الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن بدايتي المقطعين- الثاني والثالث- بكلمتي (وكذلك)(وكذلك) ندرك أنهما معطوفان على بداية المقطع الأول المبدوء بكلمة (كذلك). وهذا وحده يشعر بوحدة السورة.
ولعلّ أهم ما نلفت النظر إليه أن هذه السورة تتحدّث عن صفات جماعة المسلمين، فمن توافرت فيه الخصائص التي تتحدّث عنها هذه السورة فهم جماعة المسلمين، كائنا من كانوا. وهذا يجعلنا ننتبه كثيرا ونحن نقرأ هذه السورة أو نحاول فهمها وتفهيمها.
نقول: [تقديم الألوسي وصاحب الظلال لسورة الشورى]
1 - قال الألوسي في تقديمه لسورة الشورى:
(وتسمى سورة «حم عسق» «وعسق» نزلت- على ما روي عن ابن عباس، وابن الزبير- بمكة، وأطلق غير واحد القول بمكيتها من غير استثناء. وفي البحر هي مكية إلا أربع آيات من قوله تعالى:
قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى إلى آخر أربع آيات. وقال مقاتل:
فيها مدني قوله تعالى: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ إلى الصُّدُورِ. واستثنى بعضهم قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى الخ، قال الجلال السيوطي: ويدل له ما أخرجه الطبراني والحاكم في سبب نزولها، فإنها نزلت في الأنصار، وقوله سبحانه:
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ الخ فإنها نزلت في أصحاب الصّفّة رضي الله تعالى عنهم، واستثنى أيضا وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ إلى قوله تعالى: مِنْ سَبِيلٍ حكاه ابن الفرس. وسيأتي- إن شاء الله تعالى- ما يدل على استثناء غير ذلك على بعض الروايات، وجوز أن يكون الإطلاق باعتبار الأغلب. وعدد آياتها ثلاث وخمسون في الكوفي، وخمسون فيما عداه، والخلاف في قوله تعالى: حم عسق وقوله تعالى:
كَالْأَعْلامِ كما فصّله الداني، وغيره. ومناسبة أولها لآخر السورة قبلها اشتمال كل على ذكر القرآن، وذب طعن الكفرة فيه، وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم.
2 - ومن تقديم صاحب الظلال للسورة:
(هذه السورة تعالج قضية العقيدة كسائر السور المكية، ولكنها تركز بصفة خاصة على حقيقة الوحي والرسالة، حتى ليصح أن يقال: إنها هي المحور الرئيسي الذي ترتبط به السورة كلها، وتأتي سائر الموضوعات فيها تبعا لتلك الحقيقة الرئيسية فيها.
هذا مع أن السورة تتوسع في الحديث عن حقيقة الوحدانية، وتعرضها من جوانب متعددة، كما أنها تتحدّث عن حقيقة القيامة والإيمان بها، ويأتي ذكر الآخرة ومشاهدها في مواضع متعددة منها. وكذلك تتناول عرض صفات المؤمنين وأخلاقهم التي يمتازون بها. كما تلمّ بقضية الرزق- بسطه وقبضه- وصفة الإنسان في السراء والضراء.
ولكن حقيقة الوحي والرسالة وما يتصل بها، تظل- مع ذلك- هي الحقيقة البارزة في محيط السورة، والتي تطبعها وتظللها. وكأن سائر الموضوعات الأخرى مسوقة لتقوية تلك الحقيقة الأولى وتوكيدها).
وبعد فمن وراء التركيز على حقيقة الوحي والرسالة في سياق السورة كله يبرز هدف خاص لعرضها على هذا النحو وفي هذا التتابع.
هذا الهدف هو تعيين القيادة الجديدة للمبشرين ممثلة في الرسالة الأخيرة، ورسولها، والأمة المسلمة التي تتبع نهجه الإلهي الثابت القويم.
وتبدأ أول إشارة من مطلع السورة كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .. لتقرر أنّ الله هو الموحي بجميع الرسالات لجميع الرسل، وأن الرسالة الأخيرة هي امتداد لأمر مقرر مطرد من قديم.
وتأتي الإشارة الثانية بعد قليل: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها .. لتقرر مركز القيادة الجديدة التي سترد الإشارة إليها فيما بعد.
وفي الإشارة الثالثة يقرر وحدة الرسالة بعد ما قرر في الإشارة الأولى وحدة المصدر:
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ..
وتستطرد هذه الإشارة إلى تقرير أن التفرق قد وقع، مخالفا لهذه التوصية، ولم يقع عن جهل من أتباع أولئك الرسل الكرام ولكن عن علم، وقع بغيا وظلما وحسدا:
وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ..
ثم تستطرد كذلك إلى بيان حال الذين جاءوا من بعد أولئك الذين اختلفوا: وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ..
وعند هذا الحدّ يتبيّن أن البشرية قد آلت إلى فوضى وارتياب، ولم تعد لها قيادة
راشدة تقوم على نهج ثابت قويم، فرسالة السماء التي تقود البشرية قد آلت إلى اختلاف بين أتباعها، والذين جاءوا من بعدهم تلقوها في ريبة وفي شك لا تستقيم معهما قيادة راشدة. ومن ثم يعلن انتداب الرسالة الأخيرة وحاملها- صلى الله عليه وسلم لهذه القيادة:
فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ .. الخ .. ومن ثم تجئ صفة الجماعة المؤمنة
المميّزة لها، طبيعية في سياق هذه السورة- في الدرس الثاني- بوصفها الجماعة التي ستقوم على قيادة هذه البشرية، على ذلك النهج الثابت القويم).
***