الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودائر عليهم، والسوء: الهلاك والدمار وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ أي: أبعدهم من رحمته وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً أي: وساءت جهنم مصيرا، ثم قال عز وجل مذكرا بقدرته على الانتقام من الأعداء- أعداء الإسلام- من الكفرة والمنافقين
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيدفع كيد من عادى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بما شاء منها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً أي: غالبا فلا يرد بأسه حَكِيماً فيما يدبّر. ذكر جنده مرتين: المرة الأولى في معرض تأييده للمؤمنين، ثم ذكرهم هاهنا في معرض قدرته على الكافرين، وبهذا انتهى المقطع الأول الذي هو بمثابة مدخل إلى السورة.
كلمة في السياق:
جاء المقطع الأول بمثابة مدخل ومقدمة للسورة، فقد ذكر الله عز وجل فيه عنايته برسوله صلى الله عليه وسلم، وبالمؤمنين في أمر دنياهم وأخراهم، وذكر فيه نصره لهم وهدايته إياهم، وتحدّث فيه عن جنود السموات والأرض التي تأتمر بأمره عز وجل، وهي ملك له، وذلك بين يدي المقطع الذي يبدأ بتبيان مهمات رسول الله صلى الله عليه وسلم وواجبات المؤمنين تجاهه.
***
فوائد [حول آيات المقطع الأول]
1 - [نقل عن الألوسي وصاحب الظلال حول تبيان مظاهر الفتح في صلح الحديبية]
قال الألوسي: (وقد خفي ما كان في الحديبية فتحا على بعض الصحابة حتى بيّنه عليه الصلاة والسلام. أخرج البيهقي عن عروة قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية راجعا فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: والله ما هذا بفتح، ولقد صددنا عن البيت وصدّ هدينا، وعكف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالحديبية، ورد رجلين من المسلمين خرجا، فبلغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك فقال: «بئس الكلام هذا؛ بل هو أعظم الفتح. لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم، ويسألونكم القضية، ويرغبون إليكم في الأمان، وقد كرهوا منكم ما كرهوا، وقد أظفركم الله عليهم، وردكم سالمين غانمين مأجورين فهذا أعظم الفتح، أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم؟
أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون» قال المسلمون: صدق الله ورسوله هو أعظم الفتوح، والله يا نبي الله ما فكرنا فيما ذكرت ولأنت أعلم بالله وبالأمور منا).
وقال صاحب الظلال مبينا بعض مظاهر الفتح في صلح الحديبية: (فتكون بيعة الرضوان التي فاض منها الخير على الذين فازوا بها وسعدوا وكان هذا هو الفتح؛ إلى جانب الفتح الآخر الذي تمثل في صلح الحديبية، وما أعقبه من فتوح شتى في صور متعددة كان فتحا في الدعوة. يقول الزهري: فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه. إنما كان القتال حيث التقى الناس. فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب، وأمن الناس بعضهم بعضا، والتقوا؛ فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلّم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه. ولقد دخل في تينك السنتين (بين صلح الحديبية وفتح مكة) مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. قال ابن هشام: والدليل على قول الزهري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية- في ألف وأربع مائة في قول جابر بن عبد الله- ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف. وكان ممن أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص. وكان فتحا في الأرض. فقد أمن المسلمون شر قريش، فاتجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم إلى تخليص الجزيرة من بقايا الخطر اليهودي- بعد التخلص من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة- وكان هذا الخطر يتمثل في حصون خيبر القوية التي تهدد طريق الشام. وقد فتحها الله على المسلمين، وغنموا منها غنائم ضخمة، جعلها رسول الله- صلى الله عليه وسلم فيمن حضر الحديبية دون سواهم. وكان فتحا في الموقف بين المسلمين في المدينة وقريش في مكة وسائر المشركين حولها. يقول الأستاذ محمد عزة دروزة بحق في كتابه: «سيرة الرسول صور مقتبسة من القرآن الكريم):
ولا ريب في أن هذا الصلح الذي سماه القرآن بالفتح العظيم يستحق هذا الوصف كل الاستحقاق. بل إنه ليصح أن يعد من الأحداث الحاسمة العظمى في السيرة النبوية، وفي تاريخ الإسلام وقوته وتوطده، أو بالأحرى من أعظمها. فقد اعترفت قريش بالنبي والإسلام وقوتهما وكيانهما، واعتبرت النبي والمسلمين أندادا لها، بل دفعتهم عنها بالتي هي أحسن، في حين أنها غزت المدينة في سنتين مرتين، وكانت الغزوة الأخيرة قبل سنة من هذه الزيارة، وبحشد عظيم مؤلف منها ومن أحزابها لتستأصل شأفتهم، وبعثت هذه الغزوة في نفوس المسلمين أشد الاضطراب والهلع؛ لضعفهم وقلتهم إزاء الغزاة. ولهذا شأن عظيم في نفوس العرب، الذين كانوا يرون في قريش الإمام والقدوة، والذين كانوا