على إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم وردّه، وذكر عقوبة العمى عن كتاب الله عز وجل، ثم وجّه توجيهات لرسول عليه الصلاة والسلام، وكان من هذه التوجيهات أمره الاستمساك بوحي الله، مبينا له أنه على صراط مستقيم.
ثم جاء المقطع الثاني مبتدئا بقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ* وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ. ثم عرض علينا قصة موسى وفرعون لنرى وحدة الرسالات وإجماعها على التوحيد، وناقش تكأة اتكأ عليها المشركون في تشبّثهم بشركهم بحجة بنوها على فهم خاطئ للقرآن.
ثم جاء المقطع الثالث مبتدئا بقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ* وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.
ثم جاءت قصة عيسى تبين أن مضمون الدعوتين واحد: ثم جاء حديث عن الساعة وما لأهل الجنة وأهل النار. ثم جاء حديث عن كيد الكافرين للدعوة. ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يفنّد أن يكون لله ولد كما ادعى النصارى أو ادعى بعض مشركي العرب إذ زعموا أن الملائكة بنات الله. ثم تحدث المقطع عن الله. وأقام الحجة عليهم بألسنتهم على أنه هو خالقهم. ثم ذكر المقطع شكوى الرسول صلى الله عليه وسلم من عدم إيمانهم، ثم جاء توجيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينبغي أن يفعله أمام عدم إيمانهم.
وقد جاءت نهاية المقطع تصل بدايته بنهايته؛ إذ بداية المقطع تحدثت عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، كما تحدثت على لسان المسيح عليه السلام عن كون العبادة لله هي الصراط المستقيم، وجاءت نهاية المقطع لتعمّق العبودية الخالصة لله من خلال الأسوة، ومن خلال التذكير بصفات الله عز وجل.
ولنلاحظ الصلة بين بداية السورة ونهايتها: وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ* وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ* فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ
الْأَوَّلِينَ في البداية، وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ* فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ في النهاية، وقد رأينا أثناء عرض كل مقطع صلة ذلك المقطع بمحور السورة.
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ.
هذا ويمكن أن نوجّه السياق في السورة وجهة أخرى، فالملاحظ أنه قد جاء بعد عدة آيات في السورة قوله تعالى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ .. وقبل آيتين من آخرها جاء قوله تعالى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ.
وقد اعتدنا في كثير من مقاطع السور أن نرى مقطعا مبدوءا ببداية ومنتهيا بنفس هذه البداية والمعنى هو الذي يحدد المسار، وهاهنا يمكن أن تتصور السورة على الشكل التالي.
تبدأ السورة بمقدمة هي: حم* وَالْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ* أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ* وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ* وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ* فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ.
وبعد المقدّمة يأتي قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ.
وسارت السورة مصححة للعقائد التي هي سبب المواقف الخاطئة من الوحي والرسل، وتحدثت عن علة هذا كله أي: التقليد، وتحدثت عن أمّة رفضت فعوقبت، وتحدثت عن أمم اختلفت على أنبيائها فاستحقت عذاب الله في الآخرة، ثم وعظت وذكّرت، وأقامت الحجج حجة بعد حجة، وانتهى الحديث بمثل ما بدأ به. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ .. فكانت السورة بهذا مقطعا واحدا.
ثم جاءت الخاتمة تبين أنه بعد هذا البيان كله لا يزال المشركون غير مؤمنين. وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ* فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.
ولو أننا تحدثنا عن سياق السورة على أنها مقدمة ومقطع واحد وخاتمة فإنّه يترتب على ذلك أن يوجه السياق توجيها جديدا. وهذا مظهر آخر من مظاهر الإعجاز في القرآن.
أنك تجد للسورة الواحدة أكثر من توجيه للسياق، وكل توجيه يعطيك معاني جديدة لا تتعارض، ولكنها تتساند فتتزايد بذلك مدلولات السورة. إن هذه السورة تكاد تكون مظهرا كاملا. لكون القرآن مبينا وعليّا وحكيما ومذكّرا وواعظا، ولا شك أن القرآن فيه قدر مشترك من كل هذه الخصائص في كل سورة منه. ولكن تبقى سورة أو مقطع نموذجا أعلى على وجود خاصية ما.
وسترى في الكلمة الأخيرة عن مجموعة (الشورى والزخرف والدخان) التكامل بين هذه السور التي تشكل مجموعة واحدة. ومن ثم فلن نتعرض لهذا الموضوع هنا.
***