الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجموعة الثانية من المقطع الأول وتمتد من الآية (12) إلى نهاية الآية (20) وهذه هي:
45/ 12 - 20
التفسير:
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ أي: السفن فِيهِ بِأَمْرِهِ أي:
بإذنه وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي: في المتاجر والمكاسب، وبالغوص عن اللؤلؤ
والمرجان، واستخراج اللحم الطري وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي: على حصول المنافع المجلوبة إليكم من الأقاليم النائية والآفاق القاصية وغير ذلك.
وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أي: من الكواكب والشموس والأقمار، والجبال والبحار والأنهار وجميع ما تنتفعون به جَمِيعاً مِنْهُ قال ابن كثير: أي: الجميع من فضله وإحسانه وامتنانه. أي: من عنده وحده لا شريك له في ذلك. قال النسفي: أي سخّر هذه الأشياء كائنة منه أي: حاصلة من عنده إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أي: لدلالات على الله وصفاته وأسمائه لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ دلّ هذا على أن هذا النوع من الآيات يعرفه الإنسان بمجرد الفكر وفي كتابنا (الله جل جلاله تحدثنا عن ظاهرة العناية في هذا الكون، إذ إن كل ما فيه وجد بشكل ما لصالح الإنسان، فمن تفكر في هذا المعنى آمن وشكر. وقد ذكرت هاتان الآيتان ظاهرة العناية، وإذا كان استيعاب هذا المعنى يقتضي شكرا وإيمانا بالله واليوم الآخر بآن واحد، فإن هذا لم يخلق عبثا، فإن الآيتين الآتيتين تتحدثان عما ينبغي أن يقابل به المؤمنون الكافرين وعن سنة الله في
الحساب.
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ أي: لا يتوقعون وقائع الله بأعدائه، أو للذين لا يؤمّلون الأوقات التي وقّتها الله تعالى لثواب المؤمنين، ووعدهم الفوز فيها، قل للمؤمنين أن يعفوا عن هؤلاء ويصفحوا. قال ابن كثير:(وكان هذا في ابتداء الإسلام، أمروا أن يصبروا على أذى المشركين، وأهل الكتاب، ليكون ذلك كالتأليف لهم، ثمّ لمّا أصروا على العناد شرع الله للمؤمنين الجلاد والجهاد) ثم بيّن الله عز وجل الحكمة في هذا الأمر فقال: لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ قال ابن كثير: (أي إذا صفحوا عنهم في الدنيا فإن الله عز وجل يجازيهم بأعمالهم السيئة في الآخرة) وقال النسفي: هذا تعليل الأمر بالمغفرة، أي: إنما أمروا بأن يغفروا ليوفيهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة، وتنكير قَوْماً على المدح لهم، وكأنه قيل: ليجزي أيّما قوم قوما مخصوصين بصبرهم على أذى أعدائهم بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي: من الإحسان. هكذا فسّرها النسفي. وقال ابن كثير: أي: إذا صفحوا عنهم في الدنيا فإن الله عز وجل يجازيهم بأعمالهم السيئة في الآخرة ولهذا قال تعالى:
مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها أي: لها الثواب وعليها العقاب ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ فيجازيكم. قال ابن كثير: أي: تعودون إليه يوم القيامة فتعرضون بأعمالكم عليه،
فيجزيكم بأعمالكم خيرها وشرها، وإذ قرر الله عز وجل اقتضاء النعمة للشكر، واقتضاء الشكر والكفر للحساب والعقاب، وبعد أن أمر المؤمنين بالصفح عن الكافرين، وهذا في سياق إنزال الكتاب، فمن ثمّ يحدثنا الله عز وجل عن أن هذا الإنزال على محمد صلى الله عليه وسلم ليس بدعا، وما تقابل به هذه الشريعة ليس جديدا، وما يحدث من اختلاف عليها ليس غريبا قال تعالى:
وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ أي:
أي: التوراة وَالْحُكْمَ أي: الحكمة والفقه، أو فصل الخصومات بين الناس.
وَالنُّبُوَّةَ فكان الأنبياء فيهم كثيرين وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أي: مما أحل الله لهم وأطاب من الأرزاق وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ أي: على عالمي زمانهم
وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ أي: آيات ومعجزات مِنَ الْأَمْرِ أي: من أمر الدين فَمَا اخْتَلَفُوا أي: فما وقع الخلاف بينهم في الدين إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ أي:
إلا من بعد ما جاءهم ما هو موجب لزوال الخلاف وهو العلم، وإنّما اختلفوا لبغي حدث بينهم، أي: لعداوة هي أثر عن ظلم وحسد بينهم إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ قال ابن كثير: أي: سيفصل الله بينهم بحكمه العدل، وهذا فيه تحذير لهذه الأمّة أن تسلك مسلكهم، وأن تقصد منهجهم، ولهذا قال جل وعلا:
ثُمَّ جَعَلْناكَ بعد اختلاف أهل الكتاب عَلى شَرِيعَةٍ أي: على طريقة ومنهاج مِنَ الْأَمْرِ أي: من أمر الدين فَاتَّبِعْها أي: فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج والدلائل وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أي: ولا تتبع ما لا حجة عليه من أهواء الجهال ودينهم المبني على هوى وبدعة
إِنَّهُمْ أي: إن أهل الهوى والجهل لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي: من العذاب وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ للمشاركة فيما بينهم وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ وهم موالوه. قال النسفي:
(وما أبين الفضل بين الولايتين) أي: ولاية الظالمين بعضهم لبعض، وولاية الله للمتقين، فكن أيها المسلم تقيا لتكون لله وليا،
قال تعالى هذا أي: القرآن بَصائِرُ لِلنَّاسِ أي: عيونا لقلوبهم ترى فيها الأشياء على حقيقتها. قال النسفي:
(جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع بمنزلة البصائر في القلوب كما جعل روحا وحياة) ثم قال تعالى مكملا الحديث عن كتابه: وَهُدىً أي: من الضلال وَرَحْمَةٌ من العذاب لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أي: لمن آمن وأيقن.
قال صاحب الظلال في الآية الأخيرة: (ووصف القرآن بأنه بصائر للناس يعمق معنى الهداية فيه والإنارة. فهو بذاته بصائر كاشفة كما أن البصائر تكشف لأصحابها عن